الاقتصاد الكويتي يحبس أنفاسه انتظاراً لضريبة تحويلات الوافدين

29 يناير 2017
مخاوف من تزايد الضغوط المعيشية على الوافدين(ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
تتجه أنظار العمالة الوافدة في الكويت، وكذلك القطاعات الاقتصادية في الدولة، إلى مجلس الأمة (البرلمان)، الذي يناقش الأحد مشروع قانون فرض ضريبة متدرجة على التحويلات المالية للوافدين، وسط جدل واسع حول انعكاسات هذا المشروع حال إقراره، على خطط العديد من الجهات الحكومية وعلى مجتمع الأعمال. 

ولم تخف العديد من الجهات الحكومية وكذلك المؤسسات الدولية، قلقها من تطبيق مثل هذا المقترح والاتجاه نحو إقرار سياسة مالية متسرعة تزيد من مخاطر الأعمال، لكن مؤيدي المقترح يرون أن قيمة التحويلات المالية للخارج تعادل نحو نصف الإيرادات النفطية للدولة، ما يستدعي فرض ضرائب عليها.

وتقدم النائب فيصل الكندري باقتراح قانون ضريبة التحويلات المالية، ينص على أن تفرض ضريبة على كل من يقوم بتحويل مبالغ مالية خارج حدود الكويت، على أن يذهب ريعها مباشرة لخزينة الدولة. ويتدرج فرض الضريبة وفق مشروع القانون بواقع 2% لما دون الـ 100 دينار (328 دولاراً)، و4% للمبالغ من 100 حتى 499 ديناراً، و5% للمبالغ الأعلى من 500 دينار (1641 دولاراً).

ويرى الكثير من صانعي الخطط الحكومية وأصحاب الأعمال التجارية، علاوة على المؤسسات الدولية، أن فرض رسوم على تحويلات الوافدين، بمثابة تحد كبير من شأنه إعاقة خططهم ومشاريع التنمية المستهدفة في البلاد، في وقت يتوقع فيه صندوق النقد أن تكون الإيرادات التي ستنتج عن هذه الضريبة طفيفة قياساً بالناتج المحلي الإجمالي.

وبدءاً من صندوق النقد الدولي، وهيئة تشجيع الاستثمار المباشر، مروراً ببنك الكويت المركزي والبورصة، وصولاً إلى البنوك وشركات الصيرفة، هناك تقاطع في التحذير من تبني هذا المقترح. ويقول محمد النقي، الخبير الاقتصادي، إن مثل هذه القرارات تُصعب من خطط تحسين بيئة الأعمال وتحويل الكويت إلى نموذج مرن مستقطب للأموال وليس منفراً.

ويضيف النقي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه في الوقت الذي يشكّل فيه الوافدون نحو 90% من موظفي القطاع الخاص، فمن شأن هذه الضريبة إعاقة المبادرات التي تقودها هيئة تشجيع الاستثمار المباشر، نحو استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية إلى الداخل، والتي تحتاج إلى حزمة مبادرات تحفيزية لريادة الأعمال، وليس أقلها توفير الحرية لانتقال رؤوس الأموال وتقليل تكلفتها.

ويشير إلى أن هذه الضريبة ستزيد الرغبة في عدم الخضوع لها، ما يقود إلى نشوء سوق سوداء لتحويلات الوافدين، في ظل وجود نظام إلكتروني متطور يساعد في تطور عمليات التهرب الضريبي، وهنا تلتقي مخاوف النظام الرقابي مع شركات الصرافة وكذلك البنوك، بحيث من المتوقع أن يترتب على فرض ضريبة على تحويلات الوافدين، تراجع تنافسية القطاع المصرفي.

وتظهر أرقام الهيئة العامة للمعلومات المدنية، بلوغ عدد سكان الكويت بنهاية العام الماضي نحو 4.3 ملايين نسمة، بينهم 1.3 مليون مواطن ونحو 3 ملايين وافد.

ويرى حمد التويجري، الخبير الاقتصادي، أن لدى المستثمر سواء الأجنبي أو المحلي، حساسية مفرطة من إمكانية سيطرة الرأي السياسي على القرار الفني، ومن أن يؤدي ذلك إلى وجود خلل مستقبلا، في منطقة معروف عنها أن المنافسة على المستثمر الأجنبي مشتعلة، وجميعها يعمل على تخفيف القيود على حرية انتقال رؤوس الأموال.

ويقول التويجري لـ"العربي الجديد" إن الأمر لا يختلف كثيراً لدى مسؤولي البورصة، فمجرد طرح فكرة استحداث أي رسوم على المتعاملين في سوق الكويت من الوافدين الذي لم يدرج بعد ضمن الأسواق الناشئة، من الممكن أن يؤدي إلى تراجع حاد في مساهمة كتلة الأجانب بسوق الأسهم. ويشير إلى موقف بنك الكويت المركزي من هذه القوانين، حيث سبق معارضته لمثل هذا التوجه، مشيرا إلى انعكاساته غير الإيجابية على الناحية الاستهلاكية للوافدين.

وتتجه الكويت إلى اتخاذ العديد من الإجراءات، التي تهدف إلى تقليص الدعم ومعالجة تدهور أسعار النفط، الذي أثر على ميزانية الدولة بنسبة كبيرة، ما دعا الحكومة إلى تبني إجراءات تقشفية العام المالي الحالي الذي ينقضي بنهاية مارس/آذار المقبل.

وكانت مصادر مسؤولة في وزارة المالية قد كشفت، في تصريحات لـ"العربي الجديد" الأسبوع الماضي، أن العجز المالي حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، أي خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الحالي 2016 - 2017، بلغ 5.1 مليارات دينار (16 مليار دولار).

وباتت فكرة سد عجز موازنة الدولة النفطية من "جيوب الوافدين" عبر فرض المزيد من الضرائب والرسوم عليهم، تثير انتقادات واسعة في أوساط الوافدين وكذلك خبراء قانون واقتصاد في الكويت.

يقول محمد العنزي، الخبير القانوني، إن اقتراح فرض ضريبة على التحويلات المالية للوافدين، يمثل إخلالاً بمبدأ المساواة، مشيراً إلى أن اللجنة التشريعية البرلمانية ستتوقف أمام فكرة مبدأ المساواة، باعتبار أن اقتراح القانون المقدم في هذا الخصوص معني بتحويلات الوافدين فقط.

ويضيف العنزي، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، "أمامنا اقتراح بقانون يدرس ضريبة التحويلات على الوافدين فقط وليس كل التحويلات، وهنا سيكون النقاش القانوني هل هذا الإخلال جائز أم لا ؟"، لافتا إلى أن الإجابة على هذا السؤال تتوقف على العناصر الموضوعية التي تضمنها الاقتراح والتي تبرر عدم المساواة.

لكن مقدم الاقتراح، النائب فيصل الكندري، كان قد قال في تصريحات صحافية مؤخرا، إن القانون سيراعي شرائح العمالة ذات الرواتب المتدنية، وسيكون تصاعدياً بحق من يتقاضون رواتب عالية.

ووفق المقترح البرلماني يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 6 أشهر أو غرامة لا تتجاوز 10 آلاف دينار (33.2 ألف دولار) كل من لا يطبق القانون.

وكان فوزي المجدلي، أمين عام برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة، قد قال في وقت سابق إن إجمالي التحويلات النقدية الصادرة من الكويت للخارج بلغت نحو 18.1 مليار دولار بنهاية 2016، بما يعادل 53% من الإيرادات النفطية، والتي تقدر بحوالي 39.5 مليار دولار عند سعر 40 دولاراً للبرميل.

وأشار إلى أن الكويت احتلت بذلك المركز الثالث خليجياً والمركز السابع عالمياً على قائمة التحويلات الصادرة منها، وفق تقرير أصدره البنك الدولي.

ويقول أحمد معرفي، الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد"، إن الإصلاح الاقتصادي الذي تقوم به الحكومة على جميع الأصعدة، يستدعي فرض ضريبة على التحويلات، لا سيما أن هناك دولاً مجاورة، بدأت بتطبيق بعض أنواع الضرائب على المقيمين لديها.

لكن القلق يتزايد لدي الكثير من العمالة الوافدة من القرارات الحكومية بشأن زيادة الرسوم والضرائب وأسعار الوقود والخدمات، الأمر الذي دفع الآلاف خلال الأشهر الأخيرة إلى تسفير عائلاتهم إلى بلدانهم في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.

وأربكت الزيادة التي أقرتها الحكومة في أسعار الوقود في أغسطس/آب الماضي، فضلا عن تقليص مزايا العاملين في القطاعات الحكومية، ميزانيات العاملين في العديد من الأنشطة الاقتصادية بالكويت، وسط قلق كبير من تأثر عائداتهم المالية بارتفاع التكاليف الناجمة عن زيادة الأسعار.

كما أعلنت وزارة الصحة في وقت سابق من يناير/كانون الثاني الجاري، زيادة أسعار الخدمات الصحية للزائرين، فضلا عن اعتزامها تطبيق نظام جديد للرعاية الصحية يقضي بعلاج الوافدين في مستشفيات غير حكومية، وتعمل بنظام الشراكة بين القطاع العام والخاص ويتم من خلالها زيادة الرسوم السنوية للخدمات الصحية للوافدين بنسبة تصل إلى 200% عن المعدلات المعمول بها حاليا.

وسبق أن قررت وزارة التربية خفض بدل الإيجار الذي يتقاضاه المعلمون الوافدون من 150 ديناراً (490 دولاراً) إلى 60 ديناراً (200 دولار)، وهو إجراء واجه انتقادات حادة، وتسبب بموجة نزوح كبيرة من الشقق ذات المستوى المتوسط في البلاد أدت إلى تأثر القطاع العقاري الاستثماري.

ويقول أحمد الشعيطي، وهو وافد سوري يعمل في مجال المقاولات، "المصاريف بدأت تزيد بشكل جنوني في الصحة والتعليم والوقود والإيجارات، وباتت تلتهم رواتبنا وأرباحنا". ويضيف لـ"العربي الجديد": "الحياة هنا أصبحت سباقاً كبيراً، حيث عليك أن تدفع رسوم الإقامة لك ولأبنائك ثم تدفع تكاليف مدارسهم وتكاليف مواصلاتك وإيجارك السكني وتضطر للاقتراض لتسدد باقي فواتيرك ومصاريفك".

ويتابع "بقية الجنسيات العربية تستطيع أن تعيد عائلاتها إلى بلدانها وتتنقل إلى السكن في أماكن العزاب لتوفير الأموال والادخار وبناء البيوت في بلدانهم الأصلية، لكن كيف لي أن أعيد أبنائي إلى سورية ومدينتي مدمرة تماماً من قبل النظام بالإضافة إلى أن الذهاب إلى تركيا الآن أصبح صعباً ومستحيلاً من ناحية اقتصادية وسياسية.. مطلوب منا أن ننفق ولكن برواتب متدنية جداً وهذا مستحيل".

وبحسب مبارك العجمي، الخبير الاقتصادي، فإن دعوات بعض النواب للتضييق على الوافدين، دفع البعض لترحيل عوائلهم، مشيراً إلى أن مثل هذه الدعوات غير مجدية اقتصاديا وغير مفيدة تماماً، لأنها ستؤثر على قطاعات واسعة بالدولة أهمها قطاعات التعليم الخاص والسكن والتجزئة. ويقول "المحصلة النهائية هي تدمير قطاعات تجارية واسعة، في مقابل عدم حل المشاكل التي يدعي نواب البرلمان أن الوافدين قد تسببوا بها".

ولم تكن الكويت وحدها من شهدت دعوات لفرض ضرائب على تحويلات الوافدين، وإنما امتدت إلى العديد من دول مجلس التعاون الخليجي الست التي تأثرت اقتصاداتها بتراجع أسعار النفط بأكثر من النصف منذ منتصف 2014.

ويعيش أكثر من 17 مليون أجنبي في دول الخليج، ويرتفع العدد الكلي إلى 23 مليوناً أو أكثر، بعد إضافة أفراد أسر العمالة الوافدة، أي ما يعادل قرابة نصف سكانها البالغ عددهم 48.8 مليوناً، بحسب أرقام المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي.

وبحسب تقرير لصندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإن فرض ضريبة على التحويلات ينطوي على سلبيات، مشيراً إلى أن حجم التحويلات السنوية يبلغ نحو 84.4 مليار دولار سنوياً، وأن فرض ضريبة بنسبة 5% على تلك التحويلات، سينتج عنه إيرادات ضئيلة تصل إلى 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي الخليجي، أي 4.2 مليارات دولار، وذلك مقارنة بتأثر الكثير من القطاعات.
المساهمون