اتساع الهيمنة الفرنسية: "توتال" تزحف نحو نفط الجزائر

17 مايو 2019
مخاوف من استحواذات فرنسية على قطاع الطاقة (فرانس برس)
+ الخط -

خلط استحواذ العملاق النفطي الفرنسي "توتال" على أصول "أناداركو" الأميركية في القارة السمراء، حسابات الجزائر التي ستكون في مواجهة توسع فرنسي آخر بالبلاد، وسط تصاعد مطالبات الشعب في خضم حراكه المتواصل، بإنهاء الهيمنة الفرنسية على الاقتصاد الجزائري.

الاتفاق الموقع بين شركة "أوكسيدينتال" المالك الجديد لـ "أناداركو" مع الشركة الفرنسية "توتال" لبيع أصول "أناداركو" في أفريقيا، بما في ذلك الجزائر مقابل 8.8 مليارات دولار للعملاق الفرنسي، من المرتقب أن يسمح له بالدخول في معادلة إنتاج النفط الجزائري الذي تتقاسمه "سوناطراك" الجزائرية مع "أناداركو" الأميركية و"ستات أويل" النرويجية و"إيني الإيطالية".

وتضع هذه التطورات الحكومة الجزائرية والمجمع النفطي "سوناطراك" في حرج كبير، بين الخضوع للأحكام التجارية العالمية وزيادة الهيمنة الفرنسية على الاقتصاد، وبين إرضاء الشعب الجزائري باستعمال حق "الشفعة" الذي ينص عليه قانون الاستثمار الجزائري ويمكن عن طريقه وقف الصفقة.

وبحسب المدير العام السابق لمجمع سوناطراك، عبد المجيد عطار، لـ"العربي الجديد" فإن "حصة أناداركو في الجزائر تقدر بنحو 260 ألف برميل يومياً وهو ما يعادل ربع إنتاج الجزائر من النفط المقدر بأكثر من مليون برميل يوميا.

ووفق نفس المتحدث، فإن الشركة الفرنسية حتى الآن لا تنشط في إنتاج النفط في الجزائر، وظلت تفضل النشاط في مجال إنتاج الغاز وتكرير الزيوت والوقود بالإضافة إلى فوزها بأول عقود التنقيب واستكشاف الغاز الصخري في الصحراء الجزائرية، ما يعني أن "توتال" ستتحول إلى رقم صعب في المعادلة النفطية الجزائرية."

وعادت "توتال" بقوة في عهد الرئيس السابق لـ "سوناطراك" عبد المؤمن ولد قدور، المُقال قبل أسابيع بسبب شبهات فساد طاولته حيث تم التوقيع على مشاريع مهمة منها استثمار بـ 1.5 مليار دولار لإنشاء مصنع لتكرير الزيوت والوقود وعقد استكشاف في البحر، بالإضافة إلى التوقيع على عقود استكشاف وإنتاج للغاز.

وتحظى الاستثمارات الفرنسية بامتيازات لا تتلقاها أي دولة أخرى، خاصة في عهد الرئيس المُستقيل عبد العزيز بوتفليقة، إذ سمح بدخول شركات فرنسية عملاقة للسوق من دون شراكة مع رؤوس أموال جزائرية، عكس ما ينصّ عليه قانون الاستثمار الجزائري، الذي يلزم الأجانب بإشراك طرف محلي بحصة 51 في المائة في أي مشروع يقام في البلاد.

وحصلت شركة توتال سنة 2016 على صفقة لإنشاء مصنع ضخم شمال غربي الجزائر، مختص بتكرير النفط، وإنتاج الزيوت بغلاف مالي قارب المليار دولار، وهذا المشروع ظل الطرف الجزائري فيه مجهولاً، رغم إصرار الحكومة الجزائرية على أن "سوناطراك" هي التي ستحوز 51 في المائة من المشروع، إلا أن هذا المشروع لم يدخل في ميزانية استثماراتها المبرمجة بين عامي 2017 و2022.

وكانت الأصوات في الحراك الجزائري قد ارتفعت، مطالبة بتحرير الاقتصاد من الهيمنة الفرنسية، ما يضع الحكومة الجزائرية حسب مراقبين أمام خيار واحد في هذا الشأن وهو لعب ورقة "حق الشفعة" الذي يُلزم الأجانب بعرض حصصهم في الاستثمارات المنشأة في الجزائر على الحكومة الجزائرية إجباريا، وإن رفضت شراءها، يُسمح للمستثمر الأجنبي بأن يعرض حصصه وأصوله على مستثمرين أجانب.

وإلى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "امتحانا صعبا ينتظر المدير الجديد لسوناطراك رشيد حشيشي، وهو ممارسة حق الشفعة لتعطيل استحواذ الفرنسيين على جزء كبير من النفط الجزائري وذلك دون تفاوض مع الجزائريين، أو إجازة الصفقة".

ويتابع الخبير الجزائري بالقول: "نظريا ربع الإنتاج كان عند الأميركيين واليوم سيصبح عند الفرنسيين، وهنا لا شيء يختلف عند عامة الناس، لكن الإشكال في التفاصيل، فتوتال لم تقدم في الماضي عقودا مغرية في مجال إنتاج النفط، واليوم ستستحوذ على ربع نفط البلاد، وقد تضغط به مستقبلا حين تصل عقود الغاز مع فرنسا إلى نهايتها". وأضاف: "أتوقع أن تتجه توتال للتحكيم الدولي لو استعملت الجزائر حق الشفعة لتجميد الصفقة".

وشرعت الجزائر مطلع شهر يناير/ كانون الثاني الماضي في خفض إنتاجها النفطي بحجم يتراوح بين 24 ألفا و25 ألف برميل يوميا في إطار اتفاق خفض الإنتاج بين منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وشركائها من المنتجين المستقلين خارج المنظمة في نهاية عام 2018.

وقال الرئيس التنفيذي الجديد لشركة سوناطراك الجزائرية رشيد حشيشي، إن شركة الطاقة المملوكة للدولة ستركز على زيادة حجم الإنتاج والصادرات للمساعدة في تنمية اقتصاد البلد العضو في أوبك المعتمد على النفط والغاز.

وتواجه الجزائر، أحد أكبر موردي الغاز لأوروبا، صعوبة في زيادة الإنتاج وسط تنامي الاستهلاك المحلي ونقص الاستثمار الأجنبي بسبب شروط تعاقدية غير جذابة. ويمثل النفط والغاز 94 بالمائة من إجمالي صادرات الجزائر، و60 بالمائة من ميزانية الدولة.

المساهمون