مصادر وزارية ترجّح لـ"العربي الجديد" طلب لبنان برنامجاً مالياً من صندوق النقد

20 فبراير 2020
وزير المالية متوجهاً إلى اجتماع الحكومة اليوم (حسين بيضون)
+ الخط -
يخطو لبنان سريعاً باتجاه طلب برنامج مالي "إنقاذي" من صندوق النقد الدولي بشروط قاسية "غير شعبية"، لإسعافه من حال التدهور المالي والنقدي والخراب الاقتصادي والاجتماعي التي يعيشها اليوم نتيجة عقود من الممارسات الفاسدة، بحسب ما رجّحته مصادر وزارية لـ"العربي الجديد".

وفيما انطلقت في بيروت مباحثات بين بعثة الصندوق والمسؤولين اللبنانيين على أرفع المستويات، قالت المصادر الوزارية في الحكومة اللبنانية لـ"العربي الجديد" إن لبنان قد لا يجد مفراً من طلب برنامج المساعدة المالية للتعامل مع سندات الديون المستحقة عليه، في إطار عملية إعادة هيكلة، أو على الأقل جدولة، تجنّبه التفريط بما تبقى لدى "مصرف لبنان" المركزي من سيولة يريد استخدامها لتسيير تمويلات شؤون الدولة وزبائن المصارف.

وصرّحت المصادر، عقب ترؤس رئيس مجلس الوزراء حسّان دياب، صباح اليوم الخميس، في السراي الحكومية، اجتماعاً مع وفد خبراء الصندوق برئاسة مارتن سيريزوله، ضم ممثل مكتب المدير التنفيذي سامي جدع والخبراء توم بست، فرنتو ريكا، ونجلا نخله، بحضور نائبة رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع زينة عكر عدره، وزير المالية غازي وزني، وزير الاقتصاد راوول نعمه، ووزيرة العدل ماري كلود نجم.



وقال الوزير وزني للصحافيين إن "الاجتماع خُصّص للتعارف"، مشيراً إلى أن "لبنان أعدّ خطة لمواجهة الأزمة وكيفية الخروج منها"، وأن "صندوق النقد يقدّم وجهة نظره في ظل الظروف الحالية، وما يحتاجه لبنان من إجراءات إصلاحية واقتصادية ومالية، ومكمن الصعوبات والسبل الآيلة إلى الحلول".

كما قال إن "وفد الصندوق سيتابع عمله حتى الانتهاء من التعاون مع لبنان لإعداد الخطة"، موضحاً "أننا في مرحلة المشورة التقنية، وأن المساعدات تأتي في المرحلة المقبلة، إذ إن الحكومة تعد الخطة وتطلب مساعدة الصندوق، كي يعطينا رأيه ومشورته".

سندات الديون تشغل السياسيين والمصارف

وفي القصر الجمهوري، التقى الرئيس ميشال عون وفداً من "جمعية مصارف لبنان" برئاسة سليم صفير الذي قال: "تمنينا على الرئيس مقاربة موضوع السندات بعيدا من السياسة وضغط الشارع، وشدّدنا على ضرورة العمل بسرعة على أحد الحلول المطروحة، لأن تراجع سعر السندات يحمّل المصارف اللبنانية خسائر تزيد من الضغوط عليها".



في السياق، انطلقت عصر اليوم في مجلس النواب جلسة لجنة المال والموازنة برئاسة النائب إبراهيم كنعان، وحضور وزني وصفير وممثلين عن المصرف المركزي، لبحث الحلول الممكنة لاستحقاق سندات "اليوروبوند"، بما يخدم مالية لبنان وسمعته والمودعين على حد سواء.

وصدر عن المكتب الإعلامي لوزارة المالية بيان أورد أنه "في إطار حملة افتراء منظمة، يتم التداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي بخبر ملفق يزعم أن وزارة المالية استعانت بالشركة الاستشارية المالية "موليس أند كومباني" Moelis & Company التي يعمل فيها نجل وزير المالية، كريم غازي وزني، لوضع مخطط مالي لهيكلة وجدولة الدين العام".

ونفى المكتب "هذا الخبر جملة وتفصيلا" ووضعه في "خانة الأخبار الكاذبة والمفبركة والمضللة"، وأكد أنه "عار من الصحة"، متمنيا على الجميع التدقيق في أي خبر قبل تداوله، حرصا على الحقيقة والصدقية.

وأوضح مكتب الوزير أن الشركات الاستشارية المالية التي وجهت دعوة إليها هي التالية: "لازارد" Lazard، "روتشيلد" Rothschild، "غوجنهايم" Gugeinheim، "هوليهان لوكي" Houlihan Lokey، "سيتي بنك" Citibank، "جيه.بي مورغان" JP Morgan، "بي.جيه.تي بارتنرز" PJT Partners، "نيوستايت بارتنرز" Newstate Partners، "ستاندرد تشارترد" Standard Chartered، "جي.إس.إيه بارتنرز" GSA Partners، "دويتشه بنك" Deutche Bank، "وايت أوك" White Oak.

موازنة 2020 وقطع الحساب

في جانب آخر، غرّد كنعان عبر "تويتر" قائلا: "ذكرت بعض وسائل الإعلام أن الرئيس لن يوقع الموازنة لأنها لا تتضمّن قطع حساب. وللتوضيح إن قطع الحساب قانون مستقل لا يأتي أصلا ضمن الموازنة وعلى الحكومة إحالته إلى المجلس النيابي، الأمر الذي لم يحصل منذ سنوات رغم مطالبتنا المتكررة".

وفي هذا المجال، أكد عون، أن "عدم توقيع قانون موازنة العام 2020 يعود إلى عدم التصديق على قانون يتعلق بمسألة قطع الحساب"، مشددا على أن "الموازنة ستصدر بعد انتهاء المهلة الدستورية استنادا إلى المادتين 56 و57 من الدستور".

خطة الحكومة وآلية تنفيذية لبرنامجها

أكد رئيس الحكومة حسّان دياب "البدء بالخطوة الأولى في اتجاه معالجة تراكمات 30 سنة من السياسات الخاطئة التي أوصلت البلد إلى الانهيار الحاصل"، مشدداً على أن "المرحلة المقبلة صعبة علينا جميعا، ومن واجبنا أن نجد حلولا للتخفيف من حجم الأزمة وتداعياتها بكل الوسائل التي من الممكن أن نلجأ إليها لتحقيق هذه الغاية".

وشدد من جهة ثانية على أنه "يجب ضم أشخاص من الحراك الشعبي إلى اللجان، كل حسب اختصاصه، على أن يكون هؤلاء من أصحاب الخبرة والمعرفة، وذلك التزاما بوعودنا والعمل بطريقة علمية ومهنية".

مواقف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة جاءت خلال جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت عند العاشرة والنصف من صباح اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا، والتي سبقها لقاء بين الرئيسين عون ودياب عرضا خلاله جدول أعمال الجلسة ومختلف الأوضاع العامة والتطورات.



ووافق مجلس الوزراء على مشروع قانون يرمي إلى إبرام اتفاقية القرض مع "الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي" بقيمة 50 مليون دينار كويتي (165 مليون دولار)، للمساهمة في تمويل مشروع الإسكان، كما قرر وضع آلية لتنفيذ مضمون البيان الوزاري وفق خارطة طريق تم إقرارها، وكذلك إعادة النظر في اللجان الوزارية عند الاقتضاء.

وقالت وزيرة الإعلام منال عبدالصمد بعد الجلسة، إن عون أشار إلى أن المرحلة الراهنة هي مرحلة عمل لأن الوضع العام في البلاد يفرض ذلك، وأكد أن عمل اللجان مستمر للوصول إلى مقترحات عملية تعرض على مجلس الوزراء بعد انتهاء الدرس لاتخاذ القرار المناسب.

وعن عدم توقيعه قانون موازنة 2020 التي أقرها مجلس النواب، أوضح عون أن ذلك يعود إلى عدم التصديق على قانون يتعلق بمسألة قطع الحساب، وبالتالي لا يمكنه إصدار الموازنة من دون ذلك، وطلب تأمين المدققين والخبراء اللازمين لديوان المحاسبة حتى يتم إنجاز قطع الحساب في أسرع وقت ممكن.

هدر كبير "بلا أدلّة"... وكل متورّط يتحمّل المسؤولية

لفت عون إلى أن مجموع المبالغ المهدورة التي لا أدلة ثبوتية عليها بلغ مبلغاً كبيراً، منها سلفات خزينة من غير المعروف كيف صُرفت ومبالغ أخرى، وردت كهبات للهيئة العليا للإغاثة، مشيرا إلى أن الموازنة سوف تصدر بعد انتهاء المهلة الدستورية استنادا إلى المادتين 56 و57 من الدستور.

وعن الأوضاع المصرفية، قال إن "ثمة إجراءات سوف نتخذها ليتحمل كل فرد مسؤولياته عمّا حصل، ولا سيما عمليات تحويل المبالغ بصورة غير قانونية والتي زادت من حدة الأزمة، وما لاحظناه حتى الآن أن ثمة مخالفات جسيمة وستتحمل كل جهة مسؤولياتها في هذا المجال".

تعميم من "المركزي" لترتيب الوضع المصرفي

أما رئيس الحكومة فقال إن "وزير المالية اطلع على تعميم حاكم مصرف لبنان (رياض سلامة) لتنظيم العلاقة بين المصارف والزبائن، وستعد وزارة المالية مشروع قانون معجل لدراسته في مجلس الوزراء وإحالته إلى مجلس النواب".

أضاف: "كنت قد كلفت نائبة الرئيس بوضع خريطة طريق لآلية تنفيذ بنود البيان الوزاري، على أن تستعين باللجان الموجودة أصلا إذا كانت لا تزال قائمة ومناسبة لهذه الغاية، وتشكيل لجان جديدة وفقا للحاجة. وبهذه الطريقة، نكون ملتزمين بتنفيذ وعودنا التي أطلقناها بالبيان الوزاري".

مكافحة "الفساد" التجاري

على صعيد وزاري آخر، أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة في بيان، أن الوزير راوول نعمه "قرر إحالة 61 محضر ضبط بحق مؤسسات تجارية إلى القضاء لمخالفتها القوانين والأنظمة النافذة، لا سيما لجهة رفع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية بشكل غير مبرر، عدم الالتزام بالتسعيرة الرسمية للمحروقات، وعدم التقيد بالسعر الرسمي لخدمات المولدات الكهربائية".
وأشار البيان إلى أن نعمه "وجّه 17 إنذارا خطيا بمخالفات بسيطة بعد أن تعهدت المؤسسات المعنية الالتزام بالقوانين والأنظمة النافذة، على أن يصار إلى إعادة الكشف عليها تحت طائلة اتخاذ أقسى الإجراءات العقابية في حال الاستمرار بالمخالفات".

كما أوعز "بحفظ 88 محضرا بعدما تبين التزام المؤسسات التي كانت قد وجهت لها إنذارات بالنصوص القانونية النافذة، مع التأكيد على متابعة الكشف عليها ضمن الزيارات الروتينية لمديرية حماية المستهلك. وتمنى على القضاء ووزارة العدل الإسراع باتخاذ الإجراءات اللازمة".
المساهمون