45 مليار دولار متأخرات على قروض الرهن العقاري التجاري بأميركا

15 مايو 2020
عقارات فاخرة في وسط نيويورك بقيت غير مشغولة (Getty)
+ الخط -
على وقع آثار الأزمة التي ضربت أسواق العالم، مع ظهور وانتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، التي أثرت في جانبي العرض والطلب في أغلب الاقتصادات الكبرى حول العالم، وتسببت في ظهور بوادر أزمات مالية للعديد من القطاعات والشركات الأميركية، تعثر سداد أكثر من 45 مليار دولار من أقساط قروض الرهن العقاري التجاري التي استحقت خلال شهر أبريل / نيسان الماضي، الأمر الذي سبب قلقاً لحاملي السندات المرتبطة بتلك القروض، والتي يطلق عليها CMBS، في وقتٍ تزداد فيه التوقعات بارتفاع معدلات الإفلاس في الولايات المتحدة.

وبعد أن تسبب الوباء ومحاولات القضاء عليه في الإغلاق الكبير لأغلب الولايات الأميركية، اعتباراً من منتصف شهر مارس / آذار الماضي، اضطر العديد من أصحاب المراكز التجارية (المولات) والفنادق والمباني الإدارية والتجارية، الذين تراجعت، وربما توقفت، إيراداتهم، إلى التخلف عن سداد أقساط قروض الرهن العقاري المستحقة عليهم، مفضلين الاحتفاظ بأي سيولة نقدية تتاح لهم.

وقالت وكالة "ستاندرد آند بوورز" العالمية للتصنيف الائتماني، إن "استمرار حالات التخلف عن السداد لدى المقترضين في أميركا خلال شهر مايو/ أيار الحالي ربما يتسبب في تعثر ما يقرب من 10% من السندات المرتبطة بتلك القروض".
وتعيد هذه الأرقام للمستثمرين الأميركيين ذكريات كارثة قروض الرهن العقاري التي تسببت في حدوث الأزمة المالية العالمية في 2008 – 2009.
ومع تصاعد أزمة انتشار الفيروس خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، جاءت صناعة السفر والترفيه على رأس قائمة المتضررين في الولايات المتحدة، كما في أغلب دول العالم، وهو ما تسبب في تخلف ما يقرب من ربع المقترضين من ملاك العقارات المرتبطة بها عن سداد أقساط قروض الرهن العقاري الخاصة بهم.


وبعد أن تراجعت نسب الإشغال في الفنادق الأميركية إلى مستويات غير مسبوقة، فقد ملاك الفنادق القدرة على سداد الأقساط المستحقة عليهم، فلم ينتظم في السداد إلا نسبة 76.3% فقط منهم، وفقاً لدراسة صادرة عن بنك "جي بي مورغان" ونقلتها جريدة فاينانشيال تايمز، في الصناعة صاحبة النصيب الأكبر من سوق سندات CMBS، التي يصل إجمالي قيمتها لأكثر من 1.3 تريليون دولار. 
ولتوضيح مدى التدهور في نسبة الالتزام بالسداد، تجدر الإشارة إلى أن هذه النسبة تجاوزت 95% في شهر مارس / آذار الماضي، الذي سبق صدور أوامر البقاء بالبيت في أغلب الولايات الأميركية.
ولم تكن صناعة السفر والترفيه هي الوحيدة التي تشهد هذا التدهور، حيث تدهورت نسبة الالتزام في السداد لمحلات التجزئة والمطاعم والمقاهي، التي تزدحم بها المراكز التجارية في الولايات المختلفة، والتي أجبرت على الإغلاق التام منذ أكثر من شهرين، لتصل إلى نسبة 88.5% في شهر إبريل / نيسان الماضي، بعد أن تجاوزت النسبة 96% في الشهر السابق له.
وخلال نفس الفترة، أشارت دراسة "جي بي مورغان" أيضاً إلى زيادة حجم الديون المنتقلة إلى حالة "الخدمة الخاصة"، والتي تَعْهَد فيها الشركة مصدرة القرض إلى شركة أخرى لمطاردة المتعثرين في السداد، من 800 مليون دولار في شهر مارس / آذار إلى 10.4 مليارات دولار في شهر إبريل / نيسان.

ومع خبرة الأزمة المالية العالمية، ازداد ارتباك المستثمرين في سندات CMBS، وبدأ أغلبهم يستعد لتحمل خسائر انخفاض أسعار تلك السندات، نتيجة لتعثر المقترضين، أو عدم التزامهم بسداد أقساط القروض المستحقة عليهم.

وفي تعاملات الأسبوع الماضي، انخفضت قيمة سندات قرض الرهن العقاري التجاري الممنوح لشركة هيلتون للفنادق، ذات التصنيف الجيد BBB، والتي تم إصدارها في 2018، لتصل إلى 72 سنتا لكل دولار، بعد أن كان الدولار منها يباع بكامل قيمته قبل شهرين فقط.
وعلى نحو متصل، ارتفعت تكلفة التأمين على تلك السندات ذات العشر سنوات لتصل إلى 980 نقطة أساس، بعد أن كانت أقل من 300 نقطة بداية العام الحالي.
وفي إطار حملته لإنقاذ أسواق السندات والائتمان، تجنباً لامتدادها للبنوك ومؤسسات الإقراض الأميركية، والتي شملت شراءه لما تصل قيمته لعشرات المليارات من الدولارات من السندات مرتفعة العائد والمخاطر لأول مرة في تاريخه، أعلن بنك الاحتياط الفيدرالي، الشهر الماضي، أن آلية شراء السندات المضمونة بأصول، المعروفة باسم TALF، ستشمل سندات قروض الرهن العقاري التجاري ذات التصنيف المرتفع من درجة AAA، في محاولة منه لتوفير السيولة وتحقيق الاستقرار للاقتصاد الأميركي.
وشملت جهود البنك الفيدرالي حتى الآن في كل الأسواق التي تدخل فيها ما يقرب من 6 تريليونات دولار، قال عنها الاقتصادي المصري الأميركي الشهير محمد العريان إنها "لغرض توفير السيولة في الأسواق فقط، ولم نر حتى الآن أي إنفاق بغرض تحفيز الاقتصاد" بعد الانكماش الذي تم تسجيله خلال الربع الأول من العام بنسبة 4%. .
ورغم ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي أسفرت عن عودة فتح الاقتصاد تدريجياً اعتباراً من اليوم، الجمعة، إلا أن أغلب المحللين يرون أن هذا لن يمثل نهاية لأزمة تلك السندات والمستثمرين فيها، حيث تشير التوقعات إلى أن الفتح سيكون جزئياً، بنسب تشغيل لا تتجاوز 50%. 
كما أن العديد من زبائن الفنادق والمحلات والمطاعم لن يكون لديهم الرغبة في الحصول على خدمات هذه الأماكن قبل مرور فترة من الوقت.
المساهمون