كورونا يعيد الاحتجاجات المعيشية إلى شوارع تونس

06 ابريل 2020
العمال بأجر يومي الأكثر معاناة (Getty)
+ الخط -
ينذر تواصل الحجر الصحي الشامل بأزمة اجتماعية في تونس، بدأت بوادرها تظهر بخروج محتجين إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم من تباطؤ صرف المساعدات، التي وعدت بها الدولة لصالح أكثر من 650 ألف أسرة مدرجة على قوائم الفقر لدى وزارة الشؤون الاجتماعية.

ورغم تشدد السلطة في تطبيق الحجر الصحي وفرض عقوبات على المخالفين، إلا أن العديد من أحياء العاصمة ومحافظات داخلية تمردت على قرارات منع التجمعات وخرج مواطنون للشوارع للتجمهر والاحتجاج، مطالبين بمساعدتهم على توفير أبسط ضروريات المعيشة أو السماح لهم بالعودة إلى العمل.

وحذّر مهتمون بالشأن الاقتصادي ومنظمات مدنية من انفجار اجتماعي، مطالبين بتوجيه أكبر قدر ممكن من الدعم المالي والمساعدات العينية لفائدة من أجبرهم الوضع الصحي على التوقف على العمل، وأكدوا أن صبر هذه الفئات لن يطول كثيراً.

ويعدّ عمال المياومة (بأجر يومي) في المشروعات الصغيرة والمطاعم والتجارة والمقاهي الأكثر تضررا من توقف الأعمال، ما يجعلهم الأقرب إلى كسر قوانين الحجر الصحي وفق محللين، لعدم قدرتهم على مجابهة المصاريف اليومية الأساسية ونفقات الإيجار والمعيشة.

يروي مكرم المهداوي، وهو شاب (23 عاما) يعمل في أحد صالونات الحلاقة ظروفه منذ قرار صاحب المحل تعليق الشغل إلى أجل غير مسمى، قائلا إنه كان يتقاضى أجراً أسبوعيا 200 دينار (59.9 دولارا) ويوفر ما لا يقل عن 50 ديناراً إضافية من إكراميات الزبائن، ما يجعل حصيلته الشهرية تصل إلى ألف وهو ما يسمح له بدفع إيجار مسكنه ومساعدة عائلته المكونة من أربعة أشخاص.

ويضيف المهداوي: "منذ الأسبوع الأول من بداية الحجر الصحي أنفقت كل ما ادخرته في الفترة السابقة لتوفير مواد غذائية لعائلتي ودفع إيجار الشقة، بينما فقدت مصدر الدخل منذ ما يقارب 10 أيام"، مشيرا إلى أنه أصبح يتجنّب زيارة والديه وأخوته لأنه عاجز على مساعدتهم، بعدما فقد والده الذي يعمل بدوره نادلا في مقهى مصدر دخله الوحيد أيضا.

يتابع: "نعيش وضعا صعباً ولسنا مدرجين ضمن قوائم العائلات الفقيرة، لأنه كان لنا دخل يسمح لنا بإعالة أنفسنا، بينما اليوم لا دخل ولا إعانات ولا نعرف إلى متى سيستمر هذا الوضع".

وعلى الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار وضع من توقفوا عن العمل، وأن تخفف إجراءات الحجر على بعض الفئات، حتى تتمكن من كسب قوتها، وفق المهداوي، مشيرا إلى أن المخاوف تتصاعد من ركود اقتصادي كبير يهدد الجميع.

ولا تكشف البيانات الرسمية عدد عمال المياومة في تونس، غير أن منظمات مستقلة تقدرهم بنحو 800 ألف شخص، في حين تظهر إحصاءات المعهد الوطني للإحصاء أن عدد الفقراء يصل إلى 1.7 مليون نسمة بما يعادل 15 في المائة من مجموع السكان البالغ حوالي 11.5 مليون نسمة.

يقول معز الجودي، الخبير الاقتصادي، إن أزمة كورونا وإجراءات الحجر الصحي، كشفت واقعا صعباً لظروف جزء كبير من التونسيين يعيشون على دخلهم اليومي أو المهن الموسمية، مشيرا إلى أن هذه الفئة لن يكون بمقدورها التحمل لفترة أطول.

وأضاف الجودي لـ"العربي الجديد" أن الجائحة الحالية، أزاحت الستار عن نموذج عيش التونسيين، الذي يعتمد بشكل كبير على الاقتراض بمختلف أشكاله وضعف منظومة الادخار الأسري الذي لا يتجاوز 9 في المائة، مشيرا إلى أن الغالبية تعتمد على القروض المصرفية أو دفتر البقالة (شراء السلع بالآجل)، وأنه لا يمكن منع هذه الشريحة بين عشية وضحاها من العمل ومطالبتها بالبقاء لأسابيع أو أشهر دون تزويدها بما يعينها على العيش.

وتابع :" عاجلاً أم آجلاً سوف يتمردون على الحجر بغض النظر عن مخاطر ذلك، كما أن الشركات الصغيرة والمتوسطة التي ليس لديها تدفقات مالية كبرى وعليها التزامات ستضطر هي الأخرى إلى كسر الحجر تفاديا للإفلاس، واصفا الوضع الاجتماعي بالمقلق، وكان على الحكومة اتخاذ تدابير استباقية لهذا الوضع.

والثلاثاء الماضي، أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية، عن بدء صرف مساعدات مالية لفائدة العائلات الفقيرة بقيمة 200 دينار، وهو ما يعتبره محللون مبلغاً زهيدا في ظل مواجهة موجة من ارتفاع الأسعار وتوقف الأعمال.

وقررت الحكومة التونسية تخصيص 2.5 مليار دينار (850 مليون دولار) لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لأزمة كورونا، الذي أصاب الاقتصاد العالمي بالشلل، وزحفت عدواه إلى تونس في الآونة الأخيرة.

المساهمون