الأردن والسياسة المالية

27 سبتمبر 2017
زيادة الضرائب لتأمين الإيرادات (Getty)
+ الخط -
هنالك جدل واسع في الأردن حول الإصلاح المالي ومكوناته، يقوم أساساً على نية الحكومة، وهذا صار مؤكداً، توسيع الشرائح الضريبية، بحيث تقل الإعفاءات المقدمة لشرائح الدخل من 12 ألف دينار سنوياً للفرد العامل إلى نصف المبلغ، وإخضاع النصف الآخر لنسبة ضريبة دخل ما تزال خاضعة للأخذ والرد. وهنالك تكهنات تتوقع زيادة النسب الضريبية على شرائح الدخل الأعلى، لكنها ليست مؤكدة. 

وبات مؤكداً أن ما تتوقعه الحكومة من زيادة إيراداتها، بعد دراسة بدائلها لتعديل قانون ضريبة الدخل، لن يصل إلى المبلغ الذي تسعى إليه. ولذلك، تفكر في رفع ضريبة المبيعات من 17% إلى نسبة ربما تصل إلى 20% أو أكثر، لكن هذا بات الآن غير مؤكد.

ومما يفهم من حديث الملك عبدالله الثاني، في لقائه الذي عقده في مدينة الزرقاء مع ضباط كبار في القوات المسلحة الأردنية، أنه يقبل بتعديل قانون ضريبة الدخل، وبوضع ضريبة مبيعات على السلع الأساسية المدعومة (الخبز) أو المعفاة مثل السكر والشاي وغيرها.

ولكي يعوض المواطن الأردني عن ضريبة الخبز والسكر، سوف يقدم له تعويضاً نقدياً أو يعوض بوسيلة أخرى. ولا نعلم أي البدائل سوف تختار الحكومة، لأن الاختيار يعتمد على فعاليته الإدارية، وسهولة التنظيم، والكفاءة في التطبيق، ومقدار كلفة التطبيق.

ومن أجل أن يمنح الملك الطمأنينة لشعبه الأردني بأن الزيادة في الضريبة سوف تحقق العدالة في توزيع العبء، وفي توزيع المردود، أبلغ كبار الضباط أن الحكومة مطالبةٌ بمعالجة التهرب الضريبي.

وقد أجرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي دراسةً على التهرب الضريبي عام 2014 بينت أن حجم التهرب في حدود 300 مليون دينار آنذاك (الدينار يساوي 1.4 دولار)، أما التجنب الضريبي فقد بلغ حوالي 400 مليون دينار.

ولكن الدلائل تفيد بأن هذا التهرب ربما ارتفع قليلاً، على الرغم من جهود وزارة المالية لمحاصرته، بسبب ارتفاع نسبة الاقتصاد غير الرسمي، والعائد أساساً إلى دخول اللاجئين إلى السوق، حيث يقومون بأعمال وأشغال كثيرة، بدون موافقة مسبقة من الجهات المختصة.

وبافتراض أن الحكومة سوف تضع وسائل لمنع التهرب الضريبي، فإن من الواضح أنها ستتوجه نحو المهنيين من الأطباء والصيادلة والمحامين وغيرهم. وسوف تعطي في مشروع القانون حوافز للمواطنين الذين يستفيدون من خدمات هؤلاء، إذا أبرزوا الفواتير التي دفعوها لهم.

وسوف تصيب أيضاً تجارا كثيرين يبيعون بدون فواتير، خصوصا إذا كانوا يتعاملون بسلع أو خدمات لا تجبى عليها ضريبة المبيعات سلفاً.

ولكن الواقع أن على كل المستوردات ومنتجات المصانع وبعض الخدمات المقدمة من الشركات الكبيرة والمصارف رقابة، وتُجبى منها ضريبة المبيعات مقدماً، ما يضطر هذه الشركات إلى استعادتها من المشترين.

وتحسيناً لمراجعة البيانات والكشوفات الضريبية، لا بد من إعادة النظر في هيكلة دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، فأعداد المدققين كبير قياساً إلى أعداد المفتشين. والعمل الأساسي يجب أن يكون في الميدان لمنع التجنب والتهرب الضريبي قبل حصوله.

وفي المقابل، يجب أن يجري التدقيق على أساس العينة، لا على نسبة كبيرة من مقدمي الكشف الضريبي. وإذا لم يحصل ذلك، سوف يعطي التدقيق أفضلية لمن لا يقدم كشفاً على حساب الذين يقدمون كشفاً في الأصل.

والمطلوب لنجاح هذه السياسة هو التأكد من أن كل مواطن وكل شركة ومكتب يقدم كشفاً ضريبياً سنوياً، سواء كان دخله خاضعاً للضريبة أم لم يكن. وبهذا يكون الجميع سواء أمام القانون، أما إذا كانت نسبة الذين يتخلصون من الضريبة، أو لا يقدمون كشفاً ضريبياً، مرتفعة، فإن فكرة التساوي ستصبح مجرد خيال غير مطبق.

وقد كان الملك أصدق في تناوله موضوع الضريبة من الحكومة، فقد صرح وزير أن الهدف من زيادة نسب الضريبة ليس زيادة حصيلة الخزينة، بل من أجل إنجاز مشروع الإصلاح المالي.

ولكن الملك قال إن كلفة اللاجئين هي التي ترفع فاتورة الإنفاق الحكومي بمقدار ربع الموازنة، في وقتٍ تحجم فيه الدول المانحة عن الوفاء بالتزاماتها في هذا الموضوع نحو الأردن. ولذلك، الأردن بحاجة إلى القرض السهل الذي يقدمه صندوق النقد الدولي، ولم يقل جلالته ذلك صراحة، لكن الأمر واضح من سياق حديثه.

إذن، قرّر الملك، بعد دراسته الظروف، أن ينتصر لفكرة مراجعة قوانين الضريبة، وأعطى الحكومة جرعة قوية من الدعم حيال النقد الشديد والحملة القوية التي تعرّضت لها من مختلف فئات الشعب. وهذا يعني أن الملك قدم حلاً متوازناً يقع على الحكومة مسؤولية تنفيذه بدقة، والنجاح فيه. وإذا لم تفعل، فإنها ستتحمل وحدها مسؤولية الإخفاق.

وعلى مستوى التنمية، لن تحفز زيادة الضرائب التنمية، ولن تزيد معدلاتها، ما لم تقم الحكومة ببرنامج واضح لزيادة الاستثمار فوراً، وبمبالغ كبيرة. وإلا فإن الضرائب، بغض النظر ممن تجبى، سوف تقع، في نهاية المطاف، على كاهل المواطنين، خصوصا أصحاب الدخول المتوسطة والأقل من ذلك.

لم تعد الحكاية كم ستحقق الضريبة من إيرادات إضافية للخزينة، لأنني أعتقد أن هذا المبلغ سيكون أقل من هذه الزوبعة. صار الأمر كله تلبية لمطلب صندوق النقد الدولي، لكي يحصل الأردن على شهادة حسن سلوك، تمكنه من مواجهة الدول التي تقرضه، وتلك التي تعطيه مساعدات (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، واليابان)، وحيال المستثمرين الذين يريدون الاطمئنان إلى أن حجم الدين العام يبقى ضمن حدودٍ مقدور عليها.

أما معظم الدخل الإضافي، فسوف يأتي من إلغاء الدعم المقدم للسلع، والتي سيحصر الدعم فيها على الأردنيين. وبوجود أكثر من ثلاثة ملايين غير أردني مقيمين، فقد تصل هذه الأرقام إلى أكثر من 220 مليون دينار. أما ضريبة الدخل فسوف تتراجع حصيلتها، ما لم يحصل معدل نمو واضح، وكذلك بالنسبة لضريبة المبيعات.

الأردن واقع بين فكي كماشة، ولا بد من أن يأخذ قرارات صعبة، لكن الملك رأى، بعدما درس الواقع والمتطلبات، أن يقبل تعديل قوانين الضريبة، شريطة أن تعيد للمواطن الثقة بأن العبء عليه موزع بالعدل حسب الاستطاعة، وبأن فوائد الدعم مقصورة عليه.
دلالات
المساهمون