حصار غزة وتراجع السيولة يشلان الصناعات الإنشائية

16 يونيو 2019
هجرة لمصانع الإنشاءات من غزة (الأناضول)
+ الخط -

 

توقفت بشكل شبه كلي الصناعات الإنشائية في غزة نتيجة لاستمرار الحصار الإسرائيلي المفروض للعام الثالث عشر على التوالي على القطاع، والإجراءات التي تفرضها السلطة الفلسطينية على موظفيها من خصم للرواتب وقطعها، وما تبعها من آثار طاولت شتى مجالات الحياة في غزة.

وشهدت الآونة الأخيرة تراجعًا كبيرًا في أعداد العاملين في قطاع الصناعات الإنشائية مقارنة بأعوام ماضية نتيجةً لتوقف الكثير من الشركات بغزة بسبب ندرة المشاريع المنفذة إلى جانب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بوتيرة متسارعة.

وبحسب دراسة صدرت عن مركز تحديث الصناعة التابع للاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، فإن إنتاجية قطاع الإنشاءات انخفضت إلى نسبة 15 في المائة من قدرتها الفعلية إثر الحصار، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب تراجع الأيدي العاملة إلى 1840 عاملاً حالياً مقارنة مع 3168 عاملاً في العام الماضي ما شكل نسبة انخفاض بلغت 42 في المائة.

ويقول أمين سر اتحاد الصناعات الإنشائية محمد العصار في حديث مع "العربي الجديد" إن المعاناة التي يعيشها هذا القطاع الإنتاجي حاليًا تعود للحصار الإسرائيلي المفروض على غزة وتبعات تقليصات الرواتب وشح السيولة النقدية المتوفرة لدى المواطنين.

ويوضح العصار أن الصناعات الإنشائية أضحت بالنسبة لسكان القطاع حاليًا كماليات في ظل عجز آلاف الأسر عن توفير احتياجاتها اليومية، وبالتالي أحجمت فئة واسعة وكبيرة عن هذه الصناعات وهو ما انعكس سلباً على الشركات العاملة في هذا المجال.

وخلال الشهر الأخير وتحديداً في شهر رمضان بلغ حجم إنتاجية الصناعات الإنشائية في غزة صفراً مقارنة بـ 15في المائة خلال الأشهر الأربع التي سبقته إلى جانب خسائر بملايين الدولارات التي يتكبدها أصحاب الشركات، وفق العصار.

وعن الأسباب التي أدت لتوقف الإنتاجية، يشير إلى أن غياب المنح الخارجية والمشاريع التنموية التي تنفذ في غزة هو السبب الرئيسي وراء حالة الشلل الحاصلة إلى جانب حسومات رواتب الموظفين.

ووفق العصار فإنّ الخسائر المادية في هذا القطاع كبيرة ولا يمكن حصرها حالياً إلى جانب إغلاق وتوقف العديد من الشركات وقيامها بتسريح العاملين فيها نظراً لغياب المشاريع، فيما عمد بعض الشركات إلى تقليص رواتب من تبقى من العمال أملاً في أن تتحسن الأوضاع مستقبلاً.

ويشير كذلك إلى أنّ الآلية الدولية لإعادة الإعمار المعروفة بنظام "GRM" والذي يفرض إجراءات ورقابة مشددة على إدخال مواد البناء الى غزة تعد من أبرز المشاكل التي واجهت قطاع الصناعات الإنشائية وكبدته مزيداً من الأعباء المالية خلال الفترة الماضية.

ودمر الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على غزة عام 2014 ما يزيد على 350 منشأة صناعية و100 منشأة لها علاقة بالقطاعات الإنشائية بما فيها مصانع الحديد والبلوك ما أثر بشكل كبير على واقع الصناعات الإنشائية.

وبحسب الإحصائيات الصادرة أخيراً فإن ملامح الخسائر التي لحقت بقطاع الإنشاءات والمقاولات تمثلت بإغلاق 45 شركة مقاولات، وهجرة تسع شركات أخرى إلى دول مجاورة، وإغلاق ثمانية مصانع منتجة لمواد إنشائية ما ترتب عنه الاستغناء عن نحو 42 ألف عامل.

بدوره، يرجع الباحث في الشأن الاقتصادي أسامة نوفل أسباب التراجع في الطلب على الصناعات الإنشائية إلى انحسار المشاريع التنموية الدولية المقدمة للقطاع وإغلاق حركة الصادرات أمام مشاريع الإنشاءات وتخفيض ومنع المواد الخام اللازمة، من الوصول لغزة.

ويقول نوفل لـ"العربي الجديد" إن نحو 15 في المائة من الشركات العاملة في مجال الصناعات الإنشائية أغلقت أبوابها وسرحت العاملين فيها نتيجةً لعجزها عن العمل في ظل الواقع الاقتصادي المتردي والمتهالك، في حين لا تتجاوز إنتاجية الشركات المتبقية الـ 15 إلى 20 في المائة من قدرتها.

ويرجح الباحث في الشأن الاقتصادي أن يشهد قطاع الصناعات الإنشائية إغلاقًا كاملاً في حال استمر التدهور الحاصل في هذا القطاع خلال الفترة المقبلة خصوصاً مع عدم تعويض الشركات التي تضررت بفعل الحروب الإسرائيلية على غزة. ويلفت نوفل إلى أن هناك شركات قامت أخيراً بنقل أعمالها واستثماراتها في القطاع إلى الخارج في الوقت الذي تسعي فيه أخرى للحاق بها نتيجة لحالة التردي في الأوضاع الاقتصادية بغزة واستمرار الحصار الإسرائيلي للعام الثالث عشر على التوالي.

ومنذ إبريل/نيسان 2017 تراجع الواقع الاقتصادي في غزة بشكلٍ مختلف عن ما سبقه من الأعوام في أعقاب قيام السلطة الفلسطينية بتقليص فاتورة الرواتب المدفوعة، إلى جانب تحويل آلاف الموظفين للتقاعد المبكر، الأمر الذي رفع عجز السيولة النقدية المتوفرة في أيدي المواطنين.

وتعتمد شريحة واسعة من السكان تزيد عن 80 في المائة على المساعدات الإغاثية التي تقدمها المؤسسات الدولية والعربية العاملة في القطاع المحاصر إسرائيليًا، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه متوسط دخل الفرد اليومي دولارين أميركيين.

المساهمون