التحرش بالبنوك المصرية.. واللعب بالنار

17 ديسمبر 2018
البنوك هي الممول الأول للخزانة العامة للدولة(العربي الجديد)
+ الخط -

لا أعرف سر إصرار كبار المسؤولين في وزارة المالية المصرية على التحرش بالقطاع المصرفي من وقت لآخر، رغم أنهم يعرفون أنه لولا أموال البنوك ومدخرات العملاء ما ظل الوزير وحكومته في مناصبهم لمدة ساعة واحدة.

ولا أعرف سر إصرار هؤلاء على إثارة قلق العملاء والمتعاملين مع البنوك، رغم أنهم يدركون أنه لولا أموال المودعين ما تقاضى الوزير وحكومته رواتبهم ولو ليوم واحد، ولا استطاعت الحكومة تمويل مشروع تنموي وخدمي واستثماري واحد، ولا تقاضى العاملون والموظفون بالجهاز الإداري للدولة رواتبهم وحوافزهم.

فالبنوك هي الممول الأول للخزانة العامة للدولة، والمقرض الرئيسي للحكومة، والمكتتب الأول في أدوات الدين ( السندات وأذون الخزانة) التي تطرحها الحكومة وبمليارات الجنيهات أسبوعيا، والبنوك تحتل المركز الأول بين الجهات الحكومية الأكثر تسديداً للضرائب.

أمس السبت، كشف محمد معيط وزير المالية، عن بدء وضع آلية قانونية تسمح للوزارة بالحجز على أرصدة الممولين في البنوك في حال عدم تسديد مستحقات الضرائب، وبالتالي الكشف عن سرية حساباتهم المصرفية وهو ما يخالف قانون البنوك.

والمثير للأنتباه أن الوزير أعطى انطباعا بموافقة البنك المركزي على خطوة الوزارة تلك، حيث تحدث عن تعاون مشترك مع البنك المركزي في هذا الشأن، وقال نصاً، وحسبما نشرت جريدة المال الاقتصادية، " أنه في إطار التعاون المستمر مع البنك المركزي سيتم مناقشة وضع آلية قانونية تسمح بالحجز فقط على المبلغ المستحق لخزينة الدولة من الضرائب"، وأنا أتشكك في حدوث مثل هذا التعاون، أو موافقة البنك المركزي على هذه الخطوة لأسباب عدة.


إذاً، وزير المالية يتحرش بالبنوك وأموال مودعيها ويعالج قضية التهرب الضريبي على حساب القطاع المصرفي، وتصريحه الأخير يخالف الأعراف المصرفية المتعارف عليها في كل دول العالم، ويتناقض كذلك مع التصريحات التي أدلي به طارق عامر، محافظ البنك المركزي في شهر أغسطس الماضي وأكد فيه أن البنك المركزي لن يسمح على الإطلاق بالكشف عن حسابات العملاء المصرفية، سواء لوزارة المالية أو لمصلحة الضرائب، وأنه لا يمكن السماح بتعديل قانون البنوك للكشف عن سرية حسابات العملاء لتعارض ذلك مع سرية الحسابات المصرفية، وأن طلب وزارة المالية في هذا الشأن يُعد خرقاً للقانون لن يقبله البنك المركزي.

بل وذهب طارق عامر في تصريح آخر إلى القول إن الاقتراب من أموال المودعين خط أحمر، وإن حماية سرية الحسابات حق أصيل للبنك المركزي، ولن يتم السماح بالتدخل في شؤونه أو اختراق بيانات العملاء، وإن السماح بالكشف عن حسابات العملاء يتعارض مع قانون البنوك.

تصريح وزير المالية الأخير ليس الأول من نوعه، ففي شهر أغسطس الماضي كشف عماد سامي، وكيل أول وزارة المالية، رئيس مصلحة الضرائب، عن الانتهاء من تعديل قانوني يسمح لوزير المالية بالاطّلاع على الحسابات المصرفية للممولين في البنوك.

وحسب نص تصريحات سامي فقد " تقدمت وزارة المالية بمقترح لتعديل المادة رقم 99 من قانون الدخل بما يسمح لوزير المالية بالكشف على الحسابات البنكية للممولين، وأنه بموجب التعديل تلتزم جميع الجهات بالسماح لمأمور الضرائب بالإطلاع على الحسابات البنكية بعد موافقة وزير المالية".

وزارة المالية تتحرش بالبنوك بهدف زيادة الإيرادات الضريبية التي زادت أصلا بنسبة 36% في العام المالي 2017- 2018 لتصل قيمتها إلى 628 مليار جنيه ( ما يعادل 35.18 مليار دولار)، وهذا الأمر قد يثير قلق المودعين، صغيرهم قبل كبيرهم، فالوزارة قد تتحفظ على أموال صغار المدخرين مثلا بحجة عدم تسديد الضريبة العقارية المستحقة عليهم، وفي وقت لاحق بحجة عدم سداد فواتير المياة والكهرباء والتليفون الأرضي.


ولذا مطلوب من البنك المركزي الخروج بييان واضح وسريع يؤكد مجدداً أن أموال المودعين خط أحمر، وأن البنك المركزي هو حامي أموال المودعين ومدخراتهم مهما كانت صغيرة، وأنه لا يوجد تنسيق مع وزارة المالية بشأن الكشف عن سرية الحسابات المصرفية للعملاء.

وإذا كان سكوت البنوك المركزية ومحافظيها وكبار مسؤوليها من ذهب في أغلب الأوقات نظرا لطبيعة عمل هذه البنوك، فإن سكوت البنك المركزي المصري في هذا التوقيت ليس من ذهب على الاطلاق، بل المطلوب أن يخرج البنك ليقل القول الفصل في هذه القضية ويحسم هذا الملف ويسد ثغرة للإساءة لهذا القطاع الحيوي الذي يهم أكثر من 15 مليون مصري ما بين مودع ومستثمر ومقترض.

القطاع المصرفي هو قطاع حساس، وهو القطاع الأقوى والمنظم بين القطاعات الاقتصادية في مصر، ولذا يجب التعامل معه بتحفظ شديد، حفاظا على مدخرات المودعين التي هي أصلا أموال وثروة المجتمع.

لنغلق هذه الثغرة الخطيرة بسرعة حتى لا نثير قلق ملايين المصريين الذين تزيد ودائعهم في البنوك عن 3.7 تريليون جنيه.

المساهمون