في مؤشر جديد على تعثّر مشروع العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، كشفت أرقام رسمية عن فشل الحكومة في تسويق أراضي المرحلة الأولى فقط من المشروع، ما دفعها إلى وقف طرح الأراضي للبيع، في ظل حالة الركود التي تسيطر على القطاع العقاري، ويتوقع اشتدادها خلال الفترة المقبلة.
ووفق أحمد زكي عابدين، رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، فإن الشركة باعت حتى الآن نحو 17.5 ألف فدان في المرحلة الأولى من العاصمة الجديدة، لما يتراوح بين 50 و60 شركة ما بين مصرية وعربية، وذلك من إجمالي مساحة هذه المرحلة البالغة 40 ألف فدان، ما يشير إلى أن نسبة المساحة التي تم تسويقها لم تتجاوز 44 في المائة من هذه المرحلة، التي تُعد واحدة من أربع مراحل، وفق مخطط المشروع.
وقال عابدين، في مقابلة مع رويترز، الأربعاء، إن الشركة ستوقف البيع في المرحلة الأولى لحين انتقال الحكومة والرئاسة إلى هناك، معتبرا أن هذا الانتقال سيزيد متوسط سعر بيع الأراضي.
وكان مقرراً انتقال الوزارات وعشرات الجهات التابعة، إلى العاصمة الجديدة، التي جرى الإعلان عن مشروعها في مارس/آذار 2015، في عام 2018، إلا أن ذلك تأجل إلى 2019، بينما جرى إرجاء ذلك مرة ثانية إلى العام الجاري 2020.
وبحسب عابدين، فإن "التوجيه الذي لدينا أن الحكومة ستنتقل إلى العاصمة الإدارية في 30 يونيو/حزيران المقبل، ونحن مستعدون كمرافق وطرق ومبان لذلك". لكنه عاد وقال "العاصمة ستكون صالحة للحياة بين عامين وثلاثة أعوام، والمرحلة الأولى ستستوعب ما بين 2 مليون و2.5 مليون نسمة، على أن يستوعب كامل المشروع ما يصل إلى سبعة ملايين نسمة".
وتتضارب التصريحات الحكومية كثيراً حول المشروع الذي يتبناه الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويقع في قلب الصحراء على بعد 45 كيلومتراً شرق القاهرة، بينما استنزف ما جرى تنفيذه من المرحلة الأولى فقط حتى الآن مئات مليارات الجنيهات في الدولة التي قفزت ديونها المحلية والخارجية إلى مستويات غير مسبوقة منذ وصول السيسي إلى الحكم في يونيو/حزيران 2014.
وقال رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، إن استثمارات المرحلة الأولى من المشروع تبلغ نحو 300 مليار جنيه (19.05 مليار دولار)، لكنه اعتبر أن هذه الأموال كلها "تمويل ذاتي" من إيرادات بيع الأراضي.
وسبق أن أعلنت الحكومة أن تكلفة إنشاء المرحلة الأولى تبلغ نحو 45 مليار دولار، بينما تصل الكلفة الإجمالية للعاصمة إلى أكثر من 90 مليار دولار، ما يشير إلى ضآلة ما تم تنفيذه على أرض الواقع، وفق مسؤول بارز في وزارة الإسكان، فضل عدم ذكر اسمه، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد".
ولا يحظى مشروع العاصمة الإدارية بتأييد واسع بين الكثير من المواطنين، وحتى مسؤولين تنفيذيين وخبراء اقتصاد، يرون أنه يستنزف الأموال من دون أن يكون له مردود اقتصادي حقيقي على الدولة، التي يعاني نحو ثلث سكانها وفق البيانات الرسمية من الفقر، بينما تشير تقارير مستقلة إلى وصول هذه النسبة إلى 50 في المائة في السنوات الأخيرة.
ورغم البدء في المرحلة الأولى منذ نحو أربع سنوات، إلا أن المباني غير المكتملة ما تزال مسيطرة على المشهد في الكثير من الأماكن التي تفرقها مساحات شاسعة من الأراضي.
ومن المتوقع أن تبلغ مساحة العاصمة الجديدة حال اكتمالها 700 كيلومتر مربع، أي 170 ألف فدان. وتشمل بناء مقار للرئاسة والوزارات والبرلمان، وأحياء سكنية، وحيا دبلوماسيا، وحيا ماليا.
وأصدر السيسي، في فبراير/شباط 2016، قراراً باعتبار أراضي العاصمة الإدارية من مناطق المجتمعات العمرانية، وتأسيس شركة مساهمة مصرية بين هيئة المجتمعات العمرانية بوزارة الإسكان وجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية بوزارة الدفاع، لتولي عملية تخطيط وإنشاء وتنمية العاصمة الجديدة.
وبرغم العقبات، التي تحول دون اكتمال المرحلة الأولى من العاصمة الجديدة، يستعرض السيسي المشروع بفخر أمام ضيوفه، حيث اصطحب، الرئيس الفرنسي الزائر إيمانويل ماكرون، في جولة بطائرة هليكوبتر، لتفقّد الموقع، في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، كما فعل مع عدة مسؤولين عرب وأوروبيين وأميركيين.
وقال ديفيد سيمز، مؤلف كتاب (أحلام الصحراء المصرية)، وهو كتاب عن مشروعات التنمية، إن الدعم الذي توفره الرئاسة والجيش في مصر للمشروع يجعله "أكبر من أن يفشل". لكنه أضاف أن هذا لا يضمن أن الناس يريدون العيش هناك.
وأضاف: "أن يكون لديك جيش من العمال وكثير من الآلات في مشروع يزيلون تلال الرمال فهذا أمر.. لكن أن يكتمل المشروع بصورته النهائية فهذا أمر آخر".
ويخطط السيسي أن تحل المدينة الجديدة، محل القاهرة، العاصمة التاريخية المطلة على نهر النيل، والتي تعاني من الإهمال ويعيش فيها أكثر من 20 مليون نسمة. ويصور مقطع فيديو دعائي مدينة خضراء تدار بأنظمة الدفع غير النقدي للمواصلات وخدمات أخرى، وذلك على النقيض من القاهرة التي نال الإهمال من قلبها المعماري الأنيق الذي يعود إلى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
وفي ظل الحدائق والطرق التي تصطف على جانبيها الأشجار، سوف تستهلك العاصمة الجديدة ما يقدر بنحو 1.5 مليون متر مكعب يوميا من موارد البلاد المائية الشحيحة، والتي باتت مهددة بالعطش مع بناء إثيوبيا سد النهضة.
وفي مقابل مئات مليارات الجنيهات التي يجري إنفاقها في العاصمة الجديدة، أظهرت بيانات صادرة عن البنك المركزي، قبل يومين، ارتفاع الدين الخارجي للبلاد بنسبة 18 في المائة على أساس سنوي، بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي، إلى 109.36 مليارات دولار، كما ارتفع الدين المحلي بنسبة 8 في المائة إلى 4.18 تريليونات جنيه (270 مليار دولار).
ووفق رصد لـ"العربي الجديد"، قفز الدين الخارجي، بنسبة 153 في المائة، منذ أن أطاح الجيش، الذي كان يقوده حينذاك السيسي، بالرئيس المنتخب محمد مرسي، في الثالث من يوليو/تموز 2013، حيث لم يتجاوز حينها 43.2 مليار دولار.