التعويم والانقلاب والكوارث الاقتصادية

05 نوفمبر 2016
إنقلاب 3 يوليو وراء تدهور إقتصاد مصر
+ الخط -



ماذا لو لم يقع انقلاب 3 يوليو 2013 في مصر والذي أسفر عن عزل أول رئيس مدني منتخب؟

هل كنا نتوقع تطبيق الحكومة مثل هذه القرارات الاقتصادية العنيفة والكارثية التي هزت هذه الأيام الأسواق ومعها المواطن الفقير؟

هل كانت الحكومة ستجرؤ على تعويم الجنيه المصري، ومع قرار التعويم تركت المواطن الفقير في الهواء الطلق دون أي حماية أو كبح للأسعار؟

وهل كانت الحكومة ستجرؤ على رفع أسعار الوقود، خاصة المشتقات الأكثر جماهيرية مثل السولار وبنزين 80 والغاز؟

وهل كان المصريون سيجدون من يعايرهم أنهم باتوا عالة على خزانة الدولة، وأنهم يجب أن يتوقفوا عن التعامل مع الحكومة على أنها بابا وماما، أو أن يخرج علينا برلماني يقول في بلاهة واستفزاز: من أين ستأتي الحكومة بمئات المليارات من الجنيهات لإنفاقها على دعم الوقود والسلع التموينية؟

الإجابة بالطبع لا، فنظام ما بعد 3 يوليو فتح الباب على مصراعيه لإفقار المصريين وإذلالهم وقهرهم وتخويفهم وإهدار أموالهم ومعايرتهم بإطعامهم وتقديم الدعم لهم على الرغم من أن المصريين هم من يدفعون تكلفة معيشتهم ومرتبات الحكومة بسداد 433.5 مليار جنيه في شكل إيرادات ضريبية، إضافة لسداد مليارات أخرى في شكل رسوم وجمارك وغيرها من إيرادات الدولة المعروفة.

النظام الحالي هو من أضاع موارد البلاد من النقد الأجنبي، وفتح الباب على مصراعيه أمام حدوث ارتفاعات قياسية في الأسعار، وموجات تضخمية غير مسبوقة، واضطرابات هي الأعنف في تاريخ العملة المحلية.

نظام أضاع قطاع السياحة الذي كان يدر على البلاد 14 مليار دولار سنوياً، حينما صور للعالم أن مصر تعوم على بركة من الإرهاب، وأنها الدولة الأكبر في العالم التي تضم إرهابيين، وأن أكبر جماعة سياسية في البلاد فازت بخمسة استحقاقات رئاسية ونيابية ما هي إلا مجموعة من الإرهابيين وعتاة الإجرام.


نظامٌ أهدر أكثر من 100 مليار جنيه على مشروع تفريعة قناة السويس الذي لا طائل اقتصادي منه سوى الدعاية له وزعم رفع الروح المعنوية للمصريين.

نظام كابر وعاند واستمر في تمويل مشروعات أسماها قومية، مثل العاصمة الإدارية الجديدة واستصلاح وزراعة 1.5 مليون فدان وغيرها، وبعد فوات الأوان قرر تجميد هذه المشروعات، لكن بعد أن سحبت هذه المشروعات السيولة المحدودة لدى الخزانة العامة.

نظام وجّه مليارات الجنيهات لقتل المصريين في الشوارع والميادين، ورفع الإنفاق على الأمن لمعدلات غير مسبوقة لمطاردة التظاهرات السليمة.

نظام أهدر أكثر من 60 مليار دولار تلقاها من دول الخليج الداعمة له في شكل مساعدات ومنح وقروض، إضافة لفكّه وديعة حرب الخليج والبالغ قيمتها 9 مليارات دولار عقب انقلابه مباشرة.

نظام أنفق ببذخ على داعميه من أجهزة أمنية وقضائية وإعلامية ورفع مرتباتهم عدة مرات.

نظام أنفق المليارات على بناء السجون وإقامة المعتقلات حتى تستوعب المزيد من الشباب والمعارضين له.

منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 كانت الأمور تسير نحو الأفضل، وكانت الحكومات المتعاقبة تعمل ألف حساب للمواطن، وكانت الأسعار شبه مستقرة، على الرغم من حالة الفزع التي أثارها أعضاء بحكومة كمال الجنزوري والمجلس العسكري في ذلك الوقت عبر الإدلاء تصريحات من عينة أن مخزون مصر من السلع الاستراتيجية قارب على النفاد، وأن مصر قاربت على الإفلاس، وتبين في وقت لاحق أن هذه مجرد أكاذيب للتخويف ليس إلا.

وكان أي مواطن يستطيع أن يصل لقصر الاتحادية، ويطالب بإسقاط نظام الإخوان وعزل الرئيس محمد مرسي، بل ويتهم الإخوان بأفظع الاتهامات.

صحيح أن الأمور كانت تسير ببطء في بعض القطاعات في مرحلة ما بعد الثورة، لكن كان لدى مصر سعرٌ للدولار يقل عن 7 جنيهات، وحققت السياحة إيرادات بقيمة 12 مليار دولار، وهو ما يقارب إيرادات ما قبل الثورة، وراح العالم يتكالب على المنتجات المصرية، ولذا زادت الصادرات الخارجية، وقاربت تحويلات العاملين بالخارج على 20 مليار دولار لأول مرة في تاريخ البلاد.

وكانت حصيلة موارد البلاد من النقد الأجنبي تكفي لإحداث استقرار في سوق الصرف وتلبية احتياجات التجار والمستوردين، ولم تكن مصر في حاجة ملحة لاقتراض 4.9 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لولا إصرار بعضهم على الحصول على شهادة ثقة من الصندوق بكفاءة الاقتصاد المصري وقدرته على جذب استثمارات خارجية؟

كانت الأمور تتطور نحو الأفضل، والأهم كان لدى البلاد نظامٌ يراعي الفقير، وحكومة تراعي المصلحة العامة للبلاد، وبرلمان منتحب بأغلبية المصريين يحاسب، ونواب قادرون على محاسبة الحكومة وسؤالها إذا فشلت في إدارة الاقتصاد.

كانت مصر تسير نحو الأفضل، لكن بعضهم أراد وأد تجربة ديمقراطية وليدة ليصل بالمصريين إلى ما هم فيه الآن من غلاء وذل وقهر وخوف من المجهول.

المساهمون