مع وصول الدين العام المصري إلى مستويات غير مسبوقة، بالجنيه المصري وبالعملة الأجنبية، تستمر الحكومة المصرية في الاستدانة، غير عابئة بصيحات التحذير الواردة من الأصدقاء كما ممن تعتبرهم أعداء.
وتشير تقارير البنك المركزي المصري إلى وصول الدين المحلي نهاية مارس/آذار 2019 إلى 4.2 تريليونات جنيه (أي 4200 مليار جنيه)، بينما تجاوز الدين الخارجي 108 مليارات دولار في نهاية يونيو/حزيران الماضي.
ومع تزايد حجم الدين، وعدم وجود سياسة واضحة لتخفيضه كرقم مطلق، والاكتفاء ببعض المحاولات التي تخفضه كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لفترات قليلة، لا يلبث بعدها أن يعاود ارتفاعه، تشير التوقعات إلى تسارع معدلات زيادته، وما يستحق عليه من فوائد، خلال السنوات القادمة. وخصصت موازنة العام المالي الحالي ما يقرب من 570 مليار جنيه لبند "فوائد الدين" فقط، وهو لا يشمل أي أقساط من أصله.
ورغم وجود استراتيجية واضحة لوزارة المالية والبنك المركزي المصريين، تعتمد بالأساس على مد أجل الديون، وتجديد ما يستحق منه، تجاوز نصيب بند "خدمة الدين"، أي سداد أقساط مستحقة بالإضافة إلى فوائد الدين، نسبة 60% من إجمالي ما تنفقه الحكومة المصرية كل عام، الأمر الذي كان له أثر سلبي كبير على المبالغ المخصصة للاستثمار في مواجهة مشكلات مصر الأساسية، المتمثلة في التعليم والصحة والصرف الصحي والبحث العلمي.
وتشير مكونات الدين العام في الفترة الأخيرة إلى توجه الحكومة المصرية نحو زيادة المكون الأجنبي من الدين العام، طمعاً في الاستفادة من معدلات الفائدة المنخفضة على الدولار، وهو توجه يحمل في طياته الكثير من المخاطر، خاصة مع خبرة الارتفاعات الكبيرة في قيمة الدولار مقابل الجنيه المصري، على مدار العقود السابقة، الأمر الذي يؤدي إلى مضاعفة المديونية المصرية مقومةً بالجنيه المصري، باعتباره العملة التي يتم من خلالها تدبير أغلب الموارد المستخدمة في السداد.
وتشير بيانات سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في السنوات العشر الأخيرة إلى ارتفاع الدولار مقابل الجنيه بمعدل سنوي متوسط 11.34% خلال تلك الفترة، ووصولاً إلى مستواه الحالي وهو 16.11 جنيهاً لكل دولار، الأمر الذي يطيح فعلياً بأغلب مميزات انخفاض تكلفة الاقتراض بسعر الدولار.
اقــرأ أيضاً
وقبيل انتصاف الشهر الجاري، أعلنت وزارة المالية المصرية عن "نجاحها" في بيع سندات دولية بعملة الدولار الأميركي، بقيمة 2 مليار دولار، منها نصف مليار دولار مدتها أربع سنوات بمعدل فائدة 4.55%، ومليار دولار مدتها 12 سنة بمعدل فائدة 7.05%، ونصف مليار أخرى مدتها 40 سنة، بمعدل فائدة 8.15%.
وكعادتها، اعتبرت الوزارة أن تغطية المبلغ، عند هذه المستويات من معدلات الفائدة، التي رأتها الحكومة المصرية منخفضة، تعكس ثقة المستثمرين في إمكانات الاقتصاد المصري، وقدرة الحكومة على السداد.
وجاءت العملية الأخيرة لطرح السندات المصرية في وقتٍ يتم التعامل بمعدلات فائدة صفرية أو سالبة على العديد من السندات الحكومية حول العالم، حيث وصلت قيمتها إلى أكثر من 15 تريليون دولار، تمثل أكثر من ربع السندات التي أصدرتها حكومات الدول المختلفة.
ومع الاعتراف بوجود فوارق كبيرة بين اقتصادات تلك الدول والحالة المصرية في الظروف الراهنة، إلا أن أسواق المال توفر بعض الأدوات التي يمكن من خلالها الاسترشاد بما يجب أن تكون عليه معدلات الفائدة على السندات المصرية، المقومة بالدولار، مقارنةً بمثيلاتها الأميركية.
وفي الوقت الذي تم فيه طرح السندات المصرية قبل أسبوعين تقريباً، تراوحت معدلات الفائدة على سندات الخزانة الأميركية المعيارية، والتي تعتبرها الأسواق الأكثر أماناً حول العالم، بين 1.50% - 2.30% للمدد المختلفة،
من سنة وحتى ثلاثين سنة. وتوفر الأسواق منتجاً يسمح بتحويل سندات أي دولة إلى نفس درجة أمان السندات الأميركية (نظرياً)، وهو الذي يطلق عليه تكلفة التأمين على الديون Credit Default Swap – CDS، حيث تتم ترجمتها إلى نقاط مئوية، تضاف إلى معدل الفائدة على سندات الخزانة الأميركية، وصولاً إلى معدل الفائدة الذي يتم التعامل به على سندات تلك الدول.
وبناء على تلك الآلية التي اعتمدتها الأسواق، ووثق فيها المستثمرون، يتضح أن تكلفة التأمين على الديون المصرية تتراوح بين 400 نقطة أساس (أو 4%) في السندات قصيرة ومتوسطة الأجل، و550 نقطة أساس (أو 5.5%) في السندات طويلة الأجل، وهي تكلفة مرتفعة جداً، تعكس، للأسف، قلة ثقة المستثمرين في قدرة الحكومة المصرية على السداد، وهو عكس ما أعلنته الحكومة المصرية، أو ما فهمه مسؤولوها، من تفاصيل عملية الطرح الأخيرة.
اقــرأ أيضاً
وبينما تتجاوز تكلفة التأمين الحالية على الديون المصرية على هذا النحو نظيرتها في العديد من البلدان التي تسمح بنشر بياناتها الاقتصادية والمالية، ودون تباطؤ، فتظهر بوضوح قوتها الاقتصادية وقدرتها على سداد ما تقوم باقتراضه، مثل أوكرانيا وماليزيا وإندونيسيا وتركيا وشيلي وكولومبيا والبرازيل وباكستان، لا تزيد تكلفة التأمين على سندات أي دولة عن تكلفة التأمين على السندات المصرية إلا في الدول التي أفلست بالفعل، مثل الأرجنتين وفنزويلا في أميركا اللاتينية، أو التي تعاني من انهيار سياسي واقتصادي، مثل العراق وسورية وليبيا واليمن، وربما لبنان والبحرين في الأسابيع الأخيرة، رغم عدم توفر بيانات مؤكدة.
لا أحاول أن أقول إن الاقتصاد المصري على وشك الانهيار، فالكل يعرف، وأولهم المستثمرون بالطبع، أن السعودية والإمارات، بما لديهما من احتياطيات نقد أجنبي حتى الآن، لن تتركا الحكومة المصرية الحالية تتأخر عن سداد أي سندات مستحقة، أو تدخل في نفق الإفلاس.
كل ما أحاول الإشارة إليه هو أن المستثمرين حول العالم، وعلى عكس ما تعتقده الحكومة المصرية، أصبحوا يفكرون كثيراً، ويطلبون مستويات مرتفعة من العائد، قبل شراء السندات المصرية، وهو ما يعكس ضعف الحالة المالية المصرية، أو ضعف إمكانات من اتخذ قرار البيع عند تلك المستويات، فألزمنا بفائدة تتجاوز 8%، لمدة 40 سنة، وتُدفع بالدولار الأميركي!
وتشير تقارير البنك المركزي المصري إلى وصول الدين المحلي نهاية مارس/آذار 2019 إلى 4.2 تريليونات جنيه (أي 4200 مليار جنيه)، بينما تجاوز الدين الخارجي 108 مليارات دولار في نهاية يونيو/حزيران الماضي.
ومع تزايد حجم الدين، وعدم وجود سياسة واضحة لتخفيضه كرقم مطلق، والاكتفاء ببعض المحاولات التي تخفضه كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لفترات قليلة، لا يلبث بعدها أن يعاود ارتفاعه، تشير التوقعات إلى تسارع معدلات زيادته، وما يستحق عليه من فوائد، خلال السنوات القادمة. وخصصت موازنة العام المالي الحالي ما يقرب من 570 مليار جنيه لبند "فوائد الدين" فقط، وهو لا يشمل أي أقساط من أصله.
ورغم وجود استراتيجية واضحة لوزارة المالية والبنك المركزي المصريين، تعتمد بالأساس على مد أجل الديون، وتجديد ما يستحق منه، تجاوز نصيب بند "خدمة الدين"، أي سداد أقساط مستحقة بالإضافة إلى فوائد الدين، نسبة 60% من إجمالي ما تنفقه الحكومة المصرية كل عام، الأمر الذي كان له أثر سلبي كبير على المبالغ المخصصة للاستثمار في مواجهة مشكلات مصر الأساسية، المتمثلة في التعليم والصحة والصرف الصحي والبحث العلمي.
وتشير مكونات الدين العام في الفترة الأخيرة إلى توجه الحكومة المصرية نحو زيادة المكون الأجنبي من الدين العام، طمعاً في الاستفادة من معدلات الفائدة المنخفضة على الدولار، وهو توجه يحمل في طياته الكثير من المخاطر، خاصة مع خبرة الارتفاعات الكبيرة في قيمة الدولار مقابل الجنيه المصري، على مدار العقود السابقة، الأمر الذي يؤدي إلى مضاعفة المديونية المصرية مقومةً بالجنيه المصري، باعتباره العملة التي يتم من خلالها تدبير أغلب الموارد المستخدمة في السداد.
وتشير بيانات سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في السنوات العشر الأخيرة إلى ارتفاع الدولار مقابل الجنيه بمعدل سنوي متوسط 11.34% خلال تلك الفترة، ووصولاً إلى مستواه الحالي وهو 16.11 جنيهاً لكل دولار، الأمر الذي يطيح فعلياً بأغلب مميزات انخفاض تكلفة الاقتراض بسعر الدولار.
وكعادتها، اعتبرت الوزارة أن تغطية المبلغ، عند هذه المستويات من معدلات الفائدة، التي رأتها الحكومة المصرية منخفضة، تعكس ثقة المستثمرين في إمكانات الاقتصاد المصري، وقدرة الحكومة على السداد.
وجاءت العملية الأخيرة لطرح السندات المصرية في وقتٍ يتم التعامل بمعدلات فائدة صفرية أو سالبة على العديد من السندات الحكومية حول العالم، حيث وصلت قيمتها إلى أكثر من 15 تريليون دولار، تمثل أكثر من ربع السندات التي أصدرتها حكومات الدول المختلفة.
ومع الاعتراف بوجود فوارق كبيرة بين اقتصادات تلك الدول والحالة المصرية في الظروف الراهنة، إلا أن أسواق المال توفر بعض الأدوات التي يمكن من خلالها الاسترشاد بما يجب أن تكون عليه معدلات الفائدة على السندات المصرية، المقومة بالدولار، مقارنةً بمثيلاتها الأميركية.
وفي الوقت الذي تم فيه طرح السندات المصرية قبل أسبوعين تقريباً، تراوحت معدلات الفائدة على سندات الخزانة الأميركية المعيارية، والتي تعتبرها الأسواق الأكثر أماناً حول العالم، بين 1.50% - 2.30% للمدد المختلفة،
من سنة وحتى ثلاثين سنة. وتوفر الأسواق منتجاً يسمح بتحويل سندات أي دولة إلى نفس درجة أمان السندات الأميركية (نظرياً)، وهو الذي يطلق عليه تكلفة التأمين على الديون Credit Default Swap – CDS، حيث تتم ترجمتها إلى نقاط مئوية، تضاف إلى معدل الفائدة على سندات الخزانة الأميركية، وصولاً إلى معدل الفائدة الذي يتم التعامل به على سندات تلك الدول.
وبناء على تلك الآلية التي اعتمدتها الأسواق، ووثق فيها المستثمرون، يتضح أن تكلفة التأمين على الديون المصرية تتراوح بين 400 نقطة أساس (أو 4%) في السندات قصيرة ومتوسطة الأجل، و550 نقطة أساس (أو 5.5%) في السندات طويلة الأجل، وهي تكلفة مرتفعة جداً، تعكس، للأسف، قلة ثقة المستثمرين في قدرة الحكومة المصرية على السداد، وهو عكس ما أعلنته الحكومة المصرية، أو ما فهمه مسؤولوها، من تفاصيل عملية الطرح الأخيرة.
لا أحاول أن أقول إن الاقتصاد المصري على وشك الانهيار، فالكل يعرف، وأولهم المستثمرون بالطبع، أن السعودية والإمارات، بما لديهما من احتياطيات نقد أجنبي حتى الآن، لن تتركا الحكومة المصرية الحالية تتأخر عن سداد أي سندات مستحقة، أو تدخل في نفق الإفلاس.
كل ما أحاول الإشارة إليه هو أن المستثمرين حول العالم، وعلى عكس ما تعتقده الحكومة المصرية، أصبحوا يفكرون كثيراً، ويطلبون مستويات مرتفعة من العائد، قبل شراء السندات المصرية، وهو ما يعكس ضعف الحالة المالية المصرية، أو ضعف إمكانات من اتخذ قرار البيع عند تلك المستويات، فألزمنا بفائدة تتجاوز 8%، لمدة 40 سنة، وتُدفع بالدولار الأميركي!