تحذيرات من أزمة مالية جديدة حال تخفيف القيود عن بنوك أميركا

03 ابريل 2018
بنك ليمان براذرز الذي أفلس في الأزمة المالية الأخيرة(Getty)
+ الخط -


حذر توماس هوينغ، نائب رئيس مؤسسة التأمين على الودائع في البنوك الأميركية، المعروفة باسم "فديك"، من التسرع في تخفيض متطلبات رأس المال لدى البنوك، مبديا تخوفه من تأثيرات هذه الخطوة على اقتصاد البلاد.

وقال هوينغ في كلمة له خلال ندوة عقدها معهد بيترسون للاقتصادات الدولية، أحد أكبر المراكز البحثية الاقتصادية في العالم، إن المطالب بتخفيف الضوابط تظهر دائماً بعد حدوث انتعاشات في الأسواق، وتحقيق البنوك مكاسب اقتصادية، إلا أننا "يجب أن نتمسك بالقيود المفروضة" حتى لا تتعرض البنوك لأزمات من جديد.

وأشار إلى بعض الأزمات التي ضربت السوق الأميركية، والعالم، خلال الأربعين سنة الأخيرة، وكيف تسبب انخفاض رأس المال لدى بعض البنوك بإفلاسها.

واحتفت البنوك الأميركية بتعيين جيروم باول رئيساً لبنك الاحتياط الفيدرالي في يناير/كانون الثاني الماضي، كونه معروفاً بميله لتقليل القيود عليها، وفق ما صرح به في أكثر من مناسبة.

وتعاني البنوك الأميركية خاصة الصغيرة منها، من القيود التي فُرضت عليها بعد الأزمة المالية العالمية التي ضربت الأسواق في 2008، وتسببت في أوضاع كارثية للعديد من البنوك والمؤسسات المالية، التي كان يفترض أنها "أكبر من أن تفشل"، فأفلس بعضها، مثل بنك ليمان برذرز، وتدخلت الحكومة لإنقاذ البعض الآخر، مثل ميريل لينش.

وقدم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وبعض مستشاريه، في 2009 سلسلة من المقترحات التنظيمية، استهدفت حماية المستهلك وترشيد أجور المديرين التنفيذيين بالمؤسسات المالية، بالإضافة إلى فرض إجراءات تحوط ومتطلبات رأس مال إضافية، وأيضاً تعزيز سلطة بنك الاحتياط الفيدرالي عليها.

وفي يوليو/ تموز 2010 تم إقرار قانون دود - فرانك لإصلاح "وول ستريت" وحماية المستهلك، وتلته تشريعات أخرى في ذات الاتجاه، واشتمل هذا القانون، على ما أطلق عليه قاعدة فولكر، نسبة إلى الاقتصادي الأميركي ورئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأسبق بول فولكر، لتقييد قدرة البنوك على القيام ببعض أنواع المضاربات باستخدام ودائع العملاء.

واعتبرت هذه المضاربات سبباً رئيسياً في حدوث الأزمة المالية الأخيرة، لكن ترامب وكثيرين من أعضاء حزبه الجمهوري دعوا إلى إلغاء هذا القانون، وجعلوا من "تخفيف القيود" عنواناً رئيسياً في الحملة الانتخابية.

ووفق ترامب فإن التغييرات التي وُضعت بعد الأزمة المالية "ذهبت بعيداً جداً"، واصفاً القانون بأنه "كارثة صعبت على المستهلكين والشركات الحصول على القروض وقيدت النمو الاقتصادي".


لكن هوينغ الذي شغل وظيفة رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي بمدينة كنساس، وكان عضواً في لجنة السوق المفتوحة التابعة لبنك الاحتياط الفيدرالي لمدة عشرين عاماً، قبل التحاقه بمؤسسة التأمين على الودائع، قال في كلمته أمام فعالية معهد بيترسون للاقتصادات الدولية، قبل يومين، إن "قانون فولكر وُجد لحماية المودعين من المضاربات التي تقوم بها البنوك بأموالهم، ولهذا فلابد أن يبقى"، مشيرا إلى إمكانية تخفيفه بعض الشيء.

وذكر أن كل أزمة من الأزمات السابقة، حملت بصماتها الخاصة بها، إلا أنها جميعها اشتركت في نفس العوامل الأساسية التي كانت وراء حدوثها، موضحا أن هذه العوامل كانت عبارة عن حدوث تغيير واضح في السياسة النقدية، ثم حدوث ارتفاع كبير في أصول البنوك الممولة من خلال الاقتراض، فيما يُطلق عليه "الرافعة"، مع تمتع إدارات البنوك بمستويات ثقة غير مبررة.

وأضاف: "بعد كل الأزمات تم وضع قيود مشددة من أجل منع تكرارها، لكن يبدو أن ذاكرتنا ضعيفة، حيث إن القيود، التي وضعت بالأساس للمساعدة في تحقيق النمو وانطلاق الأسواق من جديد، بينما سريعا ما يرى البعض أنها تعوق النمو وينادي بضرورة لإلغائها، وإننا حالياً في نقطة مشابهة تماماً لما حدث من قبل".

وأكد على ضرورة أن يعي الجميع أهمية تخفيف القيود على البنوك، مع عدم إهمال مهمة تأمينها، مشيرا إلى أن استمرار النجاح "يتطلب أن تستمر البنوك في الالتزام بمعايير الرقابة الحصيفة".

وقال إن من أهم هذه المعايير "قاعدة رأسمالية قوية، مع وضع قيود رشيدة على اعتماد البنوك على ما توفره الحكومة من أدوات التأمين". وأضاف أنه بعد الاطمئنان إلى هذين البعدين، "يمكن التخلص من القيود الأخرى التي ترتفع تكلفتها وتقل فائدتها".

وتابع " نعلم جميعاً أنه عندما تنقلب دورة الأعمال، وهي ستنقلب، وعندما تحدث الخسائر، وهي ستحدث، فإن عدم توفر رأس المال الكافي يضاعف من الآثار السلبية"، مضيفا أن تغيير بعض القواعد الموجودة حالياً ينقل كلفة مخاطر العمليات التي تقوم بها البنوك إلى العملاء وإلى دافعي الضرائب.

وكانت جانيت يالين الرئيسة السابقة لبنك الاحتياط الفيدرالي، قد رفضت نهج ترامب في تخفيف القيود على البنوك، مشيرة إلى أن ارتفاع معايير رأس المال ساهم في تحقيق النمو الاقتصادي.

وتبدو المسؤولية جسيمة، فمن ناحية هناك ضغوط لتخفيف القيود والضوابط المفروضة على عمل المؤسسات المالية، كما أن أثار الأزمة المالية الأخيرة ما تزال محفورة في أذهان الجميع من ناحية أخرى، ويخشى البعض تكرارها حال تخفيف القيود. ولن يقتصر تأثير مراجعة وتخفيف القيود على الولايات المتحدة وحدها، وإنما سيمتد ليشمل النظام المصرفي في كافة البلدان، حيث تسترشد البنوك المركزية في العالم كله بقوانين الاحتياط الفيدرالي.


المساهمون