بينما يجري السباق على بناء "النظام العالمي" الجديد لما بعد جائحة كورونا بين واشنطن وبكين بأسرع وتيرة، ويتزايد التوتر بين العملاقين على عدة جبهات، يحذر تقرير أميركي من مخاطر استخدام الصين للمباني وشبكات الاتصالات الهاتفية التي أهدتها للحكومات الأفريقية في التجسس الاقتصادي وتهديد مستقبل المصالح التجارية والاقتصادية للشركات الأميركية والأوروبية في القارة السمراء.
وقال تقرير أميركي أصدرته مؤسسة "هيرتدج فاونديشن" الأميركية يوم 20 مايو الجاري، إن الحكومة الصينية تنشط في التجسس الاقتصادي في أفريقيا عبر البنايات الحكومية وشبكات الاتصالات الهاتفية وأجهزة الكمبيوتر التي نفذتها وأهدتها للحكومات بالدول الأفريقية خلال العقود الأخيرة.
وحسب التقرير الذي كتبه كبير محللي السياسة في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط بمؤسسة "هيرتدج فاونديشن" الأميركية، جوشوا ميسيرفي، فإن الحكومة الصينية تستخدم هذه البنايات وشبكات الاتصالات في جمع معلومات داخلية حساسة وتستغلها في الحصول على ميزات تجارية واقتصادية للهيمنة على الموارد المعدنية والنفطية في أفريقيا، وبالتالي تمكن شركاتها من التفوق على الشركات الأميركية والأوروبية في الحصول على العقود التجارية.
ولاحظ خبراء غربيون، أن بكين باتت تحصل على دعم الدول الأفريقية في العديد من القضايا التي تطرح في الأمم المتحدة، كما تتيح لها عمليات التجسس الاقتصادي بناء الخطط التي تحرم الشركات الغربية من الوصول إلى السوق الأفريقية في العديد من دول القارة السمراء.
وتتراجع المكانة الاستثمارية لكل من بريطانيا وفرنسا في أفريقيا، بينما تتقدم الشركات الصينية وشركات روسيا المتحالفة مع بكين في الأسواق الأفريقية، من حيث عدد وحجم العقود الحكومية الرئيسية ومبيعات الأسلحة والتدريب.
وشيدت الشركات الصينية خلال العقود الأخيرة حوالى 186 بناية حكومية في أفريقيا، كما أنشأت 14 شبكة اتصالات هاتفية بالدول الأفريقية، استخدم معظمها كمقار للحكومات الأفريقية ومؤسساتها المهمة. كما أهدت الحكومة الصينية كذلك أجهزة كمبيوتر وبرامج إلى 36 دولة أفريقية.
ويعتقد التقرير، أن الصين ترصد عبر هذه البنايات وشبكات الاتصالات الهاتفية "المؤمنة مخابراتيا" الاجتماعات التي يجريها قادة الأعمال التجارية والمسؤولون الأفارقة مع المسؤولين الأميركيين والشركات الغربية.
كما أشار التقرير، إلى أن الحكومة الصينية ربما تستخدم هذه البنى التحتية التي تنفذها بأفريقيا في جمع معلومات داخلية حساسة حول برامج "مكافحة الإرهاب" والتدريبات العسكرية المشتركة التي يجريها الجيش الأميركي في أفريقيا.
كما أن بكين تمكنت خلال العقد الأخير من تجنيد مسؤولين كبار داخل الحكومات الأفريقية لخدمة مصالحها وتأمين تمددها التجاري والاقتصادي في أفريقيا.
وتسعى القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى انتزاع القارة الأفريقية من الهيمنة الصينية، إذ باتت بكين تتملك العديد من مناجم المعادن وشركات استخراج النفط وتملك الأراضي الزراعية في كينيا وغرب أفريقيا.
وبالتالي، فإن هيمنة الصين على الموارد الأفريقية والتأثير النافذ على القرار السياسي لبلدان القارة، يمنحان الصين فرصة التفوق على الغرب حينما تعود الاقتصادات للنمو بعد جائحة كوفيد19.
وتقول تقارير غربية، إن عشرات أجهزة المخابرات المتخصصة في التجسس الصناعي والاقتصادي تنشط في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة تستهدف لمكافحة التمدد الصيني.
وعلى الرغم من الفقر، فإن دول القارة الأفريقية تمكنت من النمو الاقتصادي السريع في السنوات الأخيرة، كما أن حجم سوقها التجاري يتزايد بسرعة وسط تنامي الطبقة الوسطى وزيادة المداخيل والقوى الشرائية.
ودعا التقرير الإدارة الأميركية، إلى مكافحة خطط التجسس الصيني في أفريقيا ووصفها بأنها تتم ضمن استراتيجية الحزب الشيوعي الصيني في إعادة بناء "النظام العالمي"، بما يضمن التمدد الصيني في العالم وهيمنة الشركات الصينية على الأسواق والتقنية والموارد الرئيسية في الصناعة.
ورأى التقرير، أن عمليات التجسس الاقتصادي الصيني تهدد الولايات المتحدة على 4 جبهات، هي:
أولاً: هزيمة الشركات الأميركية التي تنافس الشركات الصينية على عقود تجارية مهمة في القارة الأفريقية، التي من المقدر لها أن تصبح لاعباً رئيسياً في مسرح النمو الاقتصادي العالمي خلال العقود المقبلة.
ثانياً: يهدد تزايد النفوذ الاقتصادي السياسي الصيني في أفريقيا، مكانة الولايات المتحدة ونفوذها العالمي ويمنح الصين كتلة تصويتية في المؤسسات الدولية.
ثالثاً: قيام بكين بتجنيد عملاء بالدوائر الحكومية الأفريقية العليا، يهدد مصالح الشركات الأميركية ونفوذ واشنطن السياسي والاقتصادي في أفريقيا.
رابعاً، فإن حصول بكين على معلومات دبلوماسية وعسكرية استراتيجية يهدد خطط الولايات المتحدة في أفريقيا.
وتسعى الولايات المتحدة عبر التحالف مع بريطانيا وفرنسا واليابان، للحد من النفوذ السياسي والاقتصادي والتمدد التقني والتجاري الصيني الذي بات يهدد الاقتصادات الغربية ويفلس شركاتها ويرفع من نسبة البطالة بسبب استيلاء الشركات الصينية على حلقات الإمداد الصناعي.