يعيش العمال اليمنيون المغتربون في السعودية أوضاعاً مأساوية صعبة نتيجة قرار السلطات هناك بالعزل الصحي وفرض حالة الطوارئ ومنع التجول في إطار الإجراءات التي تتخذها لمكافحة فيروس كورونا، الأمر الذي ألحق أضراراً بالغة بهم.
وتنفذ السلطات السعودية التي تستقبل نحو 1.8 مليون عامل يمني، بحسب إحصائيات غير رسمية، إضافة إلى مئات المسؤولين في الحكومة اليمنية الشرعية، قراراً بمنع حظر التجول منذ نحو شهرين في أغلب المدن والمناطق في المملكة التي يعمل فيها يمنيون بأعمال حرة بالأجر اليومي، وخففت إجراءات الحظر في بعض المناطق خلال الفترة الأخيرة.
وقالت مصادر يمنية مطلعة لـ"العربي الجديد" إن التقشف السعودي قد يطاول التزاماتها المالية تجاه مسؤولي الحكومة الشرعية لليمن، التي يوجد معظم وزرائها ومسؤوليها في العاصمة الرياض على نفقة الحكومة السعودية.
وأفادت المصادر، التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها، بأن السلطات المعنية في المملكة أبلغت المسؤولين اليمنيين عزمها خفض الإنفاق على تسكينهم وتكاليف معيشتهم هناك، إضافة إلى عدم قدرتها على تجديد الوديعة المالية التي نفذت من البنك المركزي اليمني المقدرة بنحو ملياري دولار.
وتوقع تقرير حكومي حديث اطلعت عليه "العربي الجديد" تهاوي تحويلات المغتربين اليمنيين في الخارج بنحو 70% بسبب تفشي فيروس كورونا، إذ تشكل تحويلات المغتربين اليمنيين نسبة مهمة من موارد اليمن من النقد الأجنبي، وذلك نتيجة للركود الاقتصادي الذي أصيب به كثير من دول الاغتراب، وخاصة المملكة العربية السعودية.
وتقدر بيانات رسمية تحويلات المغتربين اليمنيين في الخارج بنحو 5.172 مليارات دولار سنوياً، وهو ما سيؤدي إلى حرمان اليمن، الذي يواجه تبعات كارثية نتيجة توسع أزمة كورونا، من أهم مورد من موارد العملات الصعبة، إضافة إلى تدهور أوضاع العديد من الأسر التي تعيش على التحويلات من الخارج، ما سيزيد من عدد السكان المحتاجين إلى المساعدات.
ووجد عمال اليمن المغتربون في السعودية أنفسهم فجأة ممنوعين من الخروج للعمل وبدون أي وسائل مساعدة كافية للبقاء على قيد الحياة من مدخرات مالية وغذاء ودواء، في ظل عدم قدرتهم على العودة إلى بلادهم التي تقود فيها السعودية تحالفاً مع الإمارات يخوض حرباً طاحنة في اليمن منذ 2015.
واكتفت السلطات السعودية بتقديم تعويضات للموظفين الحكوميين ودعم القطاع الخاص السعودي والمنشآت الخاصة المتأثرة من تداعيات مكافحة فيروس كورونا المستجد، وفق ستة شروط تم وضعها لتنفيذ القرار وتحديد التعويض لمدة ثلاثة أشهر.
وتمثل أهم الشروط الموضوعة صرف التعويض للعاملين السعوديين بنسبة 70% للمنشأة التي يزيد عدد العمال السعوديين فيها على 50%، وهو ما يراه الباحث الاقتصادي اليمني، مراد منصور، تعسفاً بحق شريحة واسعة من العمالة الوافدة التي تكد بشكل يومي في السوق وبأجور زهيدة.
ويقول منصور لـ"العربي الجديد" إن السعودية ملزمة ليس فقط بالعمال اليمنيين المغتربين لديها تقديراً لوضعية بلدهم التي تخوض فيها حرباً واسعة منذ ما يزيد على خمس سنوات، بل أيضاً بالأيادي العاملة والموظفين في اليمن المتضررين من الصراع الدائر وإجراءات مكافحة فيروس كورونا، في ظل سلطات متعددة قوضت المؤسسات الحكومية الرسمية بدعم ومساعدة التحالف.
ونظراً لأهمية تحويلات المغتربين التي تعد أهم مورد اقتصادي لليمن في ظل الحرب، فإن التأثير لن يقتصر على أسر المغتربين فحسب بل سيطاول بقية المؤشرات والموازين الاقتصادية الكلية، بحسب أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء، ياسين القاضي، بما في ذلك ارتفاع عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات، وتسريع نزيف الاحتياطيات الخارجية لدى البنك المركزي.
كذلك ستزيد الضغوط على قيمة العملة الوطنية ويتصاعد التضخم وفق تأكيدات القاضي لـ"العربي الجديد"، الذي يوضح أن التقشف السعودي قد يطاول الإنفاق العسكري في اليمن، إذ يعتمد عدد كبير من الأفراد العسكرين في الحكومة اليمنية على الدعم السعودي.
وأكد عمال مغتربون في مدن سعودية عدة لـ"العربي الجديد" معاناتهم من وضع معيشي ونفسي مزرٍ لبقائهم في أماكن سكنهم بدون عمل، في أهم فترات الموسم التي تمثل لهم فرصة للعمل (من شعبان إلى عيد الأضحى)، بينما يظل متأرجحاً طوال فترات العام ما بين متوسط ومنخفض للغاية.
وقال العامل عامر. س، عبر الهاتف لـ"العربي الجديد" إن تفويت الموسم الرمضاني يعتبر ضربة موجعة لهم كعمال بالأجر اليومي، ومرور هذه الفترة بدون عمل أو أي تعويضات ستكون تداعياته وخيمة علينا، إذ إننا مثقلون بالديون والجبايات للسلطات الرسمية في المملكة.
من جانبه أفاد العامل (أ.ع) بأن هناك كثيراً من العمال اليمنيين يتضورون جوعاً في المنازل ومواقع ومقرات أعمالهم والمحال التجارية التي يعملون فيها، بسبب قرارات الحظر الصحي الذي تنفذه السلطات السعودية وعدم قدرتهم على الخروج للعمل أو لتلبية احتياجاتهم المعيشية.
ووجهت السلطات السعودية بالتوازي مع الإجراءات التي تنفذها لمكافحة كورونا دعوة للوافدين الراغبين في العودة إلى بلدانهم ولم يستطيعوا لأسباب مالية أو نتيجة الإغلاق الحاصل في المنافذ الجوية والبرية التسجيل لدى السلطات المعنية في البلاد والتي ستتكفل بإعادتهم وتسفيرهم إلى بلدانهم.