وأمس الأحد، قرر البنك المركزي وضع حد يومي لعمليات السحب والإيداع النقدي في فروع البنوك، وكذلك أجهزة الصراف الآلي، فيما يوجه الفيروس واسع الانتشار ضربة قاسية للعديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية في البلد الذي تعد البنوك فيه المقرض الرئيسي للحكومة فيما يخص الديون المحلية.
وقال عامر في تصريحات لفضائية "صدى البلد" المقربة من النظام، مساء أمس، إن تخارجات الأجانب من البورصة المصرية (قيمة عمليات البيع) بلغت 500 مليون دولار، لكن حزمة مخصصة لدعم البورصة ستعوض ذلك.
وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في وقت سابق من مارس/آذار الجاري، عن تخصيص 20 مليار جنيه (1.27 مليار دولار) من البنك المركزي لدعم البورصة.
ووفق محافظ البنك المركزي، سحب المصريون 30 مليار جنيه من البنوك على مدى الأسابيع الثلاثة الأخيرة، قائلا: "الأجانب خرجوا من البورصة، قلنا غير مهم الأجانب، ندخل نحن مكانهم، فقد خرجوا بنحو 500 مليون دولار ما يعادل سبعة مليارات جنيه ونحن خصصنا 20 مليار جنيه للبورصة، لكن وجدنا الأفراد (المصريين) يسحبون مبالغ من البنوك وهم في غير احتياج لها، نريد بعض الانضباط، نحن في مجتمع ولازم نفكر في الآخرين، أرجو أن الناس تتفهم أن هذا تنظيم للأمور ولازم يتم".
واعتبر أنه من المهم فرض قيود على الأموال في البنوك في هذه الفترة، قائلا : "لازم ناخد (نتخذ) قرارات تحمي الاقتصاد وتحمي البنوك بتاعتنا.. فيه قرارات بتتاخد تقريبا يومياً في الدولة، عندنا 192 ألف شركة قطاع خاص غير قطاع الأعمال العام والقطاع الحكومي".
وتعد البنوك المقرض الرئيسي للحكومة، التي فتحت باب الاقتراض على مصراعيه منذ وصول السيسي إلى الحكم قبل نحو ست سنوات، حيث أنفق مئات مليارات الجنيهات لإقامة العاصمة الجديدة في الصحراء على بعد أكثر من 40 كيلومترا شرق القاهرة، ومدن ساحلية بعيدة عن النطاق العمراني، يرى الكثير من المطورين العقاريين أنها لا تخدم المصريين بشكل حقيقي حيث تستهدف طبقة من فاحشي الثراء.
ووفقاً لبيانات تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد، الصادر عن البنك المركزي قبل نحو شهر، ارتفع الدين الداخلي بنسبة 8 في المائة على أساس سنوي، بنهاية الربع الأول من العام المالي الحالي 2019/ 2020 (نهاية سبتمبر/أيلول)، إلى 4.18 تريليونات جنيه (270 مليار دولار)، بينما قفز الدين الخارجي بنسبة 18 في المائة إلى 109.36 مليارات دولار.
وتأتي أغلب القروض الداخلية التي تحصل عليها الحكومة من خمسة بنوك عاملة في السوق المحلية، على رأسها "الأهلي المصري" و"مصر" الحكوميان، اللذان يستقطبان أكبر ودائع المصريين.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، لجأ بنكا مصر والأهلي المصري إلى رفع أسعار الفائدة بنسبة كبيرة على شهادات الادخار وصلت إلى 15 في المائة، رغم خفض البنك المركزي للفائدة بنحو كبير مؤخراً، واعتبر محللون، في تقرير نشرته "العربي الجديد" في 23 مارس/آذار، أن إجراءات البنكين الحكوميين تأتي في إطار محاولات جذب أموال المواطنين، وخشية التعرض لأزمة سيولة مع عمليات سحب الأموال من قبل بعض المودعين الذين يخشون اتساع نطاق أضرار كورونا.
وبينما بلغت قيمة الديون المحلية المستحقة على الحكومة نحو 4.18 تريليونات جنيه، فإن حجم قروض القطاع الخاص سجل نحو 1.2 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وفق بيانات البنك المركزي، في حين بلغت قروض القطاع العام 600 مليار جنيه.
وأثار فرض قيود على التعاملات المصرفية موجة قلق أكبر في أوساط الكثير من المصريين، فيما يتخوف البعض من أن تكون الخطوة بمثابة تمهيد حكومي لتأميم الأموال، في حال ازدادت الأضرار الاقتصادية جراء امتداد النطاق الزمني لتداعيات فيروس كورونا.
لكن محافظ البنك المركزي قال: "السيولة موجودة وكل من يطلب مبلغا يجده، عندنا شهادات ادخار بـ900 مليار جنيه، الشهادة الجديدة اللي بدأت الاسبوع اللي فات جابت 30 مليار جنيه".
في المقابل تلقت البنوك توجيهات بتطبيق حد يومي، وصفه بيان للبنك المركزي بـ"المؤقت"، لعمليات السحب والإيداع النقدي في فروع البنوك ليصبح عشرة آلاف جنيه (635 دولارا) للأفراد و50 ألف جنيه للشركات، كما تحدد السحب والإيداع من أجهزة الصراف الآلي بخمسة آلاف جنيه.
ووجه فيروس كورونا ضربة قاسية للعديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية، بينما يعاني البلد من البطالة، وارتفاع أعداد الفقراء الذين تقدرهم الحكومة بنحو ثلث السكان البالغين أكثر من 100 مليون نسمة، في حين تقدر جهات مستقلة نسبتهم بأكثر من 50 في المائة بسبب الإجراءات المؤلمة لمحدودي الدخل، التي اتخذتها الحكومة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل أكثر من ثلاث سنوات، منها تعويم الجنيه (تحرير سعر الصرف) أمام العملات الأجنبية وزيادة الضرائب ورفع أسعار النقل وإلغاء دعم الوقود بشكل تدريجي.
وتتزامن أضرار كورونا مع معاناة الاقتصاد في الأساس من تدهور، حيث أظهرت مؤشرات اقتصادية سيطرة الانكماش على القطاع الخاص غير النفطي، للشهر السابع على التوالي، في فبراير/شباط الماضي، ما يزيد مخاطر دخول البلاد في أزمة اقتصادية واجتماعية.
وقبل أسبوع، حذرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني العالمية من تعرض الاقتصاد المصري لأضرار بالغة وتآكل احتياطي النقد الأجنبي. كما قالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني إن مصر ستعاني من ارتفاع كلفة وشروط الاقتراض، الناجم عن تأثيرات كورونا.
وعلى مصر جدول ديون صعب مستحق السداد خلال العام الجاري. ووفقا لبيانات البنك المركزي، فإن الأقساط والفوائد المستحقة في النصف الأول من العام الجاري، تبلغ 9.24 مليارات دولار، بينما تبلغ الأقساط والفوائد المستحقة في النصف الثاني 9.35 مليارات دولار.
وتتزايد المخاوف من أن يعود سعر الدولار إلى الصعود مجددا في الفترة المقبلة، وهو ما لم يستعبده محافظ البنك المركزي، الذي قال في الحوار التلفزيوني إن من الوارد أن يحدث انخفاض آخر في قيمة الجنيه أمام الدولار خلال الفترة المقبلة.
وبالفعل تحرك سعر الدولار نحو الصعود، في الأسابيع الأخيرة، ليصل إلى نحو 15.8 جنيها في البنوك، بينما قفز في معاملات السوق السوداء، التي ظهرت مجددا بعد غياب لنحو ثلاث سنوات، إلى 16.15 جنيها، وفق ما نقلت وكالة رويترز في وقت سابق من الشهر الجاري عن مصرفيين ورجال أعمال.
ويفاقم صعود الدولار من أسعار أغلب السلع والخدمات في البلد الذي يعتمد على الاستيراد بشكل كبير. وكانت مصر قد شهدت موجة غلاء غير مسبوقة في أعقاب تحرير سعر الصرف في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حيث تجاوزت نسبة التضخم في 2017 نحو 30 في المائة، بينما أظهرت البيانات الرسمية بعد ذلك انخفاضها تدريجيا حتى وصلت إلى 5.2 في المائة بالمدن في فبراير/ شباط الماضي، في حين يشكك خبراء اقتصاد في شفافية البيانات الحكومية لاستمرار الغلاء على ما هو عليه.