مصر: المال سيد الانتخابات

26 فبراير 2015
رموز مبارك يسعدون للعودة إلى البرلمان (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -
كم يبلغ ثمن الصوت الانتخابي في مصر حالياً؟ يمكنك العثور على الإجابة بسهولة في مدينة السادات الصناعية مترامية الأطراف، والتي يكثر فيها الشباب والعاطلون.

فالثمن هناك لم يتغير عما كان عليه في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وهو: "بطاطين" و"أجولة" من السماد ورعاية صحية بأسعار مخفوضة.

بعد ما يقرب من أربع سنوات على الثورة المصرية التي أطاحت مبارك عام 2011، وأنعشت الآمال في القضاء على دور الرشوة والمحسوبية في الانتخابات لا يزال العديد من الناخبين المحبطين على استعداد للتصويت بنفس الآليات القديمة في الانتخابات البرلمانية المقررة على مرحلتين في مارس/آذار وأبريل/نيسان المقبلين.

ويقولون إنهم لا يملكون البديل. ويبلغ معدل البطالة في مصر 13%، ويعيش نحو 40% من السكان تحت خط الفقر أو بالقرب منه وازدادت الأوضاع المعيشية سوءاً منذ إطاحة مبارك.

وأفسحت الحملة الأمنية الصارمة، التي تشنها الحكومة المدعومة من الجيش على المعارضين الإسلاميين والليبراليين، المجال لعودة رجال الأعمال الذين كانوا يدعمون مبارك خلال حكمه الذي امتد لثلاثة عقود.

وبرّأت محاكم كثيرين منهم في قضايا فساد. وبمجرد إطلاق سراحهم عادوا لسيرتهم الأولى بتقديم إعانات للناخبين لضمان الفوز بأصواتهم.

ورغم عدم وجود ما يمنع تقديم هذه الإعانات في القانون المصري، إلا أنها تثير القلق لدى منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية.

وأحد أبرز العائدين للساحة السياسية رجل الأعمال الشهير، أحمد عز، الذي يسعى إلى خوض سباق التنافس على المقعد الوحيد بالبرلمان لمدينة السادات إلى الشمال الغربي من القاهرة.

ويعتبر كثير من المصريين أحمد عز واحداً من أقوى رموز نظام مبارك، الذي اتسم بالتزاوج بين السلطة ورأس المال. وكان قد انتخب عضواً في البرلمان مرتين من قبل.

وينفي عز اتهامه بإفساد الحياة السياسية في مصر وارتكاب جرائم فساد.

وطعن هذا الأسبوع على قرار اللجنة العليا للانتخابات باستبعاده من القائمة المبدئية للمرشحين لمجلس النواب بدعوى عدم استيفاء الأوراق اللازمة للترشح. وستقرر محكمة القضاء الإداري قريباً ما إذا كان سيسمح له بالعودة للسباق الانتخابي مرة أخرى.

وظهر عز للمرة الأولى منذ سنوات على شاشات التلفزيون، مساء الثلاثاء الماضي، في برنامج حواري على قناة فضائية خاصة، ودافع عن حقه في الترشح. وأثار الحوار غضب الكثيرين وأشعل موجة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وحقق قطب صناعة الحديد في مصر وأمين التنظيم في الحزب الوطني المنحل ثراء فاحشاً في عهد مبارك. وقضى بضع سنوات في السجن بعد إدانته بالفساد، لكن محكمة النقض ألغت سجنه وتُعاد محاكمته حالياً. وأخلي سبيله في أغسطس/آب الماضي.

وقبلت لجنة الانتخابات أوراق ترشح زوجته سيدة الأعمال، شاهيناز النجار، في إحدى دوائر القاهرة رغم أن أحد أسباب استبعاده هو عدم إرفاق إقرار الذمة المالية الخاص بها ضمن أوراق ترشحه.

فشل الحكومة

في مدينة السادات، حيث يملك عز الكثير من المصانع، قال ناخبون إنهم يؤيدون عودته للبرلمان، لأن الحكومة عاجزة عن مساعدتهم.

وقال شريف عبد الحميد، وهو تاجر في سوق مكتظ للخضر والفاكهة: "أنا أؤيده بقوة، وضد نظرية أن يستبعد. بيقدم لنا خدمات بقوة".

وأضاف أن "طول ما الدولة تهمشني، فهو أهم من الصالح العام بسبب عدم مراعاة الدولة لظروفي".

وقال آخرون مثل عبد الحميد، إن المدينة والقرى المجاورة لها تعاني من ارتفاع البطالة وتعاني من سوء الخدمات، مثل الصحة والكهرباء والصرف الصحي.

وقال بائعون وزبائن في السوق إنهم تلقوا إعانات من مؤسسة خيرية أسسها عز مثل "البطاطين" و"أجولة" السماد.

وفي أحد المستشفيات الخاصة بالمدينة، تقدم مؤسسة عز رعاية طبية بنصف الثمن للمرضى الذين يتقدمون بطلب لها لمساعدتهم على العلاج.

وقال أمير سعد، المنسق الإداري بمستشفى هرمل التذكاري، إن أكثر من 1100 مريض استفادوا حتى الآن من الخدمات الصحية المخفضة التي يقدمها عز، لكن يشترط أن يكونوا ممن يحق لهم التصويت في دائرة السادات.

وفي المستشفى، قال صبري الجارحي، القادم من قرية مجاورة وتتلقى ابنته العلاج من حصوة في الكلى بنصف الثمن: "هانتخبه. بيقدم لنا خدمات من زمان".

ورأى هاني شفيق مدير المستشفى، أن تقديم الرعاية الصحية للمحتاجين أهم بكثير من السياسة، حيث قال: "لو جالي الجن الأزرق وقالي عايز أساعد المرضى هتعامل معه".

وأضاف: "أنا لا علاقة لي بالسياسة ولا بالانتخابات. أنا مؤسسة علاجية... السياسة مش قضيتي خالص. قضيتي المريض".

اقرأ أيضا: حكام يستحقّون الحرق

وينافس على مقعد مدينة السادات رجل أعمال آخر هو شريف عفيفي، الذي يملك مصنعاً للسيراميك في المدينة، التي سميت نسبة إلى الرئيس الراحل أنور السادات.

ويقدم عفيفي نفسه على أنه بديل للسياسة التقليدية، لكنه لا يملك تاريخاً سياسياً.

وقال عفيفي في مقر حملته الانتخابية، وهو عبارة عن فيلا فاخرة بجوار مجمعات سكنية شعبية: "خلال دورتين، قدم عز خدمات مؤقتة وشخصية.. مفيش خدمات تنموية على الطبيعة".

وتعهد عفيفي بالتركيز على البنية التحتية والتنمية المستديمة، لكنه يواجه هو الآخر اتهامات من سكان ونشطاء بالمدنية باستخدام نفس أساليب عز.

ولم ينكر عفيفي تبرعه بكميات من السيراميك كمساهمة في بناء مرافق عامة كالمستشفيات ودور العبادة والمدارس، لكنه قال إنه يفعل ذلك منذ سنوات في إطار خدمة المجتمع وقبل وقت طويل من تفكيره في الترشح للانتخابات.

وقال وحيد عبد المجيد، أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي، إن "الأغلبية الساحقة من المرشحين تعتمد على نفس آليات مرشحي الحزب الوطني السابق . المشكلة تكمن في نظام الانتخابات الذي يجعل الخدمات والأموال والعصبيات هي العوامل الأكثر تأثيراً في العملية الانتخابية".

وبالعودة مرة أخرى إلى السوق، كانت امرأة شابة تبيع الفاكهة تسب حشداً من الرجال الذين يمتدحون عز.

وقالت البائعة، وتدعى هبة: "في ثورة، وفي ناس ماتت، ودلوقتي راجع يعمل إيه؟".

وكانت تشير إلى مئات المتظاهرين الذين قتلوا في الاحتجاجات التي اندلعت إبان الثورة على مبارك التي استمرت 18 يوماً.

ولم تكن هبة وحدها التي تعارض ترشح عز.

وقال علي عباس (26 عاماً)، وهو عاطل من العمل رغم حصوله على شهادة جامعية، إن "عز مابيخدمش غير الحاشية اللي حواليه".

اقرأ أيضاً: على من تضحكون؟

المساهمون