الجزائر نموذجاً لحكم العسكر

12 سبتمبر 2019
الشباب الجزائري ثار ضد الفساد والبطالة والغلاء (العربي الجديد)
+ الخط -




من إحدى أكبر الدول العربية إنتاجاً للنفط وتصديراً له وامتلاكاً لاحتياطي ضخم منه يقدر بنحو 4 مليارات طن، وهو ما يفوق احتياطيات دول خليجية، إلى دولة تبحث عن قروض خارجية وداخلية تسدّ بها عجزها المالي وعجز موازنتها الذي يفوق 35 مليار دولار خلال العام الجاري.

ومن دولة تمتلك واحداً من أكبر احتياطيات الغاز في العالم، بما يعادل 30 ألف مليار متر مكعب، إلى دولة مأزومة مالياً واقتصادياً، يعاني فيها المواطن من بطالة مرتفعة وفقر مدقع وأزمات معيشية متلاحقة وارتفاعات متواصلة في الأسعار.

ومن دولة تمتلك مساحات ضخمة من الأراضي الصالحة للزراعة إلى واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم، خاصة من فرنسا، المحتل التاريخي، حيث تستورد نحو 40% من إنتاج القمح الفرنسي، وتعد ثاني زبون رئيسي للمحصول الفرنسي بعد مصر، حيث يقدّر الاستيراد بـ4.6 ملايين طن سنوياً.

إنها الجزائر التي ترزح تحت حكم العسكر منذ سنوات طويلة، سنوات تحول فيها البلد النفطي الثري من الغنى إلى الفقر، ومن امتلاك احتياطي أجنبي اقترب في سنوات من 200 مليار دولار إلى دولة تبحث حكومتها حالياً التوجه نحو صندوق النقد والبنك الدوليين أو نادي باريس ولندن.

كما تبحث الحكومة عن بيع الأصول العامة والسماح للأجانب بشراء الشركات الحكومية لتدبير سيولة نقدية بعد تهاوي الاحتياطي من النقد الأجنبي إلى أقل من 80 مليار دولار، وتوقع وصوله إلى 62 مليار دولار في نهاية العام الجاري 2019، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية احتياجات البلاد لشهور من واردات وسداد أعباء ديون.

 كما تبحث الحكومة أيضا عن قروض تسدّ بها عجزها المالي، علماً بأن الكلام عن الاستدانة الخارجية كان من المحظورات في الخطاب الرسمي في فترات سابقة.

وبسبب الفساد والرشاوي والبيروقراطية، تهاوت الاستثمارات الأجنبية إلى أقل من 1.2 مليار دولار في العام 2018، مقابل 3.1 مليارات دولار عام 2009. ومع انتشار الفساد، تهاوى الاحتياطي الأجنبي حيث فقد نحو 120 مليار دولار خلال سنوات معدودة، وزاد عجز الموازنة العامة، وفضل الشباب الجزائري قوارب الموت والهجرة غير المشروعة باحثين عن فرصة عمل في أوروبا.

تُعد الجزائر نموذجاً حياً لدولة تقبع تحت حكم العسكر الذي قادها إلى الهاوية، اقتصادياً ومالياً، رغم أنها دولة نفطية كبرى وتمتلك ثروات هائلة كما قلت، فتحت حكم العسكر تمّ نهب ثروات البلاد النفطية والتعدينية، وانتشر الفساد وعمليات غسل الأموال، وهرّب جنرالات الجيش مليارات الدولارات من الداخل إلى بنوك فرنسا وسويسرا وأوروبا وجزر البهاما وغيرها من الملاذات الضريبية، كما حصدوا مليارات الدولارات من عمولات شراء الأسلحة والطيران والسمسرة في بيع أراضي الدولة.

وسيطرت المؤسسة العسكرية على معظم مفاصل الاقتصاد، وذلك على حساب القطاع الخاص الذي انزوى لصالح جنرالات الجيش، وتصدر الجنرالات السابقون المشهد الاقتصادي والمالي وقادوا مجتمع البزنس، حيث امتلاك توكيلات السيارات والمحال التجارية والفنادق والمحال وغيرها من الأنشطة التجارية والاستثمارية.

تحت حكم العسكر عرفت الجزائر عمليات نهب منظم للمال العام، ومئات من المشروعات القومية الكبرى الوهمية، ومشروعات أخرى لم ترَ النور رغم إنفاق مليارات الدولارات عليها، وعرفت فضيحة بنك الأمين وسوناطراك والطريق السيار شرق غرب وميناء شرشال وغيرهما من الفضائح التي هزّت المجتمع ولم يحرك صانع القرار ساكناً.

وتحت حكم العسكر أهملت الحكومات الجزائرية المتعاقبة ملفات مهمة أبرزها الزراعة والأمن الغذائي وقطاعات الصناعة والتصدير والسياحة وغيرها، وأهملت ملف تنويع الإيرادات والإنتاج وركزت على قطاع الطاقة، بقطاعيه النفطي والغازي، الذي يمثل النسبة الأكبر من إيرادات البلاد، ولذا عندما تهاوت أسعار النفط في نهاية العام 2014 تعرضت الدولة لهزة مالية عنيفة.

وبسبب انتشار الفساد والعموالات والسمسرة وعمليات النهب قامت ثورة على نظام الحكم لا تزال تحرك الشارح حتى الآن رغم محاولات اجهاضها من قبل عصابات مستفيدة من الوضع القائم منذ سنوات.

المساهمون