تدهور أسواق روسيا تحت وطأة العقوبات الأميركية

10 ابريل 2018
تراجع حاد للروبل أمام الدولار واليورو (فرانس برس)
+ الخط -

 

لم تكن البورصة الروسية وحدها المتضررة من الضربة التي سببتها العقوبات الأميركية الجديدة، فقد طاول الانهيار العملة وامتدت التداعيات إلى مختلف الشركات، بما فيها تلك التي لم تندرج تحت طائلة العقوبات.

وخسر الروبل 3.4% من قيمته، أمس الإثنين، متراجعا إلى أدنى مستوى له منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ليتجاوز سعر صرف الدولار في تعاملات بورصة موسكو حاجز الـ60 روبلا.

وفي التعاملات الصباحية اليوم، واصل الدولار ارتفاعه أمام الروبل، متجاوزا حاجز الـ63 روبلا، وهو أدنى مستوى للعملة الروسية منذ عام 2016. وارتفع اليورو هو الآخر إلى أعلى مستوى أمام الروبل منذ ربيع عام 2016، متجاوزًا 78 روبلا.

ويرجع مارك غويخمان، كبير المحليين بمجموعة شركات "تيلي تريد" للتداول، انهيار العملة والأسواق الروسية إلى مجموعة من العوامل السلبية، وفي مقدمتها العقوبات الأميركية الجديدة بحق شركات روسية كبرى.

وأضافت وزارة الخزانة الأميركية، يوم الجمعة الماضي، 14 مؤسسة و24 شخصاً إلى قائمة العقوبات المفروضة على روسيا. وشملت القائمة حلفاء للرئيس فلاديمير بوتين، في واحدة من أشد الخطوات التي تتخذها واشنطن لمعاقبة موسكو.



ويقول غويخمان في حديث لـ"العربي الجديد": "تقلل العقوبات من فرص النمو الاقتصادي والتصدير وجني الأرباح بالعملة الصعبة، ما يشكل ضغطا على الروبل، كما زادت الاتهامات الأميركية الموجهة إلى روسيا بالضلوع في الهجوم الكيميائي في سورية، من حدة التوتر".

ويضيف: "ستستمر العوامل الجيوسياسية في إضعاف الروبل، وقد يتم تشديد العقوبات". لكنه توقع تراجع الدولار إلى مستوى 58.5 - 59 روبلا بعد انتهاء حالة الذعر بالأسواق.

ولم يكن الروبل وحده ضحية للعقوبات الأميركية الجديدة، بل بدأت مؤشرات البورصات الروسية الأسبوع الحالي بأكبر انهيار منذ ديسمبر/ كانون الأول 2014، لتخسر نحو 14 مليار دولار في غضون يوم، وسط تراجع مؤشر بورصة موسكو بنسبة 8.34% إلى 2090 نقطة، ومؤشر "إر تي إس" بنسبة 11.44% إلى 1094 نقطة.

وقدرت وكالة "بلومبرغ" خسائر أثرى أثرياء روسيا جراء العقوبات الأميركية بنحو 16 مليار دولار نتيجة لانهيار الأسواق وأسهم شركاتهم.

أما الانهيار الأكبر في قيمة الأسهم، فكان من نصيب شركة "يو سي روسال" التي تعتبر ثاني أكبر شركة إنتاجًا للألمنيوم في العالم، والمملوكة للملياردير الروسي أوليغ ديريباسكا، إذ تهاوت قيمة أسهمها في تعاملات بورصة هونغ كونغ بنسبة تزيد عن 50%، وبنسبة 20% في بورصة موسكو. ودفع هذا الوضع بـ"يو سي روسال" إلى تحذير المستثمرين من أن التخلص من الأسهم قد يتسبب في إفلاسها.

ولم تنج مصارف وشركات روسية كبرى لا تخضع للعقوبات بشكل مباشر من تراجع أسهمها، إذ تراجعت قيمة أسهم أكبر مصرف في روسيا "سبيربنك" بنسبة 17%، وأكبر شركة نفط "روس نفط" بنسبة 6.3%.

وقدّر "سبيربنك" مخاطره جراء العقوبات الجديدة بأكثر من 8 مليارات دولار، مؤكدا في الوقت نفسه أن ذلك أقل من 2.5% من قيمة أصوله.

بالتزامن مع ذلك، بدأت الحكومة الروسية النظر في كيفية دعم الشركات الخاضعة للعقوبات، وفق ما أعلنه رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف. وذكرت صحيفة "فيدوموستي" المتخصصة في الشأن الاقتصادي، أمس الثلاثاء، أن السلطات الروسية تنظر في إمكانية إقامة منطقتين خاصتين بصفة ملاذات ضريبية لوضع آلية لإعادة رؤوس الأموال إلى روسيا.

وأوضحت مصادر الصحيفة أن الشركات الخاضعة للعقوبات ستتمكن في إطار هذه الآلية، من إعادة رؤوس أموالها إلى روسيا بالكامل مع الإعفاء من دفع الضرائب على الأرباح المحققة في الخارج.

ورغم أن العقوبات الأميركية الجديدة التي فرضتها واشنطن، طاولت بشكل مباشر سبعة مليارديرات روس و12 شركة مملوكة لهم فقط، إلا أنها شكلت ضربة قاسية للأسواق الروسية، إذ إنها تنطبق تلقائياً على جميع الشركات الفرعية التي يملك الأشخاص الطبيعيون والاعتباريون الخاضعون للعقوبات حصة لا تقل عن 50% فيها. ونصت العقوبات على تجميد أصول مثل هذه الشركات في الولايات المتحدة ومنع مواطنيها وشركاتها من إبرام أي صفقات معها.

وعلى عكس الاتحاد الأوروبي الذي يمدد عقوباته بحق روسيا كل ستة أشهر ويترك مجالا لتخفيفها في أي وقت، سعت واشنطن لتثبيتها على مستوى القانون، ما يجعل العدول عنها أمرا شبه مستحيل في الأفق المنظور.

كانت الخلافات بين موسكو والدول الغربية قد بدأت تتفاقم بعد ضم شبه جزيرة القرم، ذات الأغلبية الناطقة بالروسية، في مارس/ آذار 2014 وتصاعد وتيرة أعمال القتال شرق أوكرانيا، ما أدى إلى موجة من التوترات السياسية وقطع الاتصالات العسكرية واندلاع حرب العقوبات الاقتصادية.

وتوقع تقرير صدر عن المجلس الروسي للشؤون الدولية أخيراً، استمرار تشديد سياسة العقوبات الاقتصادية ضد روسيا لمدة لا تقل عن ست سنوات إضافية، أي حتى نهاية ولاية بوتين الرابعة عام 2024.

وأشار التقرير إلى اختلافات كبيرة في مواقف كل من واشنطن وبروكسل من العقوبات بحق روسيا، إذ يستخدمها الاتحاد الأوروبي كآلية ضغط، بينما تسعى الولايات المتحدة لعزل القيادة الروسية سياسياً والحد من ثقة المستثمرين وتعزيز النفوذ الأميركي في أوروبا.

وعلى عكس الاتحاد الأوروبي الذي تكبد خسائر قدرت بنحو 50 مليار يورو في عام 2015 نتيجة لحرب العقوبات وتراجع التجارة مع روسيا، تجنبت الولايات المتحدة أي خسائر تذكر، إذ إن حصة روسيا في تجارتها الخارجية لا تزيد عن 1%.

المساهمون