تمويل إثيوبيا سد النهضة يخرج النيل عن سيطرة مصر

24 ابريل 2014
مصر تخشى تقلص حصتها من مياه النيل (Getty)
+ الخط -

 قلب قرار إثيوبيا الجريء، تمويل سد ضخم على نهر النيل بنفسها، السيطرة المصرية التي استمرت أجيالا على مياه النهر رأسا على عقب، ووضع القاهرة في مأزق كبير.

فقد رفضت أديس أبابا عرضا من القاهرة للمساهمة في تمويل السد، وضمنت بذلك سيطرتها على إقامته، على أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل.

وقال فيك أحمد نجاش، المدير في وزارة المياه والطاقة الإثيوبية، "لم نكن نرغب في أن يعاني هذا السد من ضغوط خارجية، ولا سيما في ما يتعلق بالتمويل."

وأعاد تحول إثيوبيا، من كارثة اقتصادية قادرة بالكاد على توفير الغذاء لشعبها، إلى قوة إقليمية صاعدة قادرة على التمويل الذاتي لمشروعات ضخمة، توزيع الأدوار الدبلوماسية في دول حوض النيل أهم الموارد الطبيعية في شمال شرق أفريقيا.

واستشاطت مصر غضباً، إذ تخشى أن يقلل السد تدفق المياه، التي تعتمد عليها في الشرب والزراعة منذ آلاف السنين.

وطلبت مصر وقف أعمال البناء لحين التفاوض بين البلدين، وعرضت المشاركة في ملكية المشروع، لكن هذا العرض قوبل بالرفض من أديس أبابا.

ولم يعد للقاهرة الميزة، التي كانت تتمتع بها عندما كانت دول منبع النهر أفقر من أن تبني مشروعات ضخمة كهذه بنفسها.

وما دامت إثيوبيا ترفض التمويل الخارجي، فلا يبدو أن القاهرة تملك وسيلة تذكر لوقف بناء السد.

وتتدفق المياه عند سفح جبل جيش الإثيوبي إلى بحيرة تانا، ومنها يتهادى النيل الأزرق صوب العاصمة السودانية الخرطوم، حيث يلتحم بالنيل الأبيض لتتدفق المياه شمالا عبر مصر حتى تصب في البحر المتوسط.

ومن بين مخاوف القاهرة هاجس أن يؤدي ملء خزان السد الجديد، الذي تبلغ سعته 74 مليار متر مكعب بالمياه على سنوات، إلى قطع تدفق المياه عن النهر مؤقتا، وأن يؤدي تبخر المياه من سطح البحيرة التي ستتكون خلف السد إلى تقليص حصتها.

ويرتكز الموقف المصري على اتفاقية تعود إلى عام 1959 مع السودان، تمنح مصر نصيب الأسد من مياه النهر.

وبلغ الأمر أن دعا بعض الساسة المصريين، العام الماضي، إلى القيام بعمل عسكري ضد إثيوبيا، مما أثار المخاوف من نشوب "حرب مياه".

وهدأت العاصفة السياسية في العلن، لكن مسؤولين مصريين ما زالوا يشيرون إلى ضرورة تأمين حصة البلاد من مياه النيل باعتبارها مسألة أمن قومي.

وفي ورقة حكومية تصف القاهرة بناء السد بأنه "انتهاك" لمبادئ القانون الدولي وخاصة واجب منع الضرر عن الدول الأخرى في حوض النهر.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، بدر عبد العاطي، لـ "رويترز"، "ليس لدينا موارد أخرى. ولذلك فالمسألة ليست نكتة. فنحن لن نسمح بتعريض مصالحنا الوطنية وأمننا القومي... للخطر."

وأضاف عبد العاطي "ما زلنا مع التعاون والتفاوض. لكن مع التفاوض الجدي فقط لا تضييع الوقت."

لكن القاهرة، التي تشغلها الاضطرابات السياسية في الداخل، ليست لديها خيارات تذكر للضغط على أديس أبابا لوقف المشروع.

ويقول مسؤولون إثيوبيون إن السد قد يكتمل في عام 2016.

وتنفي إثيوبيا أن مصر ستعاني من جراء بناء السد، وتشكو من أن القاهرة استخدمت نفوذها السياسي في ردع جهات التمويل عن دعم مشروعات إثيوبية أخرى لتوليد الكهرباء.

وقال فيك أحمد، من وزارة المياه، إن القاهرة كان لها يد في قرار شركة معدات وتكنولوجيا الكهرباء الصينية الانسحاب من صفقة بمليار دولار لتوصيل السد بشبكة الكهرباء الإثيوبية.

وأضاف فيك أحمد:"السلطات في مصر أحدثت جلبة".

وقال إن مجموعة صينية أخرى تتأهب الآن لتمويل خطوط الضغط العالي.

ولم يعلق المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية على هذه الشكوى الإثيوبية، لكنه أكد أن القاهرة تحاول استخدام نفوذها لإبعاد الجهات الأجنبية عن تمويل المشروع.

وقال عبد العاطي: "لدينا اتصالات بالجميع. وقد أثار الوزير الموضوع مع روسيا والصين."

وفي انتصار دبلوماسي لإثيوبيا، وانتكاسة سياسية لمصر، شهد السودان تحولا تدريجيا في موقفه باتجاه تأييد السد ورفع اعتراضاته السابقة.

ومن المحتمل أن يستفيد السودان من الكهرباء الرخيصة ومياه الري.

وقال وزير الخارجية المصري، نبيل فهمي، لمحطة سكاي نيوز عربية هذا الشهر إنه يرفض الحل العسكري ويرفض إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية وهو ما يتطلب موافقة الطرفين.

وبدلا من ذلك تواصل مصر الضغط من أجل إجراء مزيد من الدراسات على تصميم السد، وأثره على دول المصب. وفي المقابل تواصل إثيوبيا دون كلل العمل في بناء السد.

وقال مسؤول إثيوبي رفيع، طلب عدم نشر اسمه "سنكمله سواء أرادوا أم أبوا. لكننا سنواصل بالطبع التفاوض في الوقت نفسه."

وقد بُنيَ حتى الآن ربع السد، وتقول إثيوبيا إنه سيبدأ توليد 750 ميجاواتاً من الكهرباء بنهاية العام الجاري.

ويمثل السد بداية فقط لطموح إثيوبيا في أن تصبح مركز قوة على المستوى الاقليمي.

ومن الممكن تصدير الكهرباء، التي سيتم توليدها من السد، إلى دول المنطقة التي تحتاج إليها بشدة. وتكفي كهرباء السد لتغطية احتياجات مدينة عملاقة مثل نيويورك.

وتوضح خطة حكومية، اطلعت عليها رويترز، أن إثيوبيا، ثاني أكبر دول أفريقيا من حيث عدد السكان، تستهدف أن يكون لديها قدرات لتوليد 37 ألف ميجاوات خلال 25 عاما بالمقارنة مع تقدير البنك الدولي لإجمالي إنتاج دول أفريقيا جنوبي الصحراء، باستثناء جنوب أفريقيا، ويبلغ 28 ألف ميجاوات.

ويجري العمل على بناء مزيد من السدود، ويعمل رئيس الوزراء، هيلامريم ديسالين، بوتيرة سريعة، لضمان إبرام اتفاقات لبيع الكهرباء في الخارج.

ومن نقطة على النيل تمتد الخطوط شمالا عبر السودان وعبر الصحراء الكبرى حتى المغرب، كما تمتد جنوبا حتى جنوب أفريقيا، لتربط كينيا ورواندا وتنزانيا وغيرها من الدول المتعطشة إلى الكهرباء.

ويقول مسؤولون إثيوبيون إن جيبوتي وكينيا والسودان تستورد بالفعل 180 ميجاواتاً، ورغم أن هذه الكمية صغيرة فإنها بدأت تحدث تغييرا ملموسا في المنطقة.

وقال ميكوريا ليما، رئيس التخطيط لقطاع الشركات في شركة الكهرباء الحكومية الإثيوبية: "قبل أن تبدأ جيبوتي في الحصول على الكهرباء من إثيوبيا، كان سعر الكهرباء فيها 30 سنتا أميركيا للكيلووات. أما نحن فنبيع لها بسعر ستة سنتات."

ووقعت كينيا اتفاقا لشراء نحو 400 ميجاوات. كما وقعت رواندا اتفاقا في مارس/آذار لشراء 400 ميجاوات بحلول عام 2018.

ومن المتوقع إبرام اتفاق مماثل مع تنزانيا. كذلك من المتوقع إجراء محادثات حول تزويد اليمن بنحو 900 ميجاوات عن طريق كابل بحري.

ويعمل المهندسون في الأرض الرملية لوادي جوبا، قرب الحدود السودانية، على صب الأساسات الخرسانية للسد، الذي سيرتفع 145 مترا وستولد توربيناته عند اكتماله 6 آلاف ميجاوات من الكهرباء، ليصبح أكبر سدود القارة إنتاجا للكهرباء.

وحتى الآن دفعت إثيوبيا 27 مليار بر (1.5 مليار دولار)، من إجمالي التكلفة البالغة 77 مليار بر للمشروع، الذي سيؤدي إلى إيجاد بحيرة طولها 246 كيلومتراً.

ويمثل السد أكبر جزء من مشروع ضخم للإنفاق العام على الكهرباء والطرق والسكك الحديدية، في واحد من أسرع الاقتصادات الأفريقية نموا.

وقد ارتفع الناتج الإثيوبي بما يقرب من المثلين، على مدى عشر سنوات، ليجتذب استثمارات من السويد والصين.

لكن اقتصاديين يحذرون من أن قرار إثيوبيا تمويل المشروع الضخم بنفسها، يحمل في طياته خطر خنق استثمارات القطاع الخاص وتقييد النمو الاقتصادي، حيث ظهرت مؤشرات على تباطؤ النمو الاقتصادي بالفعل.

ورغم ذلك تقول أديس أبابا، إن ضمان عدم امتلاك مصر حق التدخل لوقف بناء السد يستحق هذا الثمن.

وقد لجأت إثيوبيا لإجراءات مثل إرغام البنوك، التي تقدم القروض للقطاع الخاص، على تخصيص ما تعادل نسبته 27 في المائة من اجمالي قروضها للحكومة بعائد منخفض فيما يمثل ضريبة على الاقراض الخاص.

ويقول صندوق النقد الدولي إن السد يمثل، مع مشروعات أخرى، استنزافا للموارد التمويلية من الاقتصاد مما يعرض للخطر فرص الاقتراض المتاحة لمستثمري القطاع الخاص وحصيلة البلاد من النقد الأجنبي بما يضر بالنمو.

وتوقع صندوق النقد في نوفمبر/ تشرين الثاني أن يتباطأ نمو الناتج إلى 7.5% هذه السنة المالية من 8.5% في 2011/2012.

وقال الصندوق إن الاقتصاد الإثيوبي يحتاج لإعادة هيكلة لتشجيع استثمارات القطاع الخاص، التي أصبحت مشروعات القطاع العام تزاحمها الآن.

وتحتاج إثيوبيا إلى معدل نمو مرتفع لإنجاز خططها لانتشال سكانها من الفقر المدقع.

ويقول البنك الدولي إن نصيب الفرد من الدخل بلغ 410 دولارات فقط في 2012.

وتختلف الحكومة مع الرأي القائل إن الانفاق بسخاء على المشروعات العامة يضر بأداء الاقتصاد العام، وتتوقع نموا أعلى من تقدير صندوق النقد.

وتقول شركة ساليني امبرجيلو، أكبر شركات البناء في ايطاليا، والتي تتولى انشاء السد، إنها حصلت على كل المدفوعات المستحقة لها في توقيتاتها حتى الآن، وإنها لا تشعر بالقلق بشأن استمرار سداد المليارات التي يتطلبها المشروع.

وقالت الشركة، في رسالة بالبريد الإلكتروني، لرويترز "لدينا ثقة كاملة في حكومة إثيوبيا."

ومع ذلك فإن كلفة السد، التي تتجاوز أربعة مليارات دولار، تمثل نحو 12% من الناتج السنوي لإثيوبيا، وهو ثمن كبير لبلد يرفض المساعدة الخارجية.

ويمثل السد محور مشروع ينفذ على 25 عاما للاستفادة من النمو الاقتصادي المتسارع في شرق أفريقيا، بتصدير الكهرباء إلى مختلف أنحاء المنطقة.

 

 

المساهمون