أدّت الأزمة الاقتصادية الناتجة عن هبوط أسعار النفط، مصدر الدخل الرئيس لدول الخليج العربي، وانتشار فيروس كورونا الجديد وما ترتب عليه من إغلاق للنشاطات التجارية والاقتصادية كافة، إلى ضرر بالغ لمئات الآلاف من العمال والموظفين في القطاع الخاص، إضافة إلى أصحاب الأعمال الذين سجلوا خسائر قياسية خلال شهر واحد فقط من وصول الفيروس إلى المنطقة.
ففي الكويت لا تزال وزارة التجارة تحكم زمام سيطرتها على الأسواق المركزية والجمعيات التعاونية، ضامنة بذلك إمدادات لا تنتهي من الغذاء والدواء، إلا أن الخوف يسيطر على كثير من القطاعات من القادم المجهول في حال استمرت إجراءات مواجهة الوباء التي أوقفت رحلات الطيران وشلت مختلف الأنشطة في الدولة، شأن كل دول الخليج.
وطلبت الشركات والمؤسسات التجارية والمطاعم والفنادق من موظفيها العودة إلى منازلهم لأجل غير مسمّى، بعد قرار السلطات إغلاق المجمعات التجارية والمحلات التجارية، وتأكيدها جديتها في اتخاذ قرار حظر التجول، ما أدى إلى تراجع المبيعات بنسبة 80 في المائة في كثير من القطاعات، بحسب ما يقول سعود العنزي، وهو مالك سلسلة مطاعم محلية في الكويت.
ويقول العنزي الذي استقال من عمله الحكومي لبدء نشاطه التجاري قبل ثلاثة أعوام، إنه سيضطر لتسريح بعض العمال لوقف نزيف الخسائر، في ظل عدم تأكيد الحكومة تعويض أصحاب الأعمال المتضررة، فيما أعلنت البنوك تأجيل سداد قروض الشركات والمشاريع لمدة 3 أشهر، بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن كورونا.
ورغم إعفاء أكثر من 30 شركة عقارية كويتية كبرى أصحاب المحلات والمتاجر فيها من الإيجارات لمدة 3 أشهر، فإن نزيف خسائر أصحاب الأعمال الصغيرة الكويتيين لا يزال مستمراً.
في المقابل، تعرض قطاع الفنادق والمنتجعات المزدهر إلى ضربة قاصمة، حيث يقول حسين الشاذلي، وهو مدير أعمال في إحدى شركات الفنادق الكبرى لـ"العربي الجديد"، إن القطاع الفندقي والخدمي تعرّض للدمار، وهذا سينعكس على الموظفين الذين تم منحهم إجازة إجبارية بدون راتب في غالب شركات الفنادق الكبرى، وفي حال امتدت الأزمة فإن عدداً كبيراً من الموظفين سيتم تسريحهم".
وبحسب الشاذلي، فإن عشرات آلاف الوافدين سيجدون أنفسهم في الشوارع بلا عمل إذا استمرت الأزمة لشهرين مقبلين، وذلك بسبب الخسائر الكبيرة التي تعانيها كافة القطاعات التجارية، باستثناء القطاعات الطبية، ولا يستطيع هؤلاء العودة إلى بلدانهم بسبب تعطيل حركة الطيران في البلاد ورفض سفاراتهم إخلاءهم من الكويت حتى الآن.
لكن الضرر لن يكون محصوراً بأصحاب المشاريع من الكويتيين أو الموظفين والعمال الوافدين فحسب، بل سيتمد إلى الموظفين الكويتيين في القطاع الخاص الذين سيتعرضون لـ"مذبحة وظيفية إذا استمرت الأزمة الاقتصادية بدون دعم حكومي كبير".
ويعمل أكثر من 60 ألف مواطن كويتي في القطاع الخاص، ويحصلون على دعم حكومي في نسبة من رواتبهم عبر برامج "دعم العمالة"، لكن النزيف المستمر لبورصة الكويت بفعل أزمة كورونا وانخفاض أسعار النفط، وعدم وجود حركة بيع وشراء وإغلاق كافة المرافق في البلاد قد يدفع بالشركات إلى تسريح أعداد كبيرة من المواطنين كما حدث في الأزمة المالية عام 2008 واضطرت الحكومة حينها لإعادة توظيفهم في قطاعاتها.
ومنذ اليوم الأول لقرار إغلاق المراكز التجارية، أحكمت وزارة التجارة سيطرتها ونشرت عشرات الفرق التفتيشية على المحلات التجارية التي لم يشملها قرار الإغلاق، مثل محلات الأغذية والصيدليات والمستلزمات الطبية.
ومكّن نظام الجمعيات التعاونية، وهي أسواق مركزية مملوكة لسكان المناطق، الحكومة من السيطرة على الأسعار وتأمين إمدادات كافية وعدم وجود نقص في كافة السلع، بحسب ما يقول عبد الله المطيري، المدير في جمعية جليب الشيوخ التعاونية في العاصمة الكويتية لـ"العربي الجديد".
وتملك الجمعيات التعاونية مخزوناً استراتيجياً من الغذاء يكفي الكويت 6 أشهر في حال توقف حركة التجارة العالمية، وتحاول الجمعيات بالتعاون مع وزارة التجارة استغلال عدم توقف التجارة لزيادة المخزون الاستراتيجي من الغذاء لمدة عام كامل خوفاً من الأسوأ.
وبخلاف الهلع من التسريح، لم يشعر المواطنون أو المقيمون بفروق كبيرة من ناحية الحصول على الإمدادات الغذائية أو الدوائية، إذ يقول أحمد الشاوي، وهو مقيم سوري في الكويت، لـ"العربي الجديد": "كل شيء مؤمن هنا، وعلى العكس زادت ساعات العمل بالنسبة للأماكن التي تبيع السلع اليومية"، لكن على صعيد العمل: "يبدو أن أغلب الوافدين العاملين في القطاع الخاص سيدفعون ثمناً باهظاً حال امتدت فترة الأزمة، فالقطاع الخاص الذي لا يريد إلا الربح، ولم نسمع عن دعم حكومي حتى الآن".
ويرى فيصل الصخري، وهو مقيم أردني في الكويت يملك محلاً لتصليح السيارات، أن الأضرار الاقتصادية التي يتعرض لها فادحة، إذ يقول: "سوقنا دُمر بفعل الأزمة، فرغم عدم شمول قرار الإغلاق محلاتنا إلا أن الزبائن اختفوا وأصحاب المحلات التي نقوم بتأجيرها يطالبوننا بالإيجارات، ما يعني أن عملي سيتوقف خلال شهر أو أقل، لأنني لا أستطيع الدفع من جيبي".
ولا يختلف المشهد كثيراً في العديد من الدول الخليجية، لا سيما في السعودية التي تعدّ أكبر سوق للعمالة الوافدة في المنطقة والتي تسببت تداعيات كورونا وتهاوي أسعار النفط في ضرب معظم الأنشطة فيها.
وحذّرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الأسكوا" من أنّ فيروس كورونا، يمكن أن يسبّب خسارة أكثر من 1.7 مليون وظيفة في العالم العربي. وتوقّعت اللجنة في تقرير، الخميس الماضي، أن "يتراجع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية بما لا يقلّ عن 42 مليار دولار" هذا العام، على خلفية تراجع أسعار النفط وتداعيات تفشي الفيروس.
وقالت اللجنة إن "قطاع الخدمات، وهو المصدر الرئيسي لفرص العمل في المنطقة العربية، سيكون أكثر القطاعات تعرّضاً لآثار التباعد الاجتماعي".
والأربعاء الماضي، حذّرت منظمة العمل الدولية من أنّ الأزمة الاقتصادية والعمالية التي سبّبها انتشار فيروس كورونا الذي أودى بحياة أكثر من 8000 شخص حتى الآن في أنحاء العالم، سيكون لها "تأثيرات بعيدة المدى على سوق العمل".
وصرح غاي رايدر، مدير المنظمة، في بيان، بأنه "لم تعد هذه أزمة صحية عالمية، بل إنها أيضاً أزمة سوق عمل وأزمة اقتصادية لها تبعات هائلة على الناس". وأشارت دراسة المنظمة الأممية إلى أن العالم عليه الاستعداد "لارتفاع كبير في البطالة ونقص العمالة جراء الفيروس".
وعرضت الوكالة سيناريوهات مختلفة تعتمد على سرعة تنسيق الحكومات ومستواه، وقالت إنها وجدت أنه حتى في أفضل السيناريوهات، فإن 5.3 ملايين شخص آخرين سيعانون من البطالة بفعل الأزمة. وأضافت أنه في أسوأ الحالات، فإن 24.7 مليون شخص آخرين سيصبحون عاطلين من العمل، ليضافوا إلى 188 مليون شخص عاطلين من العمل في 2019.