تتعرض السوق العقارية، التي ظلت على مدار سنوات طويلة ماضية، رافعة النمو في الاقتصاد المصري، والمشغل الأكبر للعاملين في البلاد، لتصدع حاد، بعد أن اعتبر مختصون في السوق أن فيروس كورونا الجديد جاء بمثابة مكعب ثقيل على بناء ضعيف، فدفعه إلى الانهيار.
وبدت تصريحات كبار المطورين العقاريين أمام كاميرات الفضائيات وصفحات الجرائد المحلية متفائلة بشأن تداعيات الجائحة، إلا أن ما وراء الكواليس يحمل نبرة مغايرة، فالهلع من انهيار السوق يسيطر على الكثير من الكيانات التي عملت إنشاء وحدات سكنية وتجارية وإدارية فارهة أو حتى متوسطة ومنخفضة التكلفة.
ولأول مرة في تاريخ السوق منذ سنوات طويلة، ولم تحدث حتى في خضم الأزمة المالية العالمية قبل نحو 12 عاماً، شهدت السوق انخفاضاً في أسعار العقارات بنسبة ملحوظة في العديد من المدن العمرانية الجديدة على أطراف العاصمة، ولا سيما القاهرة الجديدة (شرق)، وهي واحدة من أكثر التجمعات السكنية رقياً في البلاد.
وأظهرت بيانات متخصصة صادرة عن مؤشر "عقار ماب" اطلعت عليها "العربي الجديد" تراجع أسعار الشقق السكنية خلال آخر 12 شهراً في القاهرة الجديدة بأكثر من 7 في المائة، وفي مدينة السادس من أكتوبر (غرب) 5.5 في المائة، ومدينة بدر (شرق) بأكثر من 17%، بينما حافظت مدن أخرى على مستويات أسعارها، وارتفع البعض، ولا سيما في أحياء داخلية بالعاصمة.
لكن محللين في السوق يرون أن الأشهر المقبلة تحمل تداعيات أكبر على السوق، في ظل تغير خريطة الدخول بشكل كبير، في ظل توقف الأنشطة الاقتصادية المختلفة وتداعياتها على دفع الرواتب، وبالتالي أقساط العقارات في البلد الذي يعتمد غالبية سكانه على شراء العقارات بنظام الأقساط الممتدة لفترات طويلة.
وقال محمد زيدان، صاحب إحدى شركات التسويق العقاري في مدينة السادس من أكتوبر غرب القاهرة، إن السوق متوقفة تماماً، بينما بدأت عمليات التعثر في سداد أقساط الوحدات تحت الإنشاء من قبل المشترين تظهر، وهو ما يهدد الكثير من المشروعات بالتوقف، بينما هناك فترات زمنية تلتزمها الشركات لتسليم الوحدات والانتهاء من البناء.
وأضاف زيدان أن الكثير من الشركات الكبرى لجأت إلى زيادة آجال السداد إلى فترات طويلة تمتد إلى 13 عاماً، وهو ما لم يكن موجوداً من قبل عبر نظم التقسيط المباشر مع الشركات دون اللجوء إلى التمويل العقاري عبر البنوك التي تزيد فيها مدد السداد إلى 20 عاماً، أما الشركات الصغيرة فاضطرت هي الأخرى إلى زيادة آجال البيع بالتقسيط إلى نحو 7 سنوات، بينما كانت في السابق تراوح بين 3 و4 سنوات على أقصى تقدير.
وتابع قائلاً إن كورونا جاء بمثابة المربع الأخير الذي هوى بالقطاع العقاري، مشيراً إلى أن السوق كان يعاني بالأساس من ركود جراء تراجع القدرات الشرائية للكثير من المصريين، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وطفرة البيع المؤقتة التي حدثت في أعقاب تعويم سعر الجنيه نهاية 2016، الذي أدى إلى انهيار العملة المصرية، ما دفع الكثير من أصحاب المدخرات، ولا سيما العاملون في الخارج إلى شراء عقارات للحفاظ على مدخراتهم من التآكل.
وقال إن الفترة الأخيرة شهدت توجه بعض من اشتروا عقارات إلى بيع ما بحوزتهم للحصول على سيولة مالية أو عدم القدرة على سداد باقي الأقساط، في ظل الظروف الاقتصادية المنهارة التي أدت إلى توقف الأنشطة وتقليص الرواتب وتسريح الموظفين، سواء داخلياً أو في أسواق خليجية ظلت محركة للنشاط من خلال تحويلات المغتربين على مدار سنوات ماضية.
وتعمق أضرار كورونا من متاعب الاقتصاد الذي يعاني القطاع الخاص فيه من انكماش بالأساس منذ 9 أشهر متتالية، وفق بيانات مؤسسة "أي اتش اس" ماركت، ما يزيد مخاطر دخول البلاد في أزمة اقتصادية واجتماعية، خاصة مع ارتفاع معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، لتمثل نحو ثلث السكان، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الحكومي، فيما تقدّرها جهات مستقلة ودولية، ومنها البنك الدولي بأكثر من 50 في المائة.
وتوقفت السياحة تماماً، ويتوقع تراجع عائدات قناة السويس وصادرات الغاز وكذلك تحويلات المصريين العاملين في الخارج، ما ينذر بفقدان الدولة مليارات الدولارات المحركة لقطاعات إنتاجية وخدمية عدة.
وأخيراً، طالبت غرفة التطوير العقاري في اتحاد الصناعات، وزارة الإسكان بتأجيل تحصيل الأقساط على الأراضي لمدة 6 أشهر، نتيجة حالة الركود الحاد التي تضرب السوق، فيما حذرت دراسة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، من أن حدوث أي أزمة في السوق العقاري، سيؤثر بالسلب في الاقتصاد عموماً، وخاصة أن قطاع العقارات يساهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 16.2 في المائة.
وبدت سياسات الحكومة في الآونة الأخيرة مرتبكة إلى حد بعيد، فقد أوقفت العديد من المحافظات تراخيص البناء بعد أن طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بمحاسبة المخالفين، بينما أكد خبراء أن هذه الخطوة جاءت بشكل عشوائي وغير مدروس، خاصة أن وقف البناء يعمّق أزمة السوق العقارية ويوقف إلى حد كبير مبيعات مواد البناء وتدفع ملايين العمالة في هذا النشاط إلى البطالة، بينما يعمل أغلبهم بنظام الأجر اليومي دون تغطية تأمينية أو اجتماعية من جانب الحكومة.
وجاء قرار وقف تراخيص البناء الذي يعمّق أزمة شركات المقاولات، بعد نحو أسبوعين فقط من إصدار البنك المركزى قراراً بضم شركات المقاولات التي يبلغ حجم أعمالها أو إيراداتها السنوية 50 مليون جنيه فأكثر، في مبادرة تسمح باستفادة الشركات من مبادرة تمويل للقطاعين الصناعي والزراعي، تقدَّر بنحو 100 مليار جنيه بفائدة سنوية متناقصة تبلغ 8 في المائة لمواجهة تداعيات أزمة كورونا.
وقال مسؤول كبير في غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، فضل عدم ذكر اسمه، إن الحكومة متخبطة في قراراتها، وهناك عشوائية وارتجال في إدارة الأمور دون تخطيط جيد لأبعاد السوق والأزمة الحالية.
وأضاف أن ما يحدث حالياً هو نتاج سياسات متراكمة على مدار السنوات الست الأخيرة عندما تحولت الحكومة إلى تاجر لمنافسة القطاع الخاص في العديد من المجالات، ومنها القطاع العقاري، وذلك بغية تحقيق مكاسب دون أن تكون هناك خطط عامة لتوسيع السوق وتعزيز بنائه.
وتتزايد المخاوف من اتساع رقعة الركود مع عودة تكاليف البناء للارتفاع، في ظل صعود جديد لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري، بسبب تراجع موارد النقد الأجنبي المتأتية من السياحة وتحويلات المصريين في الخارج، فضلاً عن سحب المستثمرين الأجانب نحو 21.6 مليار دولار من السوق خلال شهري إبريل/ نيسان ومارس/ آذار، في أكبر موجة خروج للاستثمارات منذ أكثر من ست سنوات.
وقال المسؤول في غرفة التطوير العقاري: "كيف تتعامل السوق مع الزيادة المرتقبة في تكاليف البناء، بينما هناك شبه توقف لمبيعات العقارات بسبب تهاوي القدرات الشرائية في أشهر معدودة من بداية تداعيات كورونا، بينما لا يعلم أحد إلى أي مدى سيستمر الفيروس أو ينحسر".