المفقودات في الفرات مصدر للرزق: غواصو العراق

03 مارس 2015
تحسنت دخول الشباب بعدما وجدوا ضالتهم في الفرات(أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -

لا شيء يدعوهم إلى الاستمرار في طرق أبواب الوزارات والمؤسسات العراقية بحثا عن العمل، رغم حملهم شهادات جامعية في الهندسة والحاسوب واللغات والآداب والقانون، أغلقت في وجوههم الأبواب، في حين فتحت في وجه آخرين من أقرانهم ممن يمتلك ذووهم أو أقرباء لهم نفوذا سياسيا وفر لهم حصصا من الوظائف الحكومية التي تطلقها الدولة بين الحين والآخر.

كل ذلك دفع بسبعة من الشباب العراقيين، في محافظة الأنبار غرب العراق، إلى نهر الفرات، لكن ليس للانتحار يأسا كما حصل في حالات مشابهة لشبان ضاقت بهم الحيل، إنما ذهبوا إليه لطلب الرزق من دون أن يعلموا أن الفرات سيمنحهم فعلا هذه المرة الذهب.

وبدأت حكاية الشبان السبعة مع الفرات، في العام الماضي 2014، عندما اتفق أبناء الحارة الشعبية في حي الأندلس بالفلوجة على فتح "دكان" صغير يتناسب مع مقدرتهم المادية، ويكونون فيه شركاء في العمل وفي الأرباح، إلا أن ذلك لم ينجح عندما طالبتهم البلدية برسوم وإجارة تجارية قد تكلفهم من الأموال أكثر من حجم المال المخصص لفتح الدكان نفسه.

ويقول أحدهم، ويدعى أحمد عمر (33 عاماً): "بعد عودتنا من البلدية توجهنا إلى كورنيش الفرات، حيث مكان جلوسنا المفضل، وفجأة جاءت سيدة في العقد الخامس من العمر، وقالت لنا: ابني سقطت منه حافظته الشخصية في النهر، وهو لا يعرف السباحة، أرجو أن تساعدوني؛ لأن فيها هويته المدنية، وكما تعلمون لا دوائر رسمية في الفلوجة تستخرج بطاقات الآن بسبب الحرب".

وأضاف "نزعنا ملابسنا ونزلنا إلى النهر، بحثا عن حافظة الشاب، وبالفعل وجدناها، فأخرجت السيدة مبلغ 50 ألف دينار (42 دولاراً) وقالت لنا إن هذه مكافأة، ثم غادرت مع ابنها الذي انتشى فرحاً بعد العثور على بطاقته التي تمثل جواز مروره الوحيد بين المدن والمحافظات العراقية الملتهبة.

وتابع "ومن هنا جاءت فكرة أن نستغل الفرات في الرزق، قلت أنا وكنت غير مؤمن بالفكرة، وأعلنا من خلال لافتة استعدادنا للغطس حتى يعرف الناس أن ثمة مؤهلين لجلب مفقوداتهم من النهر. وجاءتنا ست حالات في شهر واحد، ربحنا من خلالها نحو 250 ألف دينار (نحو 200 دولار)، جلبنا خلالها من بطن الفرات أغراضاً لمواطنين ضاعت منهم، أو رغبوا في الحصول عليها، مثل الأعشاب التي تستخدم في الطب النبوي، وهو ما يعرف لدينا بطب العرب"، وأضاف أحمد أن الحال تطور لديهم لشراء آلات غوص لهم السبعة.

وقال: "وعندها بدأنا بالغوص فترات أطوال داخل النهر، وفي بعض الأحيان ننزل دون طلب، مستعينين بأسطوانات الأوكسجين، وانتشلنا كثيرا من المواد الضائعة التي كانت مغمورة في قاع النهر أو الطحالب، وصارت لدينا خبرة في البحث أكثر، وصرنا مطلوبين في مدن أخرى بعد أن شاع ذكرنا بين الناس".

وقال عضو آخر في المجموعة، يدعى طه علي (31 عاماً) لـ"العربي الجديد": "وجدنا أخيراً في الفرات مصدر رزقنا. نحن نجني الآن أكثر مما يجنيه أقراننا الموظفون. عثرنا على حاجيات الناس الضائعة، ووجدنا أغراضاً كثيرة بعضها تاريخية، وانتشلنا أسماكا كبيرة بشباك أنزلناها معنا. كل ما أخرجناه من النهر بعناه بسرعة وبثمن كبير لم نكن نتخيله في السابق".

ويشير علي بيده مبتسماً إلى الفرات، ويقول: "لم نكن نصدق أن النهر الذي كان شاهداً على جلسات البطالة والعربدة، سيكون في يوم ما مصدر رزقنا وحل كل مشاكلنا".

فيما يذكر زميلهم عبدالله (25 عاماً)، وهو أصغرهم سناً وحجماً، "اتفقنا على أن نقسم عوائد ما نحصل عليه كفريق واحد على الكل. وهذا شيء مرض وجميل. في بعض الأحيان يصاب أحدنا بالزكام أو وجع العضلات بسبب الغطس، ومع ذلك يحصل على العائد، حتى وإن بقي جالساً في بيته".

وأضاف لـ"العربي الجديد": "الأمر شاق وخطير في نفس الوقت. نواجه متاعب داخل النهر، خاصة في أيام جريانه القوي عند فتح السدود أو نزول السيول بسبب الأمطار الموسمية، ونتعرض لكثير من المتاعب الجسدية، مثل الروماتيزم والبرد وتصلب العضلات وضيق التنفس. لكن على كل حال هذا رزقنا رضينا به وسعداء، لأننا نساعد الناس ونساعد أنفسنا وعوائلنا، وفي نفس الوقت متعة الاستكشاف حاضرة وممتعة في كل بقعة في الفرات نغطس فيها".

وأكد أنهم عثروا على لقى وتحف مختلفة تعود إلى حقبة الاحتلال الإنجليزي، وقبله الحقبة العثمانية، كما وجدوا أشياء مضحكة مثل أعمال سحر ترمى في قاع النهر حتى لا يصل إليها أحد لإفسادها، وقمنا نحن باستخراجها وإتلافها.

وحول أرباحهم الشهرية يقول علي: "هذا سر المهنة الذي لم نفصح عنه لأحد، رغم أن بعض الشبان بدأوا تقليدنا، بحثا عن الرزق. لكن إذا أردت أن تعرف أرباحنا، عليك أن تتأكد أن خمسة منا تزوجوا، واثنين على الطريق إن شاء الله تعالى".


اقرأ أيضاً: "شمال العراق" يحتاج 1.4 مليار دولار لحل أزمة اللاجئين
المساهمون