بعد مرور عامٍ على وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ما زال الشعب الأميركي منقسماً في تقييمه لرئيسه الخامس والأربعين. ومع تعدد الجوانب المثيرة للجدل خلال عامٍ كاملٍ من حكمه، فقد كانت سياساته الاقتصادية واحدة من أهم النقاط التي شهدت تبايناً شديداً في التقييم بين المؤيدين والمناهضين.
وفي حين تباهى ترامب وفريقه الاقتصادي ومؤيدوه ببعض المؤشرات، رأى فريق آخر أن سياسات ترامب شابها الكثير من الانحياز للأثرياء، وهناك العديد من القرارات التي سيكون لها تأثير سلبي كبير على المدى البعيد، ما ينذر بخفوت نجم الولايات المتحدة وتحول البريق تجاه الصين الذي نجحت إلى حد كبير في جذب الكثير من الدول الأوروبية والآسيوية التي أضرتها سياسة الحماية التي يتبناها ترامب وباتت تهدد مصالحها الاقتصادية والتجارية.
خسارة كبيرة للدولار
وخسر الدولار 10% من قيمته في مواجهة العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) خلال العام الأول لترامب، كما فقد 5% من قيمته أمام العملة الصينية (الرينمينبي). ويعد أداء العملة الأميركية خلال العام الماضي الأسوأ منذ 2003.
وكان الدولار قد بدأ 2017 مرتفعا، حيث سجل وقتها المؤشر الذي يقيس أداءه مقابل سلة تضم ست عملات رئيسية أعلى مستوى في 14 عاما، وسط آمال بأن يطبق الرئيس الأميركي دونالد ترامب إجراءات تصب في مصلحة الاقتصاد، لكنه هبط بعد ذلك بفعل شكوك في قدرة ترامب على المضي قدما في تلك السياسات.
وإذا كان ترامب وفريقه الاقتصادي يرون ذلك الانخفاض في قيمة العملة الأميركية كونه ميزة في صالح تقليص العجز في الميزان التجاري المعتل للولايات المتحدة، فهو بلا شك يزيد من تكلفة السفر وشراء البضائع غير الأميركية على المواطن.
وجاء وضع العملة الأميركية خلال عام ترامب الأول، في المرتبة الثانية بين العملات الكبرى من حيث سوء الأداء، بعد الدولار النيوزيلاندي، وذلك على الرغم من رفع معدل الفائدة ثلاث مرات في ذلك العام.
وبجانب أداء العملة الأميركية ورفض العديد من الدول خاصة الشركاء التجاريين سياسة ترامب، باتت احتياطيات النقد الأجنبي العالمية تتحول بنسب ملفتة بعيداً عن الدولار.
وأشار صندوق النقد الدولي في تقرير حديث إلى أن نسبة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية وصلت في نهاية الربع الثالث من 2017 إلى أدنى مستوى لها منذ منتصف عام 2014. وأنها شهدت انخفاضاً خلال الثلاثة أرباع الأولى من العام الماضي.
وقرر البنك المركزي الألماني، أمس الإثنين، ضم العملة الصينية اليوان إلى احتياطياته من النقد الأجنبي. كما أعلنت باكستان قبل أسبوع عن تحولها رسمياً من الدولار إلى اليوان في تجارتها واستثماراتها مع بكين، في رد فعل مباشر على تغريدة ترامب، التي انتقد فيها إسلام آباد ووصفها بالكذب والخداع.
ويرى باري إيشنجرين من جامعة كاليفورنيا، وأرنو ميهل وليفيا شيتو من البنك المركزي الأوروبي، والذين شاركوا في وضع فرضية "الزئبق والمريخ" حول نسبة وقيمة العملات الاحتياطية، أن انصراف بعض البنوك المركزية عن الدولار كمكون احتياطي يرجع إلى سياسات ترامب الانعزالية".
وقالوا "إن هيمنة الدولار كعملة دولية، يدعمها دور البلاد كقوة عالمية تضمن أمن الدول المتحالفة. فإذا كان ينظر إلى هذا الدور على أنه أصبح غير مؤكد، لأن الولايات المتحدة تنوي الانفصال عن الجيوسياسية العالمية لمصلحة المزيد من السياسات المهتمة بالداخل على حساب الخارج، فإن ميزة الأمن التي يتمتع بها الدولار يمكن أن تنخفض".
وأضافوا في ورقة بحثية مشتركة اطلعت عليها "العربي الجديد": "تشير تقديراتنا إلى أن ما يقرب من 750 مليار دولار من الأصول الرسمية، أي ما يعادل 5% من الدين العام القابل للتداول في الولايات المتحدة، سيتم تصفيتها واستثمارها في عملات أخرى مثل الين أو اليورو أو الرنمينبي".
إصلاح خادع للأميركيين
وقام فريق ترامب الاقتصادي بوضع بنود في قانون الإصلاح الضريبي، بما يسمح بتمريره، وبصورة فجة ستظهر تداعيات هذا القانون في السنوات القليلة القادمة، حين يتم إلغاء أغلب الإعفاءات الموجهة للأسر الأميركية، رغم أنه يمنح الشركات تسهيلات كبيرة.
فالكثيرون ينظرون إلى القانون على أنه أكبر إصلاح ضريبي في الولايات المتحدة منذ واحد وثلاثين عاماً، ويكلف الخزانة العامة حوالي 1.5 تريليون دولار على مدار السنوات العشر القادمة.
لكنه سيؤدي إلى زيادة الدين العام الأميركي، بما يقدر بتريليون دولار إضافية، وهو الذي سجل أعلى معدل له في عام ترامب الأول بأكثر من 20 تريليون دولار.
غير أن فريق ترامب الاقتصادي يرون أن النظام الضريبي الجديد سيؤدي إلى زيادة معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بين 0.5% و1%، بينما أعرب بنك الاحتياط الفيدرالي عن عدم تأكده من صحة تلك التوقعات.
وكان أهم ما جاء في قانون الإصلاح الضريبي الجديد تخفيض الحد الأقصى للضرائب على الشركات من 35% إلى 21%، وتخفيض الضرائب على أرباح الشركات الأميركية المعادة إلى البلاد، مع بعض التخفيضات البسيطة في الضرائب على الأفراد، بالإضافة إلى إلغاء الكثير من الإعفاءات الضريبية للأفراد خلال السنوات القليلة القادمة.
البطالة وثقة المستهلكين
في مقابل النتائج السلبية، فثمة مؤشرات إيجابية تحققت خلال العام الأول لترامب. فقد انخفض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له منذ عام 2000 ووصل إلى 4.1% بعد أن كان 4.8% عند وصوله للبيت الأبيض.
كما بلغت ثقة المستهلكين في عام ترامب الأول أعلى مستوى لها منذ عام 2000، وأيضا تجاوزت مبيعات المنازل مستوياتها خلال العقد الماضي. لكن زيادة التوظيف وانخفاض معدلات الفائدة أديا معاً إلى ارتفاع متوسط تكلفة المنزل خلال الشهور الاثني عشر الأولى من حكم ترامب من مستوى 364.9 ألف دولار أميركي إلى 375.7 ألف دولار.
وتجاوز معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي مستوى 3% في آخر ربعين من العام الماضي 2017. وتعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بالوصول بمعدل النمو لأكثر من 4%. لكن تشاك جونز، محلل الاقتصادات العالمية بمجلة فوربس، يقول إن "المقارنة على أساس سنوي، ومعرفة الأسباب الحقيقية لمعدلات النمو المسجلة، توضحان أن النمو ليس قوياً كما يبدو".
وشهدت البورصة ارتفاعاتٍ كبيرة، حيث قفز مؤشر داو جونز الصناعي، المؤشر الرئيسي لأكبر 30 شركة في السوق الأميركية، من 18589.7 نقطة عند إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية، إلى 25385 نقطة وقت كتابة هذه السطور، أي أنه ارتفع حوالي 6800 نقطة، وبنسبة تتجاوز 37%، وهو أعلى مستوى يصل إليه المؤشر منذ بداية احتسابه قبل أكثر من مائة وعشرين عاماً، وحقق المؤشر أكثر من سبعين رقماً قياسياً منذ وصول ترامب.
ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لمؤشر "إس إند بي" لأكبر 500 شركة أميركية، حيث توالى تحقيق المؤشر لمستويات قياسية، لتتجاوز مكاسبه نسبة 30% منذ انتخاب ترامب.
ويبدأ عام 2018 بارتفاع 2.5% في أول ستة أيام من العام، مسجلاً أفضل بداية عام له منذ عام 1987. كما ارتفع مؤشر ناسداك لأسهم التكنولوجيا بأكثر من 36% منذ الإعلان عن فوز ترامب.
وغرد ترامب كعادته منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي متباهياً بالارتفاعات المتتالية للأسهم الأميركية خلال العام الأول من رئاسته. لكن سرعان ما رد عليه جاستن ولفرز، أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة ميشيغن، قائلاً إن "أداء سوق الأسهم في عهد أوباما كان أفضل من أدائها في عهد ترامب بعد مرور نفس المدة من رئاستهما".