صندوق النقد يواصل ضغوطه لدفع تونس نحو الخصخصة

29 مايو 2018
احتجاجات سابقة في تونس ضد الخصخصة (شادي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -
تختتم نهاية الأسبوع الجاري بعثة صندوق النقد الدولي مهمتها في تونس التي دامت نحو أسبوعين، وكان إصلاح المؤسسات الحكومية وخصخصة بعض شركات القطاع العام عنواناً بارزاً لزيارتها، حيث التقى وفد الصندوق عدداً من المسؤولين واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة رجال الأعمال)، إضافة إلى شخصيات أخرى.
ومنذ تعهُّد تونس ببرنامج الإصلاح الاقتصادي في شهر مايو/ أيار 2016 يضع صندوق النقد الدولي الجوانب المالية لعدد من المؤسسات الحكومية تحت مجهر المراقبة، مؤكداً في أكثر من مناسبة على ضرورة إجراء الإصلاحات اللازمة صلبَ هذه المؤسسات أو التفويت فيها (بيعها) لصالح القطاع الخاص.

وفي تقرير للصندوق حول الوضع الاقتصادي في تونس نشره في أبريل/ نيسان الماضي، قالت المؤسسة المالية الدولية إن القطاع الخاص هو الجهة الوحيدة التي يمكن أن تخلق كمّاً كافياً من الوظائف عالية الجودة للقوى العاملة الشابة في تونس.
وأضاف الصندوق، أنه ليس بمقدور القطاع العام أن يوفر القدر اللازم من الوظائف بصورة مباشرة بسبب ارتفاع مستويات العجز والدين، معتبراً أن المخاطر المحتملة المرتبطة بالشركات المملوكة تهدد الاقتصاد المحلي ما يفرض وضعها تحت المراقبة.

ويقوم النموذج الاقتصادي التونسي أساساً على حماية الدولة لأغلب القطاعات الاقتصادية ولا سيما الخدماتية منها على غرار النقل والماء والكهرباء، ولذلك يجد التونسيون صعوبة في تقبل نموذج اقتصادي جديد يقوم على إحالة جزء من هذه المسؤوليات للقطاع الخاص، فيما تعتبر النقابات العمالية خصخصة القطاع الحكومي خطاً أحمر.
ومقابل رفض النقابات لأي إصلاحات تحيل ملكية الشركات الحكومة للقطاع الخاص تصر الحكومة على المضي قدماً في برنامجها مهما كان الثمن الذي قد تدفعه.

ويؤكد خبراء اقتصاد أن بعثة صندوق النقد الدولي لن تتخذ أي قرار بمنح قسط جديد من قرض التمويل الذي وعد الصندوق بمنحه لتونس دون حصولها على خارطة طريق واضحة للمؤسسات التي ستدخل، إما مرحلة الخصخصة الكلية، أو التي ستقع هيكلتها عبر زيادة في رأس مالها بمساهمات من القطاع الخاص.
وقال وزير المالية الأسبق حسين الديماسي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن صندوق النقد الدولي وجه رسائل واضحة وصريحة للحكومة التونسية ملوحاً بإنهاء التعامل معها إذا لم تأخذ خطوات جادة في تنفيذ إصلاحات مهمة، بما في ذلك إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وخفض كتلة الأجور.

وأضاف الديماسي أن الصندوق تخلى عن التعامل الدبلوماسي وتحول إلى تحذير تونس بشكل مباشر، مشيراً إلى أنه في حال لم تطبق تونس تعليمات الصندوق لن يتم صرف القسط الأخير من القرض المتفق عليه وستكون بلادنا أمام وضع صعب.
وأكد أن مطالب الصندوق عقلانية وأن الدولة يجب أن تتخلى عن القطاعات التنافسية التي يمكن للقطاع الخاص أن يحقق فيها نتائج أفضل.

وفي تصريح صحافي بداية مايو/ أيار الجاري قال رئيس الحكومة يوسف الشاهد إنّ المؤسسات العمومية تراكم خسائر كبيرة بلغت 6500 مليون دينار أي نحو 2.7 مليار دولار.
وأضاف الشاهد، أنّ الدولة تتحمّل أعباء هذه الخسائر على حساب التنمية الداخلية وخلق فرص العمل على حساب عدة قطاعات منها الصحة والتربية.

وأوضح أنّ المؤسسات العمومية تشكو من ضعف في الحوكمة والإدارة، مشدّداً على ضرورة إصلاحها، دون أن يعني ذلك التفويت فيها بالضرورة، مشيراً إلى وجود قطاعات تنافسية لا يمكن أن يكون للدولة تواجد فيها، حسب تصريحه.
وحول تمسك النقابات بالمحافظة على هذا الصنف من الشركات، قال الديماسي إن المركزية النقابية تستمد قوتها ودورها حتى في الساحة السياسية من حضورها الكبير في الشركات المملوكة للدولة، معتبراً أن هذه الشركات تحولت في السنوات الأخيرة إلى ما يشبه الإقطاعيات التابعة للنقابات التي تتدخل بشكل كبير في طريقة تسييرها.

ولفت وزير المالية الأسبق أن إحالة المؤسسات الحكومية للقطاع الخاص يعني إنهاء النفوذ النقابي صلبها وهو ما يرفضه اتحاد الشغل وفق قوله، معتبراً أن الأغراض الشخصية تطغى في هذا الملف على المصلحة الوطنية.
وفي شهر أبريل/ نيسان الماضي أعلن اتحاد الشغل مقاطعته لحوار وطني دعت إليه الحكومة حول إصلاح المؤسسات الحكومية.

وقال الناطق الرسمي باسم اتحاد الشغل وعضو مكتبه التنفيذي سامي الطاهري في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الحكومة تساير طلبات صندوق النقد الدولي وتستعجل الإصلاح دون مراعاة المصلحة العليا للبلاد، مؤكداً أن الاتحاد لا يرفض الإصلاح، بل يطالب برؤية تشاركية تنطلق من واقع الاقتصاد التونسي وحفظ السيادة الوطنية.
وأضاف الطاهري أن لقاء سيجمع قيادة الاتحاد ببعثة الصندوق ستقدم خلالها المنظمة رؤيتها الإصلاحية لهذه المؤسسات التي تتمسك بالمحافظة عليها في أطر تحفظ حقوق العمال ومساهمتها الفاعلة في الاقتصاد التونسي.

وتنتظر تونس في حال الوصول إلى اتفاقات مع بعثة الصندوق حول حصر عجز الميزانية، والتحكم في معدلات الإنفاق وصافي الاحتياطات من العملة وصافي الأصول المحلية، مصادقة هذا الأخير على منح شريحة قرض بقيمة 250 مليون دولار في شهر يونيو/ حزيران القادم.
وبلغت قيمة الأموال التي حصلت عليها تونس من القرض حتى الآن 2192 مليون دينار أي نحو 876 مليون دولار.

وقال الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي، في تصريحات سابقة، إن "الخبراء الثمانية (من الصندوق) سيقومون بمتابعة المسار الإصلاحي الذي تنتهجه الحكومة منذ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي".
وأوضح الراجحي؛ أن تقييم تطبيق الإصلاحات يتم عبر 4 معايير، وتتمثل في التحكم الجيد في مستوى العجز في الميزانية، ومعدلات الإنفاق وصافي الاحتياطات من العملة وصافي الأصول المحلية.
وأضاف الوزير، أنه من بين الإصلاحات الهيكلية التي يبلغ عددها 9 بنود، قانون البنوك العمومية الذي ينتظر مصادقة مجلس نواب الشعب وقانون نسبة الفائدة المشطّة الذي ينتظر المصادقة أيضًا بالإضافة إلى انتظار توقيع أمر تعيين أعضاء هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.
وأكد الراجحي أنه بعد انتهاء الزيارة سيتم عقد اجتماع مجلس إدارة صندوق النقد الدولي في أواخر شهر يونيو/ حزيران لصرف نحو 250 مليون دولار.

وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن في شهر مارس/ آذار الماضي إعادة توزيع أقساط القروض الممنوحة لفائدة الاقتصاد التونسي، وزيادة في عددها من ثلاثة أقساط سنوية إلى أربعة أقساط.
وقال الصندوق إن هذا القرار يهدف بالأساس إلى متابعة أكثر للإصلاحات، وتسريع نسقها، والاستفادة بعدد أكثر من الأقساط السنوية.

وأثارت قرارات صندوق النقد الدولي الجديدة بشأن تغيير مواعيد المراجعات بين الطرفين كل ثلاثة أشهر، عوضاً عن المراجعات السداسية المعمول بها سابقاً، جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية في تونس بسبب مخاوف من زيادة إحكام الصندوق قبضته على تونس والدفع سريعاً نحو قرارات تلاقي رفضاً كبيراً من النقابات والأحزاب اليسارية.
وتحت ضغوط الأزمة المالية تواصل تونس تنفيذ تعهداتها إزاء صندوق النقد الدولي في إطار الاتفاق المبرم بين الجانبين والذي ينص على توسيع قاعدة دافعي الضرائب، إلى جانب خصخصة جزء من المؤسسات الحكومية ذات الطابع الخدمي وإصلاح النظام المصرفي، فضلاً عن خفض كتلة الأجور ولو بتسريح الموظفين.

وتضم قائمة المؤسسات الحكومية المعنية بالهيكلة ثلاثة مصارف، وشركتي الفولاذ والطيران، وتعاضدية التبغ.
ويبلغ عدد الشركات المملوكة للدولة 216 شركة في 21 قطاعاً، أغلبها تعمل في مجال الطاقة والصناعة والصحة والخدمات، وهذا الأمر سبّب لها مشكلة كبيرة أدت إلى عجزها عن توفير الأموال لإدارتها.

ومنذ شهر مارس/آذار الماضي بدأت الحكومة في تنفيذ برنامج التسريح المبكر لموظفي القطاع الحكومي باستهداف نحو 8 آلاف موظف كمرحلة أولى في إطار خطة لتسريح 50 ألف موظف قبل نهاية سنة 2020.


المساهمون