قال باحثون إن موجة المشاريع التي تمولها الصين من خطوط السكك الحديد وغيرها من الروابط التجارية في أفريقيا وآسيا والتي أثارت القلق بشأن الديون وطموحات بكين، تقلل بالفعل التفاوت الخطير بين المناطق داخل تلك البلاد.
وتثير الدراسة التي أجرتها مؤسسة إيد-داتا في كلية وليام أند ماري في ولاية فرجينيا الأميركية، ملاحظة إيجابية في الوقت الذي تشعر الحكومات بدءا من واشنطن إلى موسكو ونيودلهي بعدم الارتياح تجاه مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
ووجدت الدراسة، التي شملت 3485 مشروعاً في 138 دولة عبر آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط في الفترة من عام 2000 إلى 2014، أنها أدت إلى توزيع أكثر عدلا للنشاط الاقتصادي من خلال تحسين الوصول إلى الوظائف والأسواق.
وقالت إن ذلك يساعد في تقليل الفروق الاقتصادية التي "ترفع من مخاطر الاضطرابات العنيفة".
وأعد الباحثون قائمة بالمشاريع من التقارير الإخبارية والبيانات الحكومية والأبحاث التي قام بها أكاديميون ومنظمات غير حكومية، ووفقاً للقائمة فإن نحو 43% من هذه المشروعات هي مشاريع بنى تحتية مثل الطرق والسكك الحديد والجسور والموانئ والمطارات وشبكات الكهرباء وأبراج الهواتف الخلوية وخطوط كابلات الألياف الضوئية، و42% أيضا كانت في صورة خدمات تضم المستشفيات والمدارس والصرف الصحي.
ولقياس الأثر الاقتصادي، قام الباحثون بدراسة التغيرات في استخدام الإنارة الليلية عبر المدن والمناطق الريفية، حيث استند ذلك إلى صور الأقمار الصناعية للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأميركية، وقال التقرير إن تلك التغييرات "ترتبط بقوة بالتدابير التقليدية للرفاهية الاجتماعية وصولا إلى مستوى القرية".
وبحسب التقرير، فإن المشروعات التي تمولها بكين قد تحقق أرباحا أكبر لأن الشركات الصينية تعمل بشكل أسرع وغالبا ما تنهي مشاريع كاملة في غضون أشهر، في الوقت الذي يمكن أن تستغرق المشروعات التقليدية المدعومة من الغرب سنوات.
وقال إنهم كثيرا ما يركزون أيضا على ربط الداخل بالموانئ، ما يزيد من عائدات التصدير، على عكس المشروعات التقليدية التي تربط مناطق بداخل البلد نفسه.
فخ الديون
رحب القادة في أفريقيا وجنوب آسيا ومناطق أخرى بالمشاريع الصينية، بما في ذلك مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلا أنهم يواجهون شكاوى حول التكاليف.
وقامت الحكومات، بما فيها نيبال وسريلانكا وتايلاند، بإلغاء أو تقليص المشاريع بسبب ارتفاع التكاليف أو الشكاوى من أن القليل فقط من العمل يذهب إلى الشركات المحلية.
ويتم بناء معظم المشاريع من قبل مقاولين صينيين، ويتم تمويلها عن طريق قروض بنكية صينية بأسعار فائدة السوق.
وفي كينيا، تواجه حكومة الرئيس أوهورو كينياتا احتجاجات وإضرابات من جانب مشغلي محطات وقود، بعد فرض ضريبة بنسبة 16% على الوقود هذا الشهر لسداد تكاليف البناء. ومن المقرر أن تتضاعف مدفوعات كينيا للبنوك الصينية ثلاث مرات في عام 2019 عن مستواها هذا العام.
وكتب المحلل جينيدي كيسيرو في صحيفة (ديلي نيشن): "كينيا تغرق بشكل أعمق تدريجيا في ديون الصين." تعرضت بيجين لضربة قوية الشهر الماضي عندما ألغت ماليزيا مشروعات تشيدها الصين، بما في ذلك خط سكة حديد بقيمة 20 مليار دولار.
وقال رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد إن بلاده لا تستطيع تحمل تكلفة هذه المشروعات. وأصدر مسؤولون صينيون تفاصيل مالية قليلة في هذا الشأن، لكنهم نفوا أن تكون مبادرة "الحزام والطريق" وغيرها من المشروعات هي التي أدت إلى مشكلات الديون.
وفي السنوات الخمس عشرة حتى نهاية 2014، قدمت بكين لأفريقيا وآسيا وغيرها قروضا بقيمة 354.4 مليار دولار، تساوي نحو 90 % من 394.6 مليار دولار من الولايات المتحدة، وفق مؤسسة أيد - داتا، إلا أنها ذكرت أن فقط 23% من الإنفاق الصيني جاء في هيئة مساعدات بالمعايير الدولية، مقارنة بـ93% من الإنفاق الأميركي.
وقال المسؤول في الحكومة، نينغ جيز، في مؤتمر صحافي في 28 أغسطس/ آب الماضي: "لقد تعززت سبل عيش السكان بالإضافة إلى التطور الاقتصادي. لم نقم بنصب فخ للديون".
مصالح الصين
تم إطلاق مبادرة "الحزام والطريق" رسميا عام 2012، ولكنها تتضمن أيضا مشاريع تمولها الصين والتي بدأت قبل ذلك.
وتدعو المبادرة إلى توسيع التجارة ببناء خطوط للسكك الحديد والموانئ والبنى التحتية الأخرى، عبر قوس واسع من 65 دولة من جنوب المحيط الهادئ عبر آسيا وحتى أفريقيا وأوروبا.
وركز تقرير إيد-داتا الأول في عام 2013 على التمويل الصيني لأفريقيا، وضم مجموعة باحثين من جامعة هارفارد، وجامعة هايدلبرغ الألمانية وجامعات ومعاهد بحوث أخرى.
وأوردوا العام الماضي أن الصين قاربت حجم المنح والقروض الأميركية للدول النامية. لكنهم قالوا إن الأموال التي قدمتها بكين تخدم مصالحها الاقتصادية الخاصة ولم يقدم فائدة تذكر لمتلقي هذه القروض، كما تشعر حكومات أخرى بالقلق بأن بكين - ثاني أكبر اقتصاد في العالم - تحاول الحصول على نفوذ استراتيجي من خلال إنشاء شبكة تجارية ومالية تتمحور حولها.
(أسوشييتد برس، العربي الجديد)