قضية العمالة الوافدة تعود إلى الواجهة في قطر

13 فبراير 2014
+ الخط -

عادت قضية العمالة الوافدة في قطر الى الواجهة مجدداً مع بدء الاعمال في تشييد أول ملعب من الملاعب الخمسة المقترحة لاستضافة مونديال كأس العالم الذي سيقام في قطر عام 2022.

وأعلنت اللجنة المنظِّمة للبطولة في قطر "انه تم تحديد معايير جديدة لحماية العمال الاجانب الذين يشاركون في الاعمال المرتبطة بالمونديال"، وذلك بعد اتهامات للدولة بعدم توفير الحماية اللازمة من الاستغلال لعمال الانشاءات.

وكانت منظمة العفو الدولية قد أعربت في شهر نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي عن قلقها من وجود انتهاكات لحقوق العمال الوافدين إليها للعمل في المنشآت المخصصة لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022، وحثت المنظمة الحقوقية الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، على العمل من أجل أن تقوم السلطات القطرية بتحسين ظروف حياة العمال الأجانب.

وقال الأمين العام للمنظمة سليل شتي، إن "استنتاجاتنا خلصت إلى وجود مستويات مقلقة من الاستغلال في قطاع الإنشاءات في قطر”، وإنه يتعين على الفيفا "توجيه رسالة قوية مفادها بأنها لن تتساهل مع انتهاكات حقوق الإنسان في الورش المرتبطة بكأس العالم”، مؤكداً أن فريق المنظمة التقى مسؤولين قطريين "أبدوا انفتاحاً كبيراً واستعداداً للإقرار بوجود مشكلة، وهم مصممون بقوة على الوصول إلى حل”.

بينت اللجنة العليا للمشاريع والإرث في بيان وصل "الجديد" نسخة منه انها وضعت "معايير العمال"، وتم إدراجها في جميع عقودها بما يتماشى مع قانون العمل القطري وأفضل الممارسات الدولية.

وبحسب البيان، حددت هذه المعايير "مبادئ وأسساً واضحة من شأنها أن تحمي حقوق العمال في جميع مراحل عقودهم حتى انتهائها".

وتتضمن هذه المعايير أن يلتزم المقاولون بإنشاء حسابات مصرفية لعمالهم "مما يساعد على تسهيل دفع اجورهم"، فضلا عن "إنشاء نظام تدوين المعاملات الذي يساعد بدوره اللجنة العليا على التحقق من حصول جميع العمال على كل أجورهم وفي الوقت المحدد".

كذلك نصت هذه المعايير على أن "يلتزم المقاولون بتوفير المواصفات الشاملة لأماكن إقامة العمال ووضع المبادئ والأسس الواضحة التي تخص عدد الأسرة في الغرفة الواحدة مروراً بتوفير الحد الأدنى من مستوى النظافة". وأكدت اللجنة "احتفاظها بحق معاقبة المقاولين الذين لا يلتزمون بمعايير أوضاع العمال، او لجوئها في حالات الضرورة القصوى، الى إنهاء عقدها مع الشركة التي تتجاوز هذه المعايير"، كما تعهدت بالعمل مع شركات المقاولات من اجل تحسين المعايير.

وكانت عدة منظمات حقوقية دولية، اضافة الى البرلمان الاوروبي، وجّهت انتقادات لقطر بسبب ظروف عمل العمال الاجانب، وخاصة أوضاع العمالة النيبالية، وهو ما دفع السلطات القطرية الى تشكيل لجنة قانونية مستقلة للتحقيق في هذه الاتهامات.

أوضاع تحتاج الى تصويب

ويرى المستشار القانوني للجالية النيبالية في قطر محمد رمضان الذي يعمل، بالتنسيق مع اللجنة الوطنية لحقوق الانسان في قطر، على متابعة أوضاع العمالة النيبالية في البلاد "ان استخدام العمالة النيبالية لشن حملة على قطر يأتي لأغراض سياسية لا علاقة لها بحقوق وأوضاع هذه العمالة التي يعترف بأن أوضاعها تحتاج الى تصويب بالفعل".

وقال رمضان إن تسليط الضوء على أوضاع العمالة النيبالية في قطر والتي يبلغ عددها نحو"450" ألف عامل، ساهم في تشديد السلطات القطرية لإجراءاتها ضد الشركات التي تخالف قانون العمل القطري ولا تلتزم به، بما فيها زيادة أعداد مفتشي وزارة العمل القطرية لمراقبة التزام شركات المقاولات ببنود قانون العمل، والتأكد من حصول العمال على رواتبهم الشهرية.

وحسب إحصائية للسفارة النيبالية في الدوحة، بلغ عدد وفيات العمالة النيبالية في قطر "360" حالة وفاة خلال عامي 2012-2013 معظمها كان في غير مواقع العمل.

وبيّن المستشار القانوني للجالية النيبالية محمد رمضان أسباب هذه الوفيات بالقول إن عدد العمال النيباليين الذين توفوا خلال عام 2012 بلغ 138 عاملًا توفي منهم بسبب إصابات العمل 55 عاملا وبسبب حوادث المرور 55 عاملا وبسبب الانتحار25 عاملاً، في حين بلغ عدد الوفيات عام 2013 نحو 76 حالة وفاة، منها 30 بسبب حوادث المرور و30 بسبب الانتحار و15 إصابة عمل.

ويرد رمضان على سؤال لـ"الجديد" عن السبب في ارتفاع نسبة الانتحار وحوادث المرور"الدهس" في صفوف العمالة النيبالية في قطر بالقول: "ان ذلك يعود لصدمة الانتقال من القرى والبلدات النيبالية التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة الحديثة في دولة حديثة ومتطورة في جميع مناحي الحياة، فضلا عن أن العمالة النيبالية التي يجري جلبها للعمل في المشاريع القطرية هي عمالة غير مؤهلة وغير متعلمة ولم تتعود الالتزام بالأنظمة والقوانين، إضافة الى اختلاف العادات والتقاليد والاختلاف في الدين بين النيبال وقطر وصعوبة الاندماج في الحياة الجديدة، ووجود حالة الحنين التي تنتاب العامل وابتعاده عن العائلة، وهو سبب مباشر لحالات الانتحار.

وعن المطالب التي يراها ضرورية لتحسين أوضاع العمالة الوافدة الى قطر، يرى رمضان ضرورة وجود نظام للتأمين على حياة العمال لحفظ حقوقهم وحقوق عائلاتهم، وتوفير بطاقة صحية لكل عامل، وضرورة ان تقوم وزارة العمل بمتابعة وضع العمال القانوني من خلال التأكد من قيام الشركات باستخراج إقامة شرعية للعامل خلال ثلاثة أشهر من حضوره الى قطر، وأن تقوم السلطات القطرية بإيجاد آلية محددة تتابع التزام الشركات بدفع رواتب عمالها في مواعيد محددة وثابتة واحتساب ساعات العمل الاضافي.

وشدد على ضرورة ان تقوم وزارة العمل بتحديد الحد الأدنى للأجور حتى لا يتم استغلال العمال من قبل بعض الشركات.

كذلك طالب رمضان بسرعة البت في القضايا والجنح التي يتهم فيها العمال او منحهم رخصاً مؤقتة للعمل خلال النظر في قضاياهم لإشغال اوقاتهم وتوفير حاجاتهم الأساسية.

ويلقي رمضان المسؤولية على عاتق السلطات النيبالية في تأهيل العمالة الوافدة والتعريف بالعادات والتقاليد ونمط الحياة المختلف قبل احضار هذه العمالة الى قطر للتخفيف من آثار عملية الانتقال على العامل الوافد من بيئة مختلفة. وفي هذا الصدد، حذّر المستشار القانوني للجالية النيبالية من زيادة حالات الوفيات بين العمالة اآاسيوية والنيبالية بشكل خاص نتيجة قيام افرادها بخلط المواد الكيماوية المطهرة مع البيبسي وتناولها خاصة في اجازات نهاية الأسبوع كبديل عن مادة الكحول الممنوع تداولها في قطر.

وقال ان هناك العديد من حالات الوفاة التي سجلت بسبب تناول هذه المواد.

 

مراقبة المعايير

من جهته، رحب رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الانسان الدكتور علي بن صميخ المري، بالمعايير التي وضعتها اللجنة العليا للمشاريع والإرث المنظمة لكأس العالم 2022 حول حقوق العمالة الوافدة.

وقال: "اننا في اللجنة الوطنية لحقوق الانسان سنقوم بمراقبة مدى الالتزام بهذه المعايير".

وأكد المري نية الحكومة القطرية الالتزام بتطبيق المعايير الدولية الخاصة بحقوق العمال وتبنّي توصيات المنظمات الدولية بهذا الصدد.

وقال في معرض رده على أسئلة "الجديد" إن تطبيق هذه المعايير يحتاج الى وقت لكن قطر جادة في تحقيق ذلك حتى قبل حصولها على حق استضافة كأس العالم 2022، مذكراً بقانون العمل القطري الذي صدر عام 2004 والذي يعد قانونا متطوراً يحافظ على حقوق العمال والعمالة الوافدة تحديداً.

ولفت المري الى قرب صدور تعديل على قانون العمل يجرم عدم دفع أجور العمال في مواعيدها واعتبارها جريمة يعاقب عليها القانون، فضلاً عن وجود توجه لدى الدولة لتحديد حد أدنى للأجور، وهي احدى التوصيات التي قامت اللجنة الوطنية لحقوق الانسان بتقديمها في تقريرها السنوي المرفوع للحكومة، معرباً عن الامل بالأخذ بها.

وكرر المري نفي الاتهامات التي سبق ان وجهت الى قطر بممارسة العبودية او الاشغال الشاقة حيال عمال نيباليين. وقال "لا توجد هناك سخرة ولا عبودية عمل في قطر.. هناك إشكالات تقع من قبل شركات، ومنها شركات دولية تعمل في قطاع الانشاءات، ونحن نعالجها اولاً بأول" لافتاً الى وجود 44900 منشأة تعمل في قطر في هذا المجال.

وحول قانون الكفالة المثير للجدل والمعمول به في دولة قطر، والذي تطالب المنظمات الدولية بإلغائه، قال المري ان هناك لجنة مشكلة في مجلس الوزراء القطري تدرس قانون الكفالة ونحن في اللجنة قدمنا توصياتنا بهذا الشأن، ومجلس الوزراء هو صاحب الاختصاص بالإعلان عن الغاء هذا القانون او اجراء تعديلات عليه.

ولفت رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الانسان في قطر إلى وجود تحسن كبير في أوضاع العمالة الوافدة في قطر.

وعن ظروف العمل قال "لمسنا عن قرب هذا التحسن والتزام الشركات بتطبيق المعايير الدولية الخاصة بحقوق العمال، الا أن هذا لا ينفي ارتكاب بعض الشركات لمخالفات عمالية تقوم السلطات القطرية المختصة بتصويبها".

وكانت الحكومة القطرية قد أعلنت أنها ستضيف تقرير المنظمة الحقوقية إلى ملف التحقيق الخاص الذي تجريه شركة محاماة دولية في موضوع العمالة الوافدة بطلب منها.

وقال مصدر قطري مسؤول من وزارة الخارجية آنذاك، إن "الجهات المختصة في الدولة طلبت من شركة المحاماة الدولية "دي ال ايه”، إضافة تقرير منظمة العفو الدولية إلى الموضوعات والأدلة التي تنظر فيها الشركة في إطار المراجعة المستقلة التي تقوم بها حالياً حول وضع العمالة الأجنبية في قطر”.

المساهمون