هل تتحرك البنوك المركزية لحماية الأسواق من الانهيار؟

01 مارس 2020
الذعر والإحباط يسيطران على المتعاملين في أسواق المال (Getty)
+ الخط -

وسط ذعر المستثمرين في أسواق المال العالمية من تداعيات فيروس كورونا والهروب الكبير من سوق الأسهم، يبقى من الصعب إقناع أصحاب الثروات وحملة الأسهم بالخطوات المنعزلة التي تنفذها الحكومات أو البنوك المركزية لتحفيز الاقتصادات أو بعث الثقة في أسواق المال. 

وربما يكون العالم بحاجة لتدخل منسق من قبل البنوك المركزية العالمية، شبيه بالتدخل الذي قاده مصرف الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي"، إبان الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

وما يدفع أسواق المال للهبوط بهذه المعدلات المرعبة، ليس فقط تداعيات تفشي الفيروس التاجي، ولكن العامل النفسي لدى المستثمرين الذين يتدافعون للهروب من البورصات لتفادي مزيد من الخسائر. ومثل هذا الذعر كان السبب الرئيسي في أزمة 2008.

وحتى الآن يتفق معظم خبراء المال والاقتصاد على أن الذعر وسط المستثمرين هو الذي أدى لأزمة المال قبل نحو 12 عاماً وليس إفلاس مصرف "ليمان برازرس" الذي كان من الممكن السيطرة على ديونه وتغطية حجم انكشافه في السوق.

فكرة التدخل المنسق للبنوك المركزية في أسواق المال طرحها الاقتصادي الأميركي كيفن وارش، المرشح السابق لرئاسة مجلس الاحتياط الفيدرالي في لقاء مع تلفزيون "سي أن بي سي" مساء الجمعة.
ويرى وارش أن خطوة حدوث تدخل منسق عالمي تقوده كبريات البنوك المركزية العالمية ستكون مهمة لتهدئة مخاوف المستثمرين التي تفاعلت من عمليات تدهور البورصات في الوقت الراهن.

ومن بين هذه البنوك: المركزي الأميركي والمركزي الأوروبي والمركزي البريطاني "بنك أوف إنكلترا" والمركزي الياباني والمركزي الصيني، إلى جانب البنوك المركزية الأخرى الفاعلة في إدارة السياسة النقدية حول العالم.

ويقترح الاقتصادي وارش الذي سبق أن كان عضواً في مجلس الاحتياط الفيدرالي أن تقوم البنوك المركزية الكبرى بخفض الفائدة عالمياً ربع نقطة من خلال هذا التنسيق، في ذات الوقت الذي تعلن فيه وبشكل واضح أنها على أتم الاستعداد لاتخاذ أية خطوات في المستقبل لضمان استقرار أسواق المال.

وما يدعم مقترح الاقتصادي والمصرفي السابق وارش الخسائر الضخمة التي تكبدها أثرياء العالم خلال الأسبوع الماضي والتي قدرتها وكالة بلومبيرغ في مؤشرها للأثرياء بنحو 444 مليار دولار. رقم هائل رغم أن هذه الخسائر دفترية يمكن تعويضها في الظروف العادية.

ومعروف أن المليارديرات يسيطرون على القرار السياسي ويديرون من طرف خفي السياسات النقدية التي تنفذها البنوك المركزية. وبالتالي فإن خبراء يرون أن هذه الخسائر تدعم إلى درجة كبيرة احتمال التدخل المنسق لحماية البورصات من الانهيار.

ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، يعد أداء الأسبوع الماضي الأسوأ بالنسبة لسوق الأسهم الأميركية منذ الأزمة المالية لعام 2008. وبالتالي باتت هناك مخاوف حقيقية من انهيار البورصات الضعيفة في آسيا، ومن ثم انطلاق سلسلة انهيارات في أسواق المال.

من هذا المنطلق ينصح وارش وخبراء اقتصاد آخرون أن يتم هذا التنسيق بسرعة لاستباق احتمالات الانهيار.
أول من طرح فكرة تدخل البنوك المركزية في السوق لحماية البورصات الاقتصادي الأميركي المشهور ميلتون فريدمان، ولكنها لم تطبق إلا من قبل رئيس مصرف الاحتياط الفيدرالي الأسبق، بين برنانكي، في عام 2008، لحماية النظام المصرفي من الانهيار وقتها، خاصة في أعقاب انهيار مصرف "ليمان برازرس". 

ونجحت خطة التدخل المنسق التي قادها الاحتياط الفيدرالي في إنقاذ النظام المصرفي العالمي من الانهيار، ولكنها لم تنجح في إنقاذ الاقتصادات الرأسمالية من الركود حسب محللين.

وينتقد بعض خبراء الاقتصاد فكرة التدخل تلك ويرون أنها تشوه اقتصاد السوق من جهة، كما أنها تزيد من الفجوة في توزيع الثروة، إذ إنها تراكم الثروة في يد فئة قليلة من السكان أو في أيدي من يملكون المصارف والشركات الكبرى ويضاربون على الأسهم.

وفي الولايات المتحدة مثلاً هناك نحو 49% من السكان لا يملكون حيازات في الأسهم، حسب ما ذكرت دراسة سابقة نشرها موقع "زيرو هيدج" المصرفي الأميركي.

ويحسب على سياسة ضخ التريليونات في السندات الفاسدة التي نفذها البنك المركزي الأميركي معدل النمو الاقتصادي المنخفض في أميركا، وفترة الركود الطويلة التي تعيشها الاقتصادات الأوروبية واقتصاد اليابان حسب دراسات لصندوق النقد الدولي.
وحتى الآن، نفذت الحكومات والبنوك المركزية في آسيا خطوات تحفيز منفصلة، حيث ضخت الصين في الاقتصاد مئات مليارات الدولارات في شكل تحفيز مباشر وغير مباشر للشركات.

كذلك سمح البنك المركزي الصيني بمنح قروض دون ضمانات للشركات. ولكن هذه الخطوات لم تنجح في دعم النمو الاقتصادي أو حتى في عودة الشركات للتشغيل بمعدلات تذكر.

وهناك مخاوف في آسيا من حدوث أزمة مصرفية في الصين بسبب تراكم الديون الرديئة التي قدرتها مؤسسة "ستاندرد آند بوورز" بنحو 1.1 تريليون دولار، حسب ما ذكرت رويترز في الأسبوع الماضي.

وقدمت المؤسسة المصرفية الصينية دعماً ائتمانياً تجاوز 746 مليار يوان (نحو 106.53 مليارات دولار) حتى ظهر يوم الأربعاء الماضي لتعزيز استئناف الإنتاج، ولكن حتى الآن لم تنجح الصين في إعادة تشغيل الشركات والمصانع بنسبة كبيرة كما كان متوقعاً.

وتتراوح التوقعات حول تأثير فيروس كورونا في الصين بين انكماش النمو الاقتصاد خلال الربع الجاري إلى 3.6% الذي توقعه مصرف "مورغان ستانلي" وبين تراجع النمو الاقتصادي بالحساب السنوي إلى أقل من 5.0% خلال العام الجاري الذي توقعته وحدة دراسات الإيكونومست "إيكونومست انتيليجنس يونت" البريطانية.

من جانبها ترى مجموعة "سيتي غروب" أن نمو الاقتصاد الصيني ربما سيتراجع إلى 5.8% بنهاية العام وهناك توقعات متشائمة كثيراً. 

أما مصرف "جي بي مورغان" فيقدر أن ينكمش اقتصاد الصين بنحو 4 بالمائة في الربع الأول الجاري من 2020.


من جانبها، ضخت جزيرة هونغ كونغ نحو 3.6 مليارات دولار في السوق المالي حسب ما ذكرت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ" الصادرة في الجزيرة في نهاية الأسبوع.

وتخطط هونغ كونغ لتوزيع 15.4 مليار دولار على مواطنيها، البالغ عددهم نحو 7 ملايين نسمة، وذلك ضمن محاولة لتنشيط القوة الشرائية. ومعروف أن مركز هونغ كونغ المالي تعرض لهزات متلاحقة منذ منتصف العام الماضي بسبب الاضطرابات السياسية والاحتجاجات.

وتعتمد الجزيرة في اقتصادها على الحركة السياحية والتسوق وعلى مركزها المالي والمصرفي الذي يستخدمه بكثافة سكان البر الصيني. وحتى الآن ضرب الفيروس الحركة السياحية والمصرفية، وثمة هروب كبير للثروات من الجزيرة، وبالتالي تواجه جزيرة هونغ كونغ احتمال الانهيار الاقتصادي، على الرغم من الاحتياطي المالي الضخم المتوفر لديها والبالغ 145 مليار دولار.

وفي كوريا الجنوبية كشف وزير المالية هونغ نام كي عن حزمة إجراءات تحفيز تتجاوز قيمتها 20 تريليون وون (16.5 مليار دولار). وأفادت متحدثة باسم وزارة المالية بأنه سيتم تضمين خطة التحفيز في الموازنة التكميلية التي ستقدم إلى البرلمان خلال الأسبوع الذي يبدأ اليوم الاثنين.

لكن المخاوف الكبرى التي تعيشها آسيا حالياً تتبدى في خسارتها الملاذ الآمن في اليابان، التي دخلت عملياً مرحلة الركود الاقتصادي بسبب قوة ارتباطها التجاري مع الصين، إذ تصنع معظم شركات السيارات والتقنية الدقيقة اليابانية مكوناتها في السوق الصيني الرخيص، وبالتالي أدت هذه المخاوف إلى هروب كثير من صناديق الثروة إلى نيويورك خوفاً من تراكم الخسائر.

وكانت تقارير متخصصة قد ذكرت وسط الأسبوع الماضي أن العديد من الصناديق والأثرياء هربوا إلى السوق الأميركي بعد الهبوط الحاد لسعر صرف الين الياباني مقابل الدولار خوفاً على ثرواتهم من التآكل.
المساهمون