وأعلن البنك المركزي، على موقعه الإلكتروني، اليوم الأحد، أن الاحتياطيات الأجنبية انخفضت إلى نحو 36 مليار دولار في نهاية مايو/ أيار، مقابل نحو 37 مليار دولار في نهاية إبريل/ نيسان، لترتفع بذلك قيمة ما سُحب من الاحتياطي خلال الأشهر الثلاثة الماضية إلى 9.5 مليارات دولار.
وكانت قيمة الاحتياطي في نهاية فبراير/ شباط تبلغ 45.4 مليار دولار، إلا أنها تراجعت إلى 40.1 مليار دولار في مارس/ آذار، خاسرة 5.4 مليارات دولار، لتنخفض مجدداً في إبريل/نيسان بنحو 3.1 مليارت دولار.
ويأتي التراجع المستمر في احتياطي النقد الأجنبي رغم تكثيف الحكومة الاقتراض الخارجي، خلال الأشهر الثلاثة الماضية التي شهدت توقفاً تاماً للسياحة وتراجع تحويلات المصريين في الخارج والصادرات وعائدات قناة السويس، وهي مصادر رئيسية للنقد الأجنبي.
وفي 12 مايو/ أيار الماضي، أعلن البنك المركزي تسلمه مبلغ 2.77 مليار دولار من صندوق النقد، وهو ما يعادل 100 في المائة من حصة مصر، وفقاً لأداة التمويل السريع، بهدف احتواء التداعيات الناجمة عن أزمة فيروس كورونا.
وأعلنت وزارة المالية، في بيان يوم 22 مايو/ أيار، طرح سندات دولية جمعت بمقتضاها 5 مليارات دولار في أكبر طرح تشهده البلاد.
وعادت الحكومة لتقترض من صندوق النقد الدولي، الذي أعلن في الثاني من يوليو/ تموز الجاري موافقته على إقراض القاهرة 5.2 مليارات دولار إضافية لمواجهة تداعيات الجائحة.
ولم تمنع القروض والتمويلات التي حصلت عليها مصر، الاحتياطي من التراجع رغم بلوغها خلال مايو/ أيار، نحو 7.97 مليارات دولار من صندوق النقد والسندات الدولية فقط، دون احتساب التمويلات الأخرى التي حصلت عليها مؤسسات عامة ومصارف بمئات ملايين الدولارات.
ولا يخفي محللون ماليون ومصرفيون قلقهم من مواصلة الاحتياطي التآكل في ظل الجمود الذي يسيطر على الاقتصاد، مشيرين إلى أنّ من المرجح ألا يعود السياح الأجانب قبل بداية العام المقبل في أكثر الاحتمالات تفاؤلاً، وهو ما يشير إلى حرمان البلاد موارد نقد أجنبي وصلت إلى 13 مليار دولار العام الماضي من هذا القطاع.
وقال مصرفي بارز لـ"العربي الجديد": "تراجع الاحتياطي يأتي رغم تراجع حركة الواردات بشكل كبير في الكثير من القطاعات الإنتاجية والخدمية وعدم طلب هذه القطاعات على الدولار.
لكن في المقابل هناك طلب غير مسبوق من الأجانب على العملة الأميركية بعد تسييل محافظهم في البورصة أو السندات الحكومية وغيرها من أدوات الاستثمار من أجل الخروج من البلاد مثل الكثير من الأسواق الناشئة في ظل تداعيات كورونا".
وأظهرت بيانات رسمية، أن المستثمرين الأجانب سحبوا نحو 21.6 مليار دولار من مصر خلال شهري إبريل/ نيسان ومارس/ آذار، في أكبر موجة خروج للاستثمارات منذ أكثر من ست سنوات.
واعتمد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ منتصف 2014 على الاقتراض الخارجي بشكل غير مسبوق في تاريخ الدولة الحديث، وجذب الأموال الأجنبية الساخنة لشراء الديون الحكومية والمضاربة في البورصة.
ورأى خبراء اقتصاد أن هذه السياسة استهدفت توفير سيولة أجنبية لتمويل مشروعات ضخمة تفتقر إلى الجدوى الاقتصادية، على غرار إنشاء عاصمة إدارية جديدة في قلب الصحراء شرق القاهرة تضم قصراً رئاسياً ضخماً ومقارّ حكومية ومجمعات سكنية فارهة، وحفر تفريعة جديدة لقناة السويس، فضلاً عن محاولة إعطاء انطباع إيجابي على جاذبية الاقتصاد المصري.
وكان السيسي قد أعلن في بداية أزمة كورونا رصد 20 مليار جنيه (1.25 مليار دولار) لدعم البورصة في مواجهة الأزمة للحيلولة دون هبوطها وخروج الأجانب منها.
لكن البنك المركزي كشف في بيان له في 7 إبريل/ نيسان، عن أنه سحب من الاحتياطيات الأجنبية ليغطي جزئياً خروج محافظ استثمار أجنبية، ولتلبية احتياجات السوق المحلية من العملة الصعبة لاستيراد سلع استراتيجية، فضلاً عن سداد التزامات خدمة الدين الخارجي.
وأكد متعاملون في سوق الصرف أن القروض الأخيرة لن يكون بمقدورها ردم الهوة المالية، مشيرين إلى أن الدولة مطالبة بسداد مبالغ كبيرة كديون مستحقة للخارج خلال العام الجاري، وهو ما يجعلها مجبرة على السحب من الاحتياطي النقدي خلال الأشهر المقبلة والاقتراض مجدداً من السوق الدولية.
ووفق بيانات البنك المركزي، فإن مصر مطالبة بسداد التزامات خارجية تتمثل بفوائد ديون وقروض خلال العام الجاري، بقيمة تصل إلى 18.6 مليار دولار، منها 9.35 مليارات دولار في النصف الثاني من العام، بينما لم يكشف "المركزي" ما إذا كان قد سدد كامل الديون المستحقة في النصف الأول البالغة 9.24 مليارات دولار.
وتضغط السيولة الدولارية الشحيحة على الجنيه المصري الضعيف، ليواصل هبوطه في السوقين الرسمية والموازية.
واليوم الأحد، رفع البنك المركزي مجدداً قيمة الدولار، ليصل إلى 16.14 جنيهاً، بينما بلغ في بعض البنوك 16.23 جنيهاً، فيما قفز إلى مستويات أكبر في السوق السوداء.
وتوقع متعاملون في سوق الصرف أن يواصل الدولار صعوده خلال الفترة المقبلة، مشيرين إلى وجود عجز كبير في الأصول الأجنبية لدى البنوك، بعد الطلب المتزايد من الأجانب على العملة الأميركية، ما يعيد البلاد إلى أجواء ما قبل تعويم الجنيه رسمياً في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، حيث لجأت البنوك إلى رفع سعر الدولار بشكل كبير لجذب جانب من السيولة الأجنبية لدى السوق الموازية ومكتنزيها.