محافظ المركزي العراقي: محادثات مع أميركا حول استثناءات إضافية من عقوبات إيران

12 ديسمبر 2018
مبادرات تمويلية تصل إلى 6 مليارات دولار (العربي الجديد)
+ الخط -

يتحدّث علي محسن العلاق، محافظ البنك المركزي العراقي بالوكالة، في مقابلة مع "العربي الجديد"، عن مرحلة نقدية ومالية صعبة مرّت على بلاده، مع توتر الأوضاع الأمنية وانخفاض الإيرادات النفطية، وكذلك تداعيات العقوبات على إيران.

وإلى نص الحوار:

ـ ماذا حقّق البنك المركزي العراقي بعد استقرار الوضع الأمني في البلاد خلال الفترة الأخيرة؟

لقد تجاوزنا مرحلة مهمة وخطيرة على المستوى الأمني والمالي في السنوات السابقة، وواكب البنك المركزي المرحلة الصعبة في قتال من نوع آخر، تمثّل بمحاولة المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي.

ما خلفته السنوات الماضية من خراب ودمار وتراجع في الخدمات والبنى التحتية دعانا إلى التفكير في تعزيز التوجّه التنموي لعملنا. وطبعاً البنك المركزي العراقي له دور في هذا الموضوع، باعتبار أن القطاع المصرفي يستطيع حشد الموارد اللازمة لتطوير عملية التنمية، بالإضافة إلى المبادرات التي يقوم بها المركزي.

من هنا أطلقنا مبادرات تمويلية يصل حجمها إلى 6 مليارات دولار في القطاع الصناعي والزراعي والإسكان، وهي ربما الكبرى في تاريخ العراق. 

ـ ذكرت سابقاً أنه خلال هبوط أسعار النفط تراجعت الإيرادات النفطية 70%، ماذا فعل البنك المركزي في ظلّ هذه الأزمة؟

كان يوجد تحدٍّ كبير وظرف صعب، وأعلنت وزارة المالية في بداية 2016 عدم قدرتها على سداد رواتب الموظفين. هنا، مباشرة أعلنا أنه يمكن ترتيب الأمور، خوفاً من انهيار الوضع العام.

فقانون البنك المركزي يسمح له بشراء حوالات خزينة (أداة اقتراض) عائدة للحكومة، واكتتب فيها كل من مصرفي الرافدين والرشيد، فصار تمويلاً غير مباشر، وطبعاً لم تكن هناك خيارات، فالعجز كان كبيراً.

إضافة إلى ذلك، حصل العراق على بعض التمويلات من البنك وصندوق النقد الدوليين، ولكن المبالغ كانت قليلة نسبة إلى تلك التي قدمها البنك المركزي، فقد وضعنا فائدة مرتفعة على الحوالات توازي تلك المعمول بها في السوق، وذلك لكي تكون وزارة المالية حريصة على السداد، وكذلك حرّرنا قسماً من احتياطات المصارف لشراء حوالات خزينة، وشكّلت هذه المبالغ حوالي 20 تريليون دينار خلال سنتين، أي حوالي 18 مليار دولار.

ـ نلحظ استقرار التضخم عند 2%، في المقابل يوجد في العراق تراجع للقدرة الشرائية وارتفاع في نسب الفقر والبطالة، كيف تفسّر هذه المفارقة؟

من جهة يوجد إنفاق حكومي، وهو في الغالب استهلاكي، لذلك هناك انتعاش في القطاع التجاري، ولكن هذا النشاط لا يولّد فرص عمل، في المقابل القطاع الإنتاجي لا يزال متخلّفاً في هذا الإطار، في حين أنه المضمار الذي يولد الوظائف.

لذلك النشاطات الهامشية لا تزال هي الغالبة، ما يخلّف أعداداً كبيرة من العاطلين عن العمل، وخاصة بين الخريجين الذين لا يجدون وظائف تناسب تخصصاتهم. وكذلك يوجد ضعف في الاستثمارات والمشاريع، ما يراكم نسب البطالة، لذلك البنك المركزي باعتباره المجَس الأقرب للاقتصاد يحاول تحفيز القطاعات الإنتاجية. 

ـ تعتبر استقلالية البنك المركزي في أي بلد أساسية لكي يستطيع التحكم بالمؤشرات الاقتصادية، إلى أي مدى هذا الشرط متوافر في العراق؟ وكذلك لحظنا انتقادك لتأثير السياسات المالية السلبي على القطاع النقدي، في حين أن "المركزي" هو مستشار مالي للحكومة؟

الحقيقة لا يوجد تأثير أو تدخل مباشر، ولكن توجد تأثيرات غير مباشرة، وتقود إلى تداعيات كبيرة على السياسات النقدية. وذلك، من حيث خضوع السياسة المالية إلى الظروف والمتغيرات الأمنية والسياسية والعسكرية أكثر من خضوعها إلى معايير الانضباط المالي التي تتناغم مع السياسات النقدية.

حتى وزارة المالية رغم أنها تأخذ الكثير من الضغوط بالاعتبار، إلا أن الموازنة التي تعدها تخضع مرة أخرى للمراجعة السياسية في مجلس النواب (البرلمان) ويتغير كثير من بنودها، لذلك تضغط طبيعة النفقات والإيرادات والعجز ونوعه، على السياسة النقدية. 

ـ ماذا عن المستويات المرتفعة للفساد ربطاً بتغطية البنك المركزي الفجوات التمويلية التي يخلفها؟

الفساد يؤثر على كل شيء، وضمناً الاقتصاد والاستثمار وبيئة العمل وغيرها. وبالتالي يتأثر البنك المركزي الذي يعمل بشكل أفضل حين يكون الأداء الاقتصادي والاستثماري سليماً، وحين يكون النظام الإداري والمؤسساتي فعالاً، لأن ذلك يخفف من الضغوط على البنك المركزي ويجعل تعبئة الموارد وحركتها شفافة وواضحة ومتجهة إلى الأهداف الصحيحة. لذا، بالتأكيد الفساد يشكل مصدر تهديد وتأثير على مجمل الأوضاع الاقتصادية، وبالتالي على البنك المركزي الذي يهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

ـ كيف يتعامل البنك المركزي مع توسيع العقوبات الأميركية على إيران، خصوصاً أن هنالك صفقات تحتاج إلى مدفوعات بالدولار، تحديداً في ما يتعلق بالغاز والكهرباء؟

بالنسبة إلى البنك المركزي أصبحت لديه حالة من التكيف مع العقوبات، فالتعامل بالدولار مع إيران متوقف منذ عام 2012، ومن الناحية العملية، لا يمكن القيام بتحويلات كهذه، كون أي مدفوعات بهذه العملة ستمرّ في المنظومة المالية الأميركية وستتوقف، لذلك كان العراق يلجأ إلى السداد بعملات أخرى.

والآن مع توسّع دائرة الحظر وتحفظات الدول، أصبحت الخيارات محدودة حتى في تسوية المدفوعات بعملات أخرى غير الدولار. وفي الوقت ذاته، هناك أمور ضرورية تربط العراق بإيران، منها الغاز والكهرباء.

حالياً، هناك تفاهم مع الجانب الأميركي في محاولة لترتيب هذا الأمر أو الحصول على بعض الاستثناءات وقطعت المحادثات شوطاً متقدماً وقد يتم بتّ هذا الموضوع في وقت قريب، والأرجح خلال أيام. 

ـ كيف يقارب العراق معايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب؟

هذا الموضوع جديد بالنسبة إلى العراق، جديد كظاهرة وكإجراءات. ولم تكن هناك جهات خاصة معنية بهذا الموضوع في السابق. ومنذ تولينا مهمة إدارة البنك المركزي أعطينا اهتماماً كبيراً لهذا الملف، من خلال تشكيل دائرة مستقلة معنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ودعمناها بالقدرات اللازمة إدارياً ومالياً وحتى بالاستقلالية.

وفي الوقت ذاته عملنا على تشريع قانون جديد، إذ إن حوالي 70% من الثغرات في هذا المجال كانت بسبب النقص التشريعي. لذلك ركّزنا على هذا الموضوع وصدر القانون الناظم في 2015، وأعدّ وفق أفضل المعايير العالمية بالاشتراك مع المنظمات الدولية المختصة والمعنية بهذا الملف.

وبعد هذا القانون تحرّكت إجراءات عديدة من حيث إصدار اللوائح والقواعد الرقابية والتنظيمية، كون هذا الملف يخص قطاعات عديدة. عندما بدأنا كنا في المنطقة الرمادية وخلال هذه السنة خرجنا من آخر مرحلة، وهي مرحلة المتابعة المستمرة، وأصبحنا كبقية الدول في ما يتعلق بتطبيق المعايير الدولية المتبعة.

ـ هل البنك المركزي قادر على التحكم بالمصارف العاملة في العراق كافة، في ما يتعلق بإجراءات غسل الأموال وتمويل الإرهاب؟ وهل المصارف تلتزم فعلاً بتعميمات "المركزي"؟

البنك المركزي العراقي لديه رقابة دقيقة على المصارف وتطبيق صارم لمبدأ "اعرف زبونك". صراحة هناك تقدم كبير في التطبيق، لأن إجراءات البنك المركزي قوية وصارمة، ولدينا رقابة مكتبية وميدانية.

من جهة أخرى هذا الموضوع يحوز على اهتمام دولي، وإذا أخفق المصرف في الالتزام بالمعايير سيخفق بالتالي بتعاملاته الخارجية. واليوم أي مصرف لا توجد لديه تعاملات خارجية سيصبح دكاناً محلياً.

لذلك يوجد التزام من قبل المصارف وتعاون في توفير الدعم الفني وبناء القدرات والتدريب وغيره. كذلك، توجد اختبارات للعاملين في هذه القطاعات، بالتزامن مع إنشاء وحدات لمكافحة غسل الأموال في كل مصرف ووحدات امتثال.

ـ نلحظ وجود مشكلة ثقة بالمصارف العراقية من قبل المواطنين، تترافق مع تعثر مالي طاول عدداً من المصارف في السنوات الماضية، هل يتدخل البنك المركزي في فرض زيادة برؤوس أموال المصارف من جهة، وتعويض المودعين من جهة أخرى؟

عندما نأخذ عدد المصارف المتعثرة إلى إجمالي المصارف العاملة في العراق تصبح النسبة طبيعية. يوجد أقل من 5 مصارف متعثرة الآن من أصل 70 مصرفاً عاملاً.

وتواجه المصارف تحديات مع الظروف العامة القائمة، ومن جهة أخرى يوجد كثير من المشاكل مرتبطة بالتزام المواطنين تجاه المصارف. عنما تكون هنالك ظروف مرتبطة بالتحلل الأمني والسياسي وغيره، يصبح هناك تجاوز للقانون وعدم التزام بالدفع. فأكثر المصارف حديثة العهد وعندما يوجد كثير من المقترضين الذين لا يسددون أقساطهم يصبح هناك تعثر، إذ يوجد أكثر من 6 تريليونات دينار (5 مليارات دولار) من القروض المتعثرة، من أصل 37 تريليون دينار.

وخلال الأزمة المالية التي مرّ بها العراق كانت لدينا مؤشرات مقلقة مرتبطة بنحو 10 مصارف، ودخلنا إلى الخط ووضعنا بعض الإجراءات والتعديلات واستطعنا معالجة عدد من المشكلات ولم يبق سوى 3 إلى 4 مصارف تحتاج إلى بعض المعالجات. 

ـ هل حصل دعم نقدي للمصارف المتعثرة، أم تم استخدام للاحتياطي الذي تضعه المصارف لدى المصرف المركزي لتعويض المودعين؟

حتى الآن لم نقدم أي دعم نقدي مباشر، ولكن دفعنا للقيام بإجراءات داخل المصارف المتعثرة، وضغطنا لتقليل بعض النفقات أو تسييل بعض الموجودات من العقارات وغيرها، وحتى الآن لم يحصل أي إفلاس في القطاع، ونحن نتجنّب هذه الخطوة. أغلب المودعين هم جدد و"تبحبحوا" في السنوات الأخيرة، ولا نريد أن نلحق الضرر بهم.

مثلاً هناك مصرف كان الأسوأ وضعاً بين المصارف المتعثرة وهو دار السلام، طبقنا عليه فكرة "المصرف الجسري"، وهو مصرف تابع مباشرة إلى البنك المركزي العراقي، ويقوم الأخير بتشغيله لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات، وصولاً إلى تمكينه ليصبح جاهزاً للبيع. وضمن هذا المشروع حوّلنا المودعين إلى مساهمين في المصرف، ما يحافظ على أموالهم.

المساهمون