حساسية "الأمن المائي" العربي

22 مارس 2018
يبقى التغير المناخي الخطر الأكبر على الموارد المائية (غيتي)
+ الخط -
تلعب الموارد الاقتصادية الدور الأساس في تحديد الإستراتيجيات المقبلة للدول كافة، خصوصاً الإستراتيجيات العسكرية والتنمية المستدامة التي تضمن لمواطني هذه الدول "حياة كريمة".

وفي السنوات السابقة، تركز التفكير على الموارد النفطية وطرق المحافظة عليها وضمان تدفقها خصوصاً في البلدان غير المنتجة للنفط مثل الولايات المتحدة الأميركية التي أصبحت تحتفظ بمخزون نفطي يساهم في تغطية العجز عند الضرورة أو في حالات الطوارئ.

لكن التفكير بشأن الموارد الاقتصادية بدأ بالتحول من النفط إلى الموارد الأساسية كالمياه، إذ من المتوقع أن تشهد السنوات المقبلة اختلافاً كبيراً في نصيب الأفراد من الثروة المائية العذبة، إضافة إلى تغير خريطة المياه الإقليمية مع التغير المناخي وارتفاع حرارة الأرض، ما يرتب على صنّاع السياسات الاقتصادية إعادة التفكير في "الأمن المائي" وإعطاءه الأولوية على مختلف الموارد الاقتصادية المتبقية.

وتعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل أساسي من هذه الأزمة، إذ تعتبر من أفقر المناطق مائياً في العالم، كما أنها تضم أكثر من 12 بلداً من أكثر البلدان ندرة في المياه العذبة.

وتشير إحصاءات البنك الدولي في هذا السياق، إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتضن أقل من 2% من الموارد المائية المتجددة في العالم، في وقت لا يتجاوز فيه توفر المياه فيها 1200 متر مكعب، وهو أقل بست مرات من المعدل العالمي البالغ 7000 متر مكعب.

ولا تقتصر الأزمة عند هذا الحد، إذ تسجل بعض بلدان المنطقة أعلى معدلات استهلاك للمياه في العالم، ناهيك عن أنها تشهد فجوات ضخمة بين إمدادات المياه والطلب عليها، إذ تستهلك الكويت مثلاً أكثر من 2465% من احتياطي المياه المتجددة لديها، في حين تستهلك السعودية والبحرين نحو 943% و220% على التوالي.

وأمام واقع كهذا، ستضطر دول المنطقة إلى التفكير مليّاً بمعدل استهلاك المياه، والمثابرة على تأمين موارد مائية تقيها شر الظمأ مستقبلاً.

ولكن الاستهلاك ليس المعيار الوحيد في الأزمة المائية المقبلة على هذه المنطقة، بل إن المشكلة الأهم تتمثل في أن 76% من المصادر المائية السطحية العذبة في العالم العربي تنبع من خارجه. وما الأزمة بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة، إلا مثال صارخ على التهديد المائي الذي يضرب منطقتنا.

وتحاول مصر "بشراسة" الدفاع عن مصادرها المائية أمام إثيوبيا بعد قرار الأخيرة بناء "سد النهضة" الذي من المتوقع أن يخفّض الحصة المائية لمصر من مياه نهر النيل الذي يعتبر شريان حياتها الرئيس.

وتتمسك إثيوبيا بأن عملية تخزين المياه في السد العملاق الذي تصل سعته التخزينية إلى 74 مليار متر مكعب، ومن المفترض أن يتم الانتهاء من بنائه آخر السنة الجارية، ستستغرق ثلاث سنوات، في وقت تشدد مصر على أن هذه العملية يجب أن تستغرق 10 سنوات.

ومن نافل القول إن مصر ستدافع بشراسة منقطعة النظير عن حصتها المائية في مياه نهر النيل، خصوصاً أنه يساعد على خفض مستويات الأزمة المائية في هذا البلد الأفريقي الذي يشهد زيادة مضطردة في أعداد السكان.

ومن المرجح أن تؤدي اللهجة الشرسة التي تستعملها مصر في محاولة للضغط على إثيوبيا، إلى تطور عسكري مباشر أو غير مباشر، ما يؤكد "حساسية" الموقف المصري وأزمته أمام مياه النيل التي تنبع من إثيوبيا.

ومصر ليست إلا مثالاً عن الأزمات المائية المتعددة الموجودة في عالمنا العربي، فالعراق أيضاً يعاني من أزمات مائية وجفاف بسبب شح المياه في نهري دجلة والفرات.

ويتحضر هذا البلد الذي يعاني من حروب طاحنة دمرت معظم البنية التحتية فيه، لحرب مائية جديدة ضد تركيا وإيران بسبب قيامهما في وقت متزامن بقطع عدد من روافد نهري دجلة والفرات، ما خفض حصة بغداد من المياه.

وفي حديث إلى "العربي الجديد"، أشار وزير عراقي إلى أن بلده قد يعتبر تصرفات تركيا وإيران بمثابة "إعلان حرب" خصوصاً مع وجود تقارير تشير إلى تصحر نحو ربع مليون هكتار بسبب الجفاف الذي ضرب جنوب العراق في الأشهر الأخيرة، في وقت تراجعت الأراضي المزروعة أصلاً في العراق إلى 12 مليون هكتار بسبب الحرب وسيطرة تنظيم "داعش" على مساحة واسعة من الأراضي، ما يهدد الأمن الغذائي العراقي.

يضاف إلى ما سبق، الاحتلال الإسرائيلي الذي يتمادى في سيطرته على الموارد المائية في الدول العربية وخصوصاً في لبنان والأردن وسورية، إذ أحكمت سيطرتها على نهر الأردن، بالإضافة إلى السيطرة على قسم من نهر الليطاني في لبنان الذي يؤمن 40% من حاجات لبنان المائية.

ووصل الأمر بإسرائيل إلى أن هددت لبنان باتخاذ إجراءات قاسية ضده في حال إنشائه محطة سحب مياه على نهر الحاصباني الذي ينبع من لبنان ويصب في بحيرة طبرية في الأراضي المحتلة.

وعلى الرغم من كل هذه الظروف الجيوسياسية والاقتصادية، يبقى التغير المناخي الخطر الأكبر على الموارد المائية في المنطقة، والعالم ككل، خصوصاً أن الخارطة المائية التي نعرفها منذ سنوات طويلة وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا على وشك التغير في السنوات المقبلة.

وأشار تقرير صادر عن "مركز الموارد العالمية" إلى أن التغير المناخي سيحول الخارطة المائية ويغيرها بشكل كبير، ما سيزيد التوتر المائي للكثير من الدول وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي ستشهد أكبر معدل توتر مائي بحلول 2040.

وتشير إحصاءات الأمم المتحدة بشأن المياه إلى أن حوالى 5.7 مليارات شخص حول العالم سيعانون من ندرة مياه الشرب بحلول عام 2050، وهو ما أكده الرئيس البرازيلي ميشال تامر خلال افتتاحه قمة المياه في البرازيل منذ أيام.

والحال أن الحياة بشكل عام مرتبطة بشكل وثيق في المياه والقدرة على تأمينها، ما يعني أنها المورد الاقتصادي الأساس الذي يجب أخذه بعين الاعتبار عند الحديث عن تأسيس الدولة وتركيز بنيانها الإقتصادي، مع الإشارة إلى استحالة التطوير وتحسين الاقتصاد في حال وجود شح في المياه، نظراً إلى أنه يعني وجود صعوبة في استمرارية الحياة بحد ذاتها، فأي اقتصاد أو سياسة تُبنى مع وجود خطر توقف استمرارية الحياة بسبب شح الموارد المائية؟

المساهمون