يضع تأخر أحد أكبر مشاريع استغلال الطاقة في تونس، الحكومة المقبلة في مأزق مالي، في ظل اعتماد الدولة على الاستيراد لسد العجز بين الإنتاج المحدود والاستهلاك، ما قد يدفعها وفق محللين إلى إقرار زيادات جديدة في أسعار المحروقات (المنتجات البترولية) مطلع العام المقبل.
وكانت حكومة تونس تعوّل على زيادة الإنتاج المحلي من النفط ومشتقاته، عبر حقل "نوارة" جنوب البلاد، الذي يعد أحد أكبر مشاريع الطاقة، غير أن صعوبات حالت دون دخول المشروع الجديد حيز الاستغلال في آجاله المحددة، ما قد يدفع الحكومة إلى زيادة واردات النفط لتغطية الاحتياجات.
ويعد عجز الطاقة واحداً من أكبر المشاكل، التي عانت منها تونس في السنوات الماضية، بسبب زيادة نفقات الاستيراد وتأثيرها المباشر على الميزان التجاري، ما أدى إلى زيادة أسعار المحروقات 5 مرات منذ مطلع 2018، استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي.
ورجح بلحسن الزمني، الخبير الاقتصادي، أن تلجأ الحكومة إلى رفع سعر المحروقات (المنتجات البترولية) مطلع 2020، بعد تعثر انطلاق تشغيل حقل نوارة، مشيرا إلى أن الخيارات أمامها محدودة، فزيادة الأسعار هو الأكثر ترجيحاً في ظل العجز المالي المتوقع ورغبة الدولة في كبح دعم الطاقة.
وأضاف الزمني لـ"العربي الجديد" أن الحكومة جمدت منذ 6 أشهر آلية التعديل الآلي للأسعار، التي يحث عليها صندوق النقد الدولي بمناسبة الانتخابات، غير أن الحكومة الجديدة قد تعيد تفعيلها لغياب حلول أخرى أمامها.
ففي مارس/آذار الماضي، رفعت الحكومة أسعار البنزين بنحو 4 في المائة، بالتزامن مع زيارة بعثة من صندوق النقد للدولة، لمراجعة الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة، قبل الإفراج عن شريحة جديدة من قرض متفق عليه في 2016.
وقبل تلك الزيادة، تم رفع أسعار المحروقات أربع مرات في 2018، آخرها في سبتمبر/أيلول من ذلك العام، في محاولة لكبح عجز الموازنة.
وأظهر مسح أجرته "العربي الجديد" أن الحكومة رفعت أسعار الوقود بنحو 16 في المائة، منذ إبرام اتفاق مع صندوق النقد، لتنفيذ برنامج اقتصادي، يتضمن تقليص الدعم وترشيد الإنفاق، في مقابل تمويل بقيمة 2.98 مليار دولار يصرف على مدى أربع سنوات.
وكان الصندوق قد دعا السلطات التونسية، في بيان أصدره في 12 يونيو/حزيران 2018، إلى "سن زيادات ربع سنوية في أسعار الوقود".
ويشير قانون المالية (الموازنة) للعام المقبل إلى إمكانية تطبيق زيادات جديدة في أسعار المحروقات، لا سيما مع خفض دعم الطاقة إلى نحو 657 مليون دولار، في مقابل 887 مليون دولار مقدرة للعام الحالي، بانخفاض تبلغ نسبته 25.9 في المائة.
وكانت تونس تخطط للعبور نحو مرحلة جديدة في أمن الطاقة، بدخول مشروع حقل نوارة حيز الاستغلال نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بما يمكنها من تقليص وارداتها بداية من العام المقبل، لكن وزارة الصناعة تشير إلى تأخر استغلال المشروع الذي تبلغ قيمة استثماراته 1.1 مليار دولار، لمشاكل فنية واجتماعية.
وقال وزير الصناعة سليم الفرياني في تصريحات صحافية مؤخرا، إن اضرابات اجتماعية حرمت البلاد من انطلاق المشروع الذي يفترض أن يحد من عجز الطاقة بنسبة 7 في المائة، متوقعا البدء في استغلال الحقل نهاية ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
ويساعد مشروع حقل نوارة الذي يأتي بالشراكة بين الحكومة وشركة "أو أم في" النمساوية، على زيادة الإنتاج التونسي من الغاز الطبيعي بنسبة 50 في
المائة وتوسيع مساحات التغطية بشبكات الغاز المسال الموجه للاستعمال الصناعي والأسري في محافظات الجنوب وجزء من محافظات الوسط.
وكان دخول الحقل حيز الإنتاج الفعلي من بين الفرضيات التي بنيت عليها موازنة 2020. ويمثل عجز الطاقة ثلث الحجم الإجمالي لعجز الميزان التجاري لتونس، الذي تجاوز 19 مليار دينار (6.5 مليارات دولار) خلال العام الماضي 2018، حسب البيانات الرسمية.
وسعت تونس العام الحالي إلى تنشيط الإنتاج، فصادق البرلمان السابق في يوليو/تموز على أكثر من 12 رخصة استكشاف واستغلال جديدة. ومثل حقل نوارة واحداً من المشاريع الذي اعتبرت وزارة الطاقة أنه يمكن أن يؤدي إلى الاستغناء عن الاستيراد وتخفيف الأعباء على ميزانية الدولة.