خلافات مصر والسعودية وقرض الصندوق

12 أكتوبر 2016
السعودية واصلت تقديم مساعداتها النقدية والعينية للنظام في مصر
+ الخط -

وكأن كرة ثلج باتت تتدحرج بسرعة في ملف الخلافات بين مصر والسعودية، خلافات لم تبدأ، كما يردد البعض، بانتقاد مندوب السعودية لدى مجلس الأمن لمندوب مصر لتصويته لمصلحة القرار الروسي الخاص بالوضع المأساوي في سورية.

ولم تبدأ أيضاً بقرار المملكة وقف إرسال شحنات المواد البترولية إلى مصر عن شهر أكتوبر الجاري والبالغة 700 ألف طن، لكنها بدأت منذ شهور طويلة حول ملفين رئيسيين، هما اليمن وسورية، ومن هذين الملفين تفرعت ملفات وخلافات أخرى منها العلاقات مع إيران وحزب الله وخليفة حفتر وغيرها.

ورغم وجود خلافات عميقة بين الطرفين متعلقة بالحرب في اليمن وسورية، إلا أن السلطات السعودية واصلت تقديم مساعداتها النقدية والعينية للسلطة الحاكمة في مصر، بحجة أنها مقدمة للشعب المصري وليس للنظام، وأن المملكة حريصة على استقرار الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في مصر، أكبر دولة في المنطقة.

ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها السعودية والناجمة عن تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية وفقدانها نحو 60% من قيمتها منذ منتصف عام 2014، إلا أن حجم ما قدمته المملكة إلى مصر فاق 25 مليار دولار، منذ 3 يوليو 2013، إضافة لقرض بقيمة 23 مليار دولار تعهدت به المملكة في شهر أبريل الماضي وتم تخصيصه لتمويل استيراد مصر المنتجات البترولية من بنزين وسولار وغاز وغيرها.

كل ذلك معروف، لكن السؤال الآن ليس عن الماضي، بل عن القادم في ظل الخلافات الحالية، وكيف يمكن أن تؤثر هذه الخلافات سلباً على ملفات كثيرة منها، مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي، ومحاولات القاهرة اقتراض 9 مليارات دولار من مؤسسات أخرى منها البنك الدولي والبنك الافريقي للتنمية، واستقرار سوق الوقود في مصر خاصة وأن المملكة كانت توفر لمصر نصف احتياجاتها من المشتقات البترولية حتي نهاية الشهر الماضي.

لا أحد ينكر أن السعودية لعبت الدور الأكبر في إقناع صندوق النقد الدولي بإقراض مصر 12 مليار دولار في هذا التوقيت الحرج، وأن المملكة استغلت ثقلها لدى الدول الكبرى وعضويتها بمجموعة العشرين لإقناع الدول الأعضاء في الصندوق بتمرير الموافقة المبدئية على الطلب المصري.

ولا أحد ينكر أن السعودية والإمارات والولايات المتحدة كانت من أكثر الأطراف الداعمة لمصر في مفاوضاتها مع الصندوق، وبالتالي فعندما تتوقف السعودية عن الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه مصر، فإن هذا قد يؤثر سلبا وبشدة على المفاوضات الجارية مع الصندوق والمؤسسات المالية الأخري.

اليوم الخميس أعلن رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، أن مصر تسلمت من السعودية وديعة (قرض مساند) بقيمة ملياري دولار في شهر سبتمبر الماضي، لكن ماذا عن الوضع في أكتوبر والشهور المقبلة.

وقبل أسابيع كشفت وزيرة التعاون الدولي المصرية، سحر نصر، عن مفاوضات بين مصر والسعودية لاقتراض 3 مليارات دولار من المملكة.

وهذا المبلغ كان مطلوباً بشدة في إطار خطة الحكومة لاقتراض 6 مليارات دولار من دول إقليمية بهدف زيادة إحتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى 24 مليار دولار، وهو أحد شروط صندوق النقد للافراج عن الشريحة الأولى من قرضه البالغة 2.5 مليار دولار.

وفي ظل تصاعد وتيرة الخلافات بين مصر والسعودية، فإنه لا يتوقع وصول مساعدات سعودية نقدية جديدة في المستقبل القريب يتم من خلالها زيادة الاحتياطي الأجنبي، أما عن المساعدات البترولية فإنني أتوقع مواصلة المملكة ضخها لوجود اتفاق تجاري يحكم مثل هذه الأمور.

الأمر الثاني، أنه كان هناك تنسيق مسبق بين مصر والسعودية بشأن مواعيد طرح سندات في الأسواق الدولية، وألا تكون مواعيد الطرح متزامنة لعدم التزاحم، ولذا كان الاتفاق أن تقوم المملكة بتأجيل طرح سنداتها لما بعد طرح السندات المصرية البالغ قيمتها بين 3 و5 مليارات دولار.

لكن ما حدث أمس يقول عكس ذلك، فقد فوجئنا بإطلاق الحكومة السعودية حملة لتسويق أول سندات تطرحها في الأسواق الدولية، بهدف اقتراض 10 مليارات دولار، بل إن مسؤولين سعوديين عقدوا لقاءات أمس مع مستثمرين دوليين في لندن للترويج للسندات، تليها اجتماعات مع مستثمرين أخرين لمدة 3 أيام في الولايات المتحدة.

هذا قد يدفع مصر لتأجيل طرح سنداتها في الأسواق الدولية لأسباب عدة منها عدم الدخول في منافسة غير متكافئة مع السندات السعودية التي تتسم بالقوة، خاصة وأن وكالات التصنيف الدولية تمنح هذه السندات تقييم مرتفع A1، وهي مضمونة باحتياطي أجنبي ضخم لدي السعودية يبلغ نحو 560 مليار دولار، كما أن الاقبال على السندات المصرية قد يكون ضعيفا في ظل الأزمة المالية التي تمر بها الموازنة المصرية.

وفي حال تأجيل مصر طرح سنداتها، فإن فرص حصولها على القروض الخارجية تبدو ضعيفة، خاصة وأن الحكومة تراهن على حصيلة السندات في زيادة الاحتياطي الأجنبي إلى 24 مليار دولار، وهذا كله قد يؤثر على الوفاء بشروط الصندوق.

في المجمل، فإن التوقعات تشير إلى أن الخلاف المصري السعودي، في حال تصاعده، سيؤثر بشدة على فرص مصر في الحصول على القروض الدولية ومنها قرض صندوق النقد الدولي، لكن إذا عادت الأمور لمجاريها فإن هذه التخوفات تتلاشى .


المساهمون