أزمة النفط تجبر بوتفليقة على التراجع عن وعوده الانتخابية

02 مارس 2015
من الحملة الانتخابية لعبدالعزيز بوتفليقة (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -
اضطر الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، إلى التراجع عن بعض وعوده الانتخابية و"ترشيد النفقات"، بعد قرابة عام من فوزه بولاية رئاسية رابعة، بالتزامن مع انهيار أسعار النفط، المصدر الأساسي لعائدات البلاد.

وضربت الأزمة النفطية الجزائر، بكشل مباشر، حتى إن بوتفليقة وصفها بأنها "قاسية"، معتبرا أنه لا يمكن التكهن بتداعياتها في المدى القريب.

ومن انعكاسات هذه الأزمة قرار الحكومة تجميد التوظيف في القطاع العام خلال العام الجاري، وكذلك التخلي عن بعض المشاريع "غير الاستراتيجية" مثل بعض خطوط "الترماي"، بحسب رئيس الوزراء الجزائري، عبدالمالك سلال.

كما قررت الحكومة تشديد الرقابة على التجارة الخارجية "بصفة صارمة ودقيقة، بهدف الحد من تهريب رؤوس الأموال".

وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية في 2014، كان رئيس الوزراء الحالي، عبدالمالك سلال، يردد خلال المهرجانات في كل أنحاء البلاد أن "الجزائر دولة غنية، وستستمر في تقديم الإعانات للمواطنين وتمويل مشاريع الشباب"، حتى وإن استخدموا هذه الأموال "في شراء السيارات والزواج".

وأثارت هذه التصريحات تعليقات كثيرة في الصحف، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، واعتبر ذلك تبذيرا لأموال الدولة.

وغابت هذه التعليقات بعد نهاية الحملة الانتخابية وفوز بوتفليقة بولاية رابعة، قبل أن تعود مرة أخرى إلى الواجهة مع انهيار أسعار النفط وظهور بوادر أزمة في الموازنة، وعدم قدرة الدولة على تنفيذ وعودها الانتخابية.

واعتبر الخبير الاقتصادي، امحمد حمادوش، أن "هناك تبذيرا كبيرا في النفقات، وتحصيلا ضعيفا للضرائب، في ظل انتعاش الاقتصاد الموازي وغير القانوني".

وأضاف: "إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الاقتصاد الموازي سيكون له نفس السيولة المالية للدولة في 2020، أي 50 مليار دولار لكل منهما".

ورأى أن سياسة الحكومة "مبنية على معطى واحد هو التصدير والاستيراد، وكل القرارات السيادية مرتبطة بسعر النفط" في بلد يعتمد بنسبة 97% على عائدات النفط والغاز، ويستورد حوالى 60 مليار دولار من السلع والخدمات.

لذلك، يجب على الحكومة، وفق الخبير نفسه، أن "تبدأ إصلاحات عاجلة للخروج من هذه التبعية في غضون خمس سنوات".

وبحسب اتحاد رجال الأعمال الجزائريين، فإن 300 ألف شركة، من أصل 760 ألف شركة تنشط في الجزائر، لا تنتج شيئا وتعمل فقط في الاستيراد.

ولم يشعر الجزائريون فورا بأي إجراءات للتقشف، في ظل استمرار الحكومة في دعم أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، وهي الدقيق والحليب والزيت والسكر، لكن الصحف أصبحت تنشر في صفحاتها الأولى أخبار ارتفاع أسعار اللحوم والخضار والفواكه.

اقرأ أيضا: الجزائر تتجه إلى سياسة اقتصادية محفوفة بالمخاطر
اقرأ أيضا: الجزائر تدفع الثمن

وأوضح حمادوش أن "على الحكومة أن تخاطب الشعب بواقعية، وتشرح له الإصلاحات، كما عليها أن تحدد من هو في حاجة إلى إعانة بدل توزيع الإعانات على 39 مليون جزائري، في حين أن المحتاجين لا يتعدون سبعة ملايين".

وقال إن الحكومة وعدت برفع الدخل الفردي للجزائريين إلى 8500 دولار سنويا، وهو يناهز الآن 5000 دولار

، "لكنها لن تفي بهذا الوعد أو بوعود أخرى".

ورأى الخبير الاقتصادي أن ذلك يتطلب "تحقيق نسبة نمو اقتصادي لا تقل عن 8% سنويا لمدة خمس سنوات متتالية، بينما نسبة النمو المتوقعة للعام الحالي هي 3%".

وذهب خبراء آخرون إلى حد التحذير من أن الجزائر "قد تضطر إلى اللجوء للاستدانة من صندوق النقد الدولي خلال ثلاث أو أربع سنوات"، وهو ما أكده محافظ البنك المركزي الجزائري السابق، عبدالرحمن حاج ناصر.

وتعيد هذه التحذيرات إلى أذهان الجزائريين ذكريات مظلمة إبان التسعينيات عندما كانت العائدات لا تكفي حتى لدفع خدمة الدين، بعد سنوات من انهيار أسعار النفط منتصف ثمانينيات القرن الماضي.

ويتهم منافسو بوتفليقة في انتخابات الرئاسة بإطلاق وعود انتخابية، وسوء استخدام الأموال التي تراكمت جراء الأسعار المرتفعة للنفط خلال السنوات الماضية.

ومن أبرز هؤلاء المعارضين علي بن فليس، مؤسس حزب طلائع الحريات، الذي اتهم السلطات الجزائرية "ببذل كل الجهود لإبقاء الشعب في حالة جهل تام بآثار هذه الأزمة، خوفا من تعرضه للمحاسبة والمساءلة" أمام "تهاوي مداخيل تصدير النفط إلى النصف".

وتحاول الحكومة أن تعوض تراجع العائدات بسبب انخفاض الأسعار، بزيادة الكميات المصدرة من النفط والغاز، واستغلال الغاز الصخري، إلا أن ذلك يواجه صعوبات كبيرة، بسبب رفض سكان منطقة عين صالح استخراج الغاز الصخري، خوفا على تلويث المياه الجوفية هذه المنطقة الصحراوية.

اقرأ أيضا: أزمات الجزائر تنذر بانفجار مجتمعي

اقرأ أيضا: بوتفليقة: أزمة النفط "تثير الانشغال" ونملك "هامش مناورة"

المساهمون