قرّر المصرف المركزي الجزائري التدخل مجدّدًا في السوق المصرفية في البلاد بعد تفاقم الأزمة المالية وما ترتب عليها من نقص في السيولة، إذ دفع نحو مراجعة سقف احتياطي المصارف العمومية والخاصة للمرة الثانية في خلال 15 شهرا، بهدف توفير السيولة المطلوبة للأسواق.
ووفق تعليمات أرسلها المركزي الجزائري للمصارف الناشطة في الجزائر في 13 أغسطس/آب الحالي، فإنه بدءاً من اليوم الثلاثاء، سيتراجع حجم احتياطي المصارف الإلزامي من 8 % من الوعاء الإجمالي لاحتياطي جميع المصارف إلى 4 %، ما يعني أن المصارف ستضخ نصف احتياطها من العملة الصعبة والدينار في السوق المصرفية.
وحسب الوثيقة التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، أرجع المصرف المركزي الجزائري هذه الخطوة إلى "تراجع عائدات النفط والجباية النفطية التي تمثل 60 % من الوعاء الجبائي بسبب انهيار الأسعار، التي أدت بالقطاع المصرفي إلى عيش نوعٍ من "جفاف في السيولة" المصرفية منذ سنة 2015. وتستهدف كل هذه الإجراءات تحرير هوامش إضافية من السيولة بالنسبة للمصارف حتى تموّل الاقتصاد المتعثر، كما يقول البنك المركزي في تعليماته المرسلة إلى جميع المصارف.
وكان المركزي الجزائري قد قرّر في شهر مايو/أيار 2016 خفض الاحتياطي الإلزامي (القانوني) من 12 % إلى 8 % ، كمرحلة أولى في سياق حزمة من الإجراءات الخاصة بمواجهة الأزمة المالية الحادة، التي تمر بها البلاد نتيجة التراجع الحاد في أسعار النفط في السوق العالمية، بعدما رفعها سنة 2013 من 8 % إلى 12 % للحد من "التخمة في السيولة" التي عاشتها المصارف بسبب ارتفاع أسعار النفط، حيث بلغت السيولة 11 مليار دولار سنة 2011 قبل أن ترتفع إلى 17.5 مليار دولار سنة 2014. وانخفضت أسعار النفط عالمياً بنحو 60%، من 115 دولاراً للبرميل في منتصف عام 2014 إلى أقل من 30 دولاراً قبل ان ترتفع خلال الفترة الأخيرة إلى أكثر من 50 دولاراً، ما أثر سلباً على إيرادات البلاد التي انخفضت بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الاخيرة.
وحسب تقارير دولية، تلجأ معظم المصارف المركزية حول العالم إلى رفع نسبة الاحتياطي القانوني على الودائع في حال توفر السيولة، منعا لتوجيهها لاستعمالات غير صحية للاقتصاد.
ويعتبر اختلال مداخيل المصارف من العملة مقارنة بمدفوعاتها، صورة طبق الأصل لوضعية الميزان التجاري الجزائري الذي يسجل عجزا سنويا يتراوح بين 17 و20 مليار دولار في السنوات الخمس الأخيرة، حيث أثر هذا العجز على حجم السيولة المالية في المصارف بعدما زادت عمليات توفير العملة الأجنبية لتمويل واردات البلاد ما أفرغ أرصدة المصارف.
وعاشت الجزائر مطلع سنة 2011 أزمة نقص سيولة من العملة المحلية والأجنبية من دولار ويورو بعد ارتفاع الطلب عليها، قابله ضعف احتياطات البنك المركزي، ما أدى بالمصارف إلى تقييد ما يتم إخراجه من أرصدة العملاء وإلزام الموظفين باستخراج الرواتب على دفعتين.
وأرجع المراقبون آنذاك الأزمة إلى سحب المدخرين أموالهم من المصارف بسبب الخوف من وصول ثورات الربيع العربي التي اندلعت في عدة دول عربية إلى الجزائر، ما دفع بالحكومة إلى طبع الأموال واستحداث ورقة 2000 دينار.
ويقول الخبير في التعاملات المصرفية، سليمان ناصر ياحي، لـ "العربي الجديد"، إن "مشكلة نقص السيولة نتاج عدد من العوامل أولها تراجع عائدات البلاد من العملة الصعبة، وتزامن ذلك مع إطلاق القروض السندية السنة الماضية. لكن هناك أموراً أخرى لا يجب التغافل عنها، من بينها ارتفاع الأجور والتضخم الذي بلغ 8 %".
ويضيف ناصر ياحي أن "هناك شيئاً لا يقل أهمية، وهو ارتفاع مستوى استخدام النقد في الاقتصاد الجزائري بشكل مكثّف ومباشر في التعاملات التجارية، ما شجع الاقتصاد الموازي"، مشيراً إلى أنه من أصل كل 100 دينار جزائري تخرج من أي بنك في البلاد تعود منها 30 ديناراً فقط.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، يرى مراقبون أن هامش المناورة بالنسبة للمركزي الجزائري بات ضيقاً بعد تقليص حجم احتياطي المصارف، حيث يعدّد الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق عبد الرحمان بن خالفة الحلول الممكنة حالياً، قائلا لـ "العربي الجديد" إن "أول الحلول وأسهلها هو التوجه إلى احتياطي الصرف من العملة الأجنبية، وذلك باقتطاع مبلغ وتحويله إلى كتلة نقدية بالدينار وضخّه في المصارف، أما الحل الثاني فيكمن في طبع كتلة نقدية جديدة لكن هذا الخيار سيزيد من التضخم ويقلص القدرة الشرائية للمواطن".
وكانت الأرقام الرسمية المتتابعة لاحتياطي صرف الجزائر تظهر تآكلاً متسارعاً لاحتياطي النقد الأجنبي، التي كان يحوز مصرفها المركزي ثاني أكبر كتلة عملة صعبة في المنطقة بعد السعودية، قبل عامين ونصف العام، حيث تراجع احتياطي النقد الأجنبي بالجزائر من 192 مليار دولار بالنصف الأول من عام 2014 (قبل أزمة النفط) إلى قرابة 143 مليار دولار بنهاية عام 2015، فيما تتوقع الحكومة أن ينتهي العام الجاري باحتياطي نقد أجنبي تحت عتبة 100 مليار دولار، حسب تقارير رسمية.
اقــرأ أيضاً
وحسب الوثيقة التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، أرجع المصرف المركزي الجزائري هذه الخطوة إلى "تراجع عائدات النفط والجباية النفطية التي تمثل 60 % من الوعاء الجبائي بسبب انهيار الأسعار، التي أدت بالقطاع المصرفي إلى عيش نوعٍ من "جفاف في السيولة" المصرفية منذ سنة 2015. وتستهدف كل هذه الإجراءات تحرير هوامش إضافية من السيولة بالنسبة للمصارف حتى تموّل الاقتصاد المتعثر، كما يقول البنك المركزي في تعليماته المرسلة إلى جميع المصارف.
وكان المركزي الجزائري قد قرّر في شهر مايو/أيار 2016 خفض الاحتياطي الإلزامي (القانوني) من 12 % إلى 8 % ، كمرحلة أولى في سياق حزمة من الإجراءات الخاصة بمواجهة الأزمة المالية الحادة، التي تمر بها البلاد نتيجة التراجع الحاد في أسعار النفط في السوق العالمية، بعدما رفعها سنة 2013 من 8 % إلى 12 % للحد من "التخمة في السيولة" التي عاشتها المصارف بسبب ارتفاع أسعار النفط، حيث بلغت السيولة 11 مليار دولار سنة 2011 قبل أن ترتفع إلى 17.5 مليار دولار سنة 2014. وانخفضت أسعار النفط عالمياً بنحو 60%، من 115 دولاراً للبرميل في منتصف عام 2014 إلى أقل من 30 دولاراً قبل ان ترتفع خلال الفترة الأخيرة إلى أكثر من 50 دولاراً، ما أثر سلباً على إيرادات البلاد التي انخفضت بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الاخيرة.
وحسب تقارير دولية، تلجأ معظم المصارف المركزية حول العالم إلى رفع نسبة الاحتياطي القانوني على الودائع في حال توفر السيولة، منعا لتوجيهها لاستعمالات غير صحية للاقتصاد.
ويعتبر اختلال مداخيل المصارف من العملة مقارنة بمدفوعاتها، صورة طبق الأصل لوضعية الميزان التجاري الجزائري الذي يسجل عجزا سنويا يتراوح بين 17 و20 مليار دولار في السنوات الخمس الأخيرة، حيث أثر هذا العجز على حجم السيولة المالية في المصارف بعدما زادت عمليات توفير العملة الأجنبية لتمويل واردات البلاد ما أفرغ أرصدة المصارف.
وعاشت الجزائر مطلع سنة 2011 أزمة نقص سيولة من العملة المحلية والأجنبية من دولار ويورو بعد ارتفاع الطلب عليها، قابله ضعف احتياطات البنك المركزي، ما أدى بالمصارف إلى تقييد ما يتم إخراجه من أرصدة العملاء وإلزام الموظفين باستخراج الرواتب على دفعتين.
وأرجع المراقبون آنذاك الأزمة إلى سحب المدخرين أموالهم من المصارف بسبب الخوف من وصول ثورات الربيع العربي التي اندلعت في عدة دول عربية إلى الجزائر، ما دفع بالحكومة إلى طبع الأموال واستحداث ورقة 2000 دينار.
ويقول الخبير في التعاملات المصرفية، سليمان ناصر ياحي، لـ "العربي الجديد"، إن "مشكلة نقص السيولة نتاج عدد من العوامل أولها تراجع عائدات البلاد من العملة الصعبة، وتزامن ذلك مع إطلاق القروض السندية السنة الماضية. لكن هناك أموراً أخرى لا يجب التغافل عنها، من بينها ارتفاع الأجور والتضخم الذي بلغ 8 %".
ويضيف ناصر ياحي أن "هناك شيئاً لا يقل أهمية، وهو ارتفاع مستوى استخدام النقد في الاقتصاد الجزائري بشكل مكثّف ومباشر في التعاملات التجارية، ما شجع الاقتصاد الموازي"، مشيراً إلى أنه من أصل كل 100 دينار جزائري تخرج من أي بنك في البلاد تعود منها 30 ديناراً فقط.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، يرى مراقبون أن هامش المناورة بالنسبة للمركزي الجزائري بات ضيقاً بعد تقليص حجم احتياطي المصارف، حيث يعدّد الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق عبد الرحمان بن خالفة الحلول الممكنة حالياً، قائلا لـ "العربي الجديد" إن "أول الحلول وأسهلها هو التوجه إلى احتياطي الصرف من العملة الأجنبية، وذلك باقتطاع مبلغ وتحويله إلى كتلة نقدية بالدينار وضخّه في المصارف، أما الحل الثاني فيكمن في طبع كتلة نقدية جديدة لكن هذا الخيار سيزيد من التضخم ويقلص القدرة الشرائية للمواطن".
وكانت الأرقام الرسمية المتتابعة لاحتياطي صرف الجزائر تظهر تآكلاً متسارعاً لاحتياطي النقد الأجنبي، التي كان يحوز مصرفها المركزي ثاني أكبر كتلة عملة صعبة في المنطقة بعد السعودية، قبل عامين ونصف العام، حيث تراجع احتياطي النقد الأجنبي بالجزائر من 192 مليار دولار بالنصف الأول من عام 2014 (قبل أزمة النفط) إلى قرابة 143 مليار دولار بنهاية عام 2015، فيما تتوقع الحكومة أن ينتهي العام الجاري باحتياطي نقد أجنبي تحت عتبة 100 مليار دولار، حسب تقارير رسمية.