تتخذ كل الموازنات العربية المُعلنة للعام المقبل منحى أكثر شدّة في التعامل مع المواطنين، بتحميلهم أعباء معيشية واقتصادية أكبر، من شأنها أن تزيد المعاناة الاجتماعية، خصوصاً مع ارتفاع الأسعار المتواصل لكل السلع والخدمات واعتماد سياسة تقشف أكثر حزماً وفرض مزيد من الضرائب والرسوم.
واللافت أن مشاريع الموازنات العامة التي تُعدّها الحكومات لسنة 2019، قد تحوّلت إلى أداة تستخدمها السلطات لسد عجوزاتها المالية من جيب المواطن، على الرغم من أن هذا العجز ناتج أساساً من الفساد وسوء اللإدارة وإهدار المال وعدم الاستخدام الكفء للموارد المتاحة، يحدث ذلك بدلاً من توجيه الحكومات هذه الموازنات إلى أهدافها الحقيقية التي تفترض وضع خطط تنموية وتطويرية لمختلف القطاعات، لا سيما الإنتاجية منها، بما يضمن في نهاية المطاف رفع مستوى معيشة شعوبها التي بات يغلب عليها الفقر.
والملاحظ أن القاسم المشترك الأبرز بين مشاريع الموازنات المعلنة في الدول الغنية أو الفقيرة، على السواء، أن المواطن هو أكبر الخاسرين في شتى الأحوال، فهو الذي سيتكبّد شظف العيش من أجل سداد جبال من الديون الداخلية والخارجية، فيما تُمعن السلطات التشريعية والتنفيذية في تقليص دعم السلع والخدمات ورفع أسعار الوقود والكهرباء وغيرها.
وليس دور صندوق النقد الدولي ببعيد عن هذه السياسات، فوصفاته الضريبية والتقشفية معهودة منذ عقود، وما دخل في سياسة اقتصادية ونقدية لبلد ما إلا دفع شعبه ثمناً باهظاً مقابل قروض هائلة بمليارات الدولارات مصحوبة بمساعدات من منظمات دولية لا تُسمن من جوع ولا تغني من فقر.
والغريب أن الحكومات تلهث مندفعة لتسكين أزماتها بما تنطوي عليه "روشتة" صندوق النقد، رغم ما أدّت، وتؤدي، إليه "وصاياه" من انفجارات اجتماعية تعكس الغضب الشعبي والنقابي العارم ضد انتهاك سيادة الدول، من جهة، وضد تحميل المواطن ثمن السياسات الهشّة التي أوصلت بلدان المنطقة إلى حافة الهاوية، من جهة أخرى.
وفي حين لم تنجُ الدول العربية الغنية بالنفط من مصيدة الاقتراض من أجل وقف نزيف احتياطياتها النقدية، مع ما أدى إليه ذلك من بلوغ ديونها مستويات قياسية لم تعرفها سابقاً، بدا لافتاً، بمقارنة الموازنات، أن الدول التي تشهد اضطرابات وحروبا كانت موازناتها الأكثر تضرراً ومواطنوها الأكثر معاناة قياساً ببقية الشعوب.