بعد إشعال النيران في المنطقة العربية، بإعلان القدس وتأليب السعودية على دول المنطقة، يتجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو آسيا، لتخريب التوازن الاستراتيجي الذي حفظ الاستقرار الأمني طوال عقود بين الصين ودول جنوب شرقي آسيا، وهو ما يطرح السؤال حول ما إذا كان ترامب سينهي، في الخطاب الذي سيلقيه غداً الإثنين بشأن الأمن القومي، شهر العسل الصيني ـ الأميركي، الذي بدأ في لقائه الرئيس شي جين بينغ في فلوريدا، في إبريل/نيسان الماضي، ليبدأ فترة مواجهة جديدة مع بكين، أو سيحافظ على شعرة معاوية؟
الاحتمال الأول وارد، حيث تشير تقارير أميركية بريطانية إلى أن ترامب سيستعدي، في خطابه اليوم الإثنين، الصين، وربما يصفها بـ "العدو الاقتصادي"، في خطوة قد تكون بداية للتوتر بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، وذلك وفقاً لما نسبت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إلى مصادر على اطلاع باستراتيجية الأمن القومي الأميركي.
وحسب الصحيفة المالية، فإن ترامب قد يقترح، في خطابه، اتخاذ إجراءات اقتصادية صارمة ضد الصين، ربما تفتح الباب أمام توتر اقتصادي جديد في الساحة الدولية، بعد فترة من الهدنة وتفادي المواجهة بين العملاقين، خلال اللقاءات التجارية التي تمت ضمن قمة العشرين ومنظمة التجارة العالمية.
ويسعى ترامب إلى بناء "أميركا العظيمة" على مبدأ "أميركا أولاً"، وتكريس سياسة تجارية واقتصادية انعزالية على أنقاض التعاون الاقتصادي والمالي القائم على أسس النظام المالي والاقتصادي والتجاري التي أنشئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وفي المقابل، فإن الصين تعمل على بناء اقتصاد جديد "متعدد المحاور"، مواز للنظام القائم، في خطوات مالية وتجارية تسحب تدريجياً البساط من الهيمنة الأميركية.
وحسب تقرير "فايننشال تايمز"، فإن ترامب يشعر بأنه فشل في تحقيق نجاحات من سياسة الهدنة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وإن هذه الهدنة لم تخدم أهداف "أميركا العظيمة"، وبالتالي فإنه من المتوقع أن تظهر وثيقة الأمن القومي التي سيبرزها ترامب اليوم الإثنين، أن الصين ليست فقط منافساً اقتصادياً وتجارياً للولايات المتحدة، لكنها كذلك دولة مهدِدة اقتصادياً للأمن القومي الأميركي.
وفي ذات الصدد، قالت مصادر أميركية إن ترامب مستاء جداً من الخطوة الصينية التي اتخذتها بكين، خلال الأسبوع الماضي، بإعطاء الضوء الخضر للبدء في عمل بورصة للنفط التي سيتم فيها تداول العقود المستقبلية للخامات باليوان المدعوم بالذهب.
وحسب هؤلاء، فإن هذه خطوة ينظر لها الرئيس الأميركي بأنها تهدد استمرارية هيمنة الدولار عالمياً، إذ يعتمد الدولار، في جزء كبير من غطائه، على تجارة النفط، حيث يتم تسعير النفط والمتاجرة فيه حصرياً على العملة الأميركية، فيما يعرف بالبترودولار. وتصل قيمة التجارة في النفط إلى نحو 1.72 تريليون دولار سنوياً.
كما أن ترامب غاضب من إنشاء بورصة الذهب الصينية التي يتم التعامل فيها باليوان. وتتجه بورصة الذهب الصينية، التي بدأت التعامل في بداية العام الجاري، إلى ضم روسيا وكل من الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، أي كل كتلة دول "بريكس"، خلال العام الجاري.
يذكر أن الذهب كذلك من المعادن الثمينة التي يتم تسعير جزء كبير منها بالدولار، وأن أي تحوّل جزئي من تسعيرها بالدولار سيقود إلى التقليل من هيمنة العملة الأميركية على هذا السوق الضخم.
وقد وجد ترامب، الذي بدأ حملته الانتخابية بهجوم شديد على الصين، وكان يأمل في التحالف مع روسيا ضد بكين، وجد نفسه في أعقاب انتخابه رئيساً للولايات المتحدة بحاجة إلى علاقات ودية مع بكين لمعالجة التهديد النووي الكوري الشمالي.
وبحسب المصادر الأميركية، فإن ترامب يشعر حالياً بأن بكين فشلت في معالجة أزمة الصواريخ النووية الكورية، وأنها تواصل التمدد في يورو آسيا وجنوب شرقي آسيا، تجارياً ومالياً، خاصة في مناطق النفوذ التقليدي الأميركي، وبالتالي جاءت الخطوة الأميركية الأخيرة بفتح مفاوضات مباشرة مع النظام الكوري الشمالي من دون الحاجة إلى وساطة بكين، وهي التي أعلن عنها وزير الخارجية ريكس تيلرسون الأسبوع الماضي.
يضاف إلى التوتر الكوري الشمالي أيضا، العديد من بؤر النزاع الساخنة بين أميركا والصين ونقاط الاحتكاك والتنافس التجاري في آسيا، وكان ترامب يأمل في معالجتها عبر التعاون مع الرئيس الصيني.
لكن حتى الآن، فشل الرئيس الأميركي في ذلك، بسبب سياساته العدائية تجاه حرية التجارة، ومقررات قمة المناخ، وإلغاء شراكات أميركا مع الكتل التجارية في آسيا وفي أميركا اللاتينية وكندا وأوروبا. وكانت نتيجة هذه السياسات غير المتزنة وهجومه المتواصل على هذه الدول، منح الصين مزيداً من النفوذ الاقتصادي والمالي.
وفي المقابل، فإن الصين لا ترغب في مواجهة مع أميركا، أو الدخول معها في تنافس مباشر، وإنما بنى الرئيس الصيني شي استراتيجيته في النفوذ المالي والاقتصادي على العلاقات والروابط التجارية المتعددة، وهو نفوذ مواز للنظام المالي التقليدي القائم من دون اللجوء إلى تهديمه، مثلما يفعل الرئيس ترامب.
ويلاحظ أنه، ومنذ أزمة المال العالمية في عام 2008، يتراجع النفوذ الأميركي في العالم. ولكن هذا التراجع بدأ يتسارع أكثر في أعقاب صعود دونالد ترامب للحكم، كزعيم ضعيف يتكلم أكثر مما يفعل، ويصطنع العداءات داخل أميركا وخارجها، حسب مراقبين، وبدأت تظهر تدريجياً إرهاصات نظام عالمي جديد قائم على "الأقطاب المتعددة"، يتمحور حول النفوذ المالي والاقتصادي والتجاري الصيني، وقوة روسيا السياسية والعسكرية، ونهوض الاقتصادات الناشئة ممثلة في دول مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
وتعمل الصين على بناء النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب عبر عدة محاور. فعلى الصعيد المالي تتعاون الصين مع دول "بريكس" على التقليل من نفوذ هيمنة الدولار على التجارة العالمية واحتياطات البنوك المركزية.
وحتى نهاية العام الماضي 2016، تشير إحصائيات صندوق النقد الدولي إلى أن الدولار يأخذ حصة 64% من الاحتياطات العالمية، كما أن نحو 80% من التجارة العالمية تتم عبر الدولار.
ولا تزال أميركا تسيطر على نظام التحويلات الدولي "سويفت". وهذه الآليات تمنح أميركا سيطرة على العالم عبر حظر من تريد أن تحظر وتعرقل النمو الاقتصادي لأية دولة تخالفها الرأي.
وللقضاء على هذه الهيمنة التجارية والنقدية، فإن الصين بدأت تدريجياً سحب البساط من أميركا، عبر تحويل اليوان إلى عملة تجارة دولية، من خلال توقيع الصفقات التبادلية التي تتم تسويتها باليوان، وإنشاء بورصات للنفط والذهب يتم تسعيرها وتداولها باليوان. يضاف إلى ذلك إنشاء بنوك استثمار دولية لتحل محل صندوق النقد والبنك الدوليين. وهذا الأمر يغضب الولايات المتحدة.
وبالتالي سعت إدارة الرئيس ترامب إلى اتهام الصين بـ "التلاعب بالعملة"، أي أن الصين تخفض سعر اليوان عنوة للحصول على مزايا تجارية، لكن اقتصاديين وزراء سابقين نصحوا إدارة ترامب بأنها لا تملك مبرراً لذلك، حيث إن اليوان بقي سعره مرتفعاً في مناطق الأوفشور، وبلغ أعلى مستوياته مقابل الدولار في التعاملات التي جرت طوال النصف الثاني من العام الجاري. وحتى الآن، يتراوح اليوان بين 6.8 و6.9 يوان للدولار.
على الصعيد الآخر، أكملت الصين نظام التحويل الفوري بين اليوان والروبل الروسي من دون المرور بنظام "سويفت" أو عملة أخرى في تسوية الصفقات التجارية والمالية بينها وبين روسيا. وأقنعت الصين دولاً مثل أنغولا وفنزويلا على بيع نفطها باليوان.
وبالإضافة إلى هذه الخطوات، تعمل الصين على تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق" التي تمر بنحو 30 دولة من دول العالم، ورصدت لها نحو 4 تريليونات دولار خلال الخمس سنوات المقبلة. ولم تنفق منها حتى الآن سوى نصف تريليون دولار. كما تتفاوض بكين منذ مدة لتوقيع اتفاقية تجارية مع كتلة الاتحاد الأوروبي.
اقــرأ أيضاً
وحسب الصحيفة المالية، فإن ترامب قد يقترح، في خطابه، اتخاذ إجراءات اقتصادية صارمة ضد الصين، ربما تفتح الباب أمام توتر اقتصادي جديد في الساحة الدولية، بعد فترة من الهدنة وتفادي المواجهة بين العملاقين، خلال اللقاءات التجارية التي تمت ضمن قمة العشرين ومنظمة التجارة العالمية.
ويسعى ترامب إلى بناء "أميركا العظيمة" على مبدأ "أميركا أولاً"، وتكريس سياسة تجارية واقتصادية انعزالية على أنقاض التعاون الاقتصادي والمالي القائم على أسس النظام المالي والاقتصادي والتجاري التي أنشئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وفي المقابل، فإن الصين تعمل على بناء اقتصاد جديد "متعدد المحاور"، مواز للنظام القائم، في خطوات مالية وتجارية تسحب تدريجياً البساط من الهيمنة الأميركية.
وحسب تقرير "فايننشال تايمز"، فإن ترامب يشعر بأنه فشل في تحقيق نجاحات من سياسة الهدنة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وإن هذه الهدنة لم تخدم أهداف "أميركا العظيمة"، وبالتالي فإنه من المتوقع أن تظهر وثيقة الأمن القومي التي سيبرزها ترامب اليوم الإثنين، أن الصين ليست فقط منافساً اقتصادياً وتجارياً للولايات المتحدة، لكنها كذلك دولة مهدِدة اقتصادياً للأمن القومي الأميركي.
وفي ذات الصدد، قالت مصادر أميركية إن ترامب مستاء جداً من الخطوة الصينية التي اتخذتها بكين، خلال الأسبوع الماضي، بإعطاء الضوء الخضر للبدء في عمل بورصة للنفط التي سيتم فيها تداول العقود المستقبلية للخامات باليوان المدعوم بالذهب.
وحسب هؤلاء، فإن هذه خطوة ينظر لها الرئيس الأميركي بأنها تهدد استمرارية هيمنة الدولار عالمياً، إذ يعتمد الدولار، في جزء كبير من غطائه، على تجارة النفط، حيث يتم تسعير النفط والمتاجرة فيه حصرياً على العملة الأميركية، فيما يعرف بالبترودولار. وتصل قيمة التجارة في النفط إلى نحو 1.72 تريليون دولار سنوياً.
كما أن ترامب غاضب من إنشاء بورصة الذهب الصينية التي يتم التعامل فيها باليوان. وتتجه بورصة الذهب الصينية، التي بدأت التعامل في بداية العام الجاري، إلى ضم روسيا وكل من الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، أي كل كتلة دول "بريكس"، خلال العام الجاري.
يذكر أن الذهب كذلك من المعادن الثمينة التي يتم تسعير جزء كبير منها بالدولار، وأن أي تحوّل جزئي من تسعيرها بالدولار سيقود إلى التقليل من هيمنة العملة الأميركية على هذا السوق الضخم.
وقد وجد ترامب، الذي بدأ حملته الانتخابية بهجوم شديد على الصين، وكان يأمل في التحالف مع روسيا ضد بكين، وجد نفسه في أعقاب انتخابه رئيساً للولايات المتحدة بحاجة إلى علاقات ودية مع بكين لمعالجة التهديد النووي الكوري الشمالي.
وبحسب المصادر الأميركية، فإن ترامب يشعر حالياً بأن بكين فشلت في معالجة أزمة الصواريخ النووية الكورية، وأنها تواصل التمدد في يورو آسيا وجنوب شرقي آسيا، تجارياً ومالياً، خاصة في مناطق النفوذ التقليدي الأميركي، وبالتالي جاءت الخطوة الأميركية الأخيرة بفتح مفاوضات مباشرة مع النظام الكوري الشمالي من دون الحاجة إلى وساطة بكين، وهي التي أعلن عنها وزير الخارجية ريكس تيلرسون الأسبوع الماضي.
يضاف إلى التوتر الكوري الشمالي أيضا، العديد من بؤر النزاع الساخنة بين أميركا والصين ونقاط الاحتكاك والتنافس التجاري في آسيا، وكان ترامب يأمل في معالجتها عبر التعاون مع الرئيس الصيني.
لكن حتى الآن، فشل الرئيس الأميركي في ذلك، بسبب سياساته العدائية تجاه حرية التجارة، ومقررات قمة المناخ، وإلغاء شراكات أميركا مع الكتل التجارية في آسيا وفي أميركا اللاتينية وكندا وأوروبا. وكانت نتيجة هذه السياسات غير المتزنة وهجومه المتواصل على هذه الدول، منح الصين مزيداً من النفوذ الاقتصادي والمالي.
وفي المقابل، فإن الصين لا ترغب في مواجهة مع أميركا، أو الدخول معها في تنافس مباشر، وإنما بنى الرئيس الصيني شي استراتيجيته في النفوذ المالي والاقتصادي على العلاقات والروابط التجارية المتعددة، وهو نفوذ مواز للنظام المالي التقليدي القائم من دون اللجوء إلى تهديمه، مثلما يفعل الرئيس ترامب.
ويلاحظ أنه، ومنذ أزمة المال العالمية في عام 2008، يتراجع النفوذ الأميركي في العالم. ولكن هذا التراجع بدأ يتسارع أكثر في أعقاب صعود دونالد ترامب للحكم، كزعيم ضعيف يتكلم أكثر مما يفعل، ويصطنع العداءات داخل أميركا وخارجها، حسب مراقبين، وبدأت تظهر تدريجياً إرهاصات نظام عالمي جديد قائم على "الأقطاب المتعددة"، يتمحور حول النفوذ المالي والاقتصادي والتجاري الصيني، وقوة روسيا السياسية والعسكرية، ونهوض الاقتصادات الناشئة ممثلة في دول مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
وتعمل الصين على بناء النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب عبر عدة محاور. فعلى الصعيد المالي تتعاون الصين مع دول "بريكس" على التقليل من نفوذ هيمنة الدولار على التجارة العالمية واحتياطات البنوك المركزية.
وحتى نهاية العام الماضي 2016، تشير إحصائيات صندوق النقد الدولي إلى أن الدولار يأخذ حصة 64% من الاحتياطات العالمية، كما أن نحو 80% من التجارة العالمية تتم عبر الدولار.
ولا تزال أميركا تسيطر على نظام التحويلات الدولي "سويفت". وهذه الآليات تمنح أميركا سيطرة على العالم عبر حظر من تريد أن تحظر وتعرقل النمو الاقتصادي لأية دولة تخالفها الرأي.
وللقضاء على هذه الهيمنة التجارية والنقدية، فإن الصين بدأت تدريجياً سحب البساط من أميركا، عبر تحويل اليوان إلى عملة تجارة دولية، من خلال توقيع الصفقات التبادلية التي تتم تسويتها باليوان، وإنشاء بورصات للنفط والذهب يتم تسعيرها وتداولها باليوان. يضاف إلى ذلك إنشاء بنوك استثمار دولية لتحل محل صندوق النقد والبنك الدوليين. وهذا الأمر يغضب الولايات المتحدة.
وبالتالي سعت إدارة الرئيس ترامب إلى اتهام الصين بـ "التلاعب بالعملة"، أي أن الصين تخفض سعر اليوان عنوة للحصول على مزايا تجارية، لكن اقتصاديين وزراء سابقين نصحوا إدارة ترامب بأنها لا تملك مبرراً لذلك، حيث إن اليوان بقي سعره مرتفعاً في مناطق الأوفشور، وبلغ أعلى مستوياته مقابل الدولار في التعاملات التي جرت طوال النصف الثاني من العام الجاري. وحتى الآن، يتراوح اليوان بين 6.8 و6.9 يوان للدولار.
على الصعيد الآخر، أكملت الصين نظام التحويل الفوري بين اليوان والروبل الروسي من دون المرور بنظام "سويفت" أو عملة أخرى في تسوية الصفقات التجارية والمالية بينها وبين روسيا. وأقنعت الصين دولاً مثل أنغولا وفنزويلا على بيع نفطها باليوان.
وبالإضافة إلى هذه الخطوات، تعمل الصين على تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق" التي تمر بنحو 30 دولة من دول العالم، ورصدت لها نحو 4 تريليونات دولار خلال الخمس سنوات المقبلة. ولم تنفق منها حتى الآن سوى نصف تريليون دولار. كما تتفاوض بكين منذ مدة لتوقيع اتفاقية تجارية مع كتلة الاتحاد الأوروبي.