يبدو أن شركة هواوي الصينية، ثالث أكبر بائع للهواتف الذكية في العالم بعد سامسونغ الكورية الجنوبية وآبل الأميركية، قد استسلمت لهزيمتها في السوق الأميركية، بعد أن قررت تركيز جهودها، في الفترة المقبلة، على خدمة عملائها الحاليين، الذين يتركز أغلبهم خارج الولايات المتحدة.
وقال اريك شو، أحد الرؤساء التنفيذيين الثلاثة للشركة، في اللقاء السنوي مع محللي الشركة، الأسبوع الماضي "بعض الأشياء لا يمكن تغييرها وفق أهوائنا".
وجاءت هذه التصريحات المقتضبة، بينما كانت قيادات الشركة في الصين ترسم صورة طموحة للمستقبل، عن طريق عزم الشركة توفير ما وصفوه بـ "العمود الفقري الرقمي" للذكاء الاصطناعي، الذي يتوقع المحللون سيطرته على كافة مجالات العمل والابتكار في المستقبل القريب.
ومن الواضح أن تلك التطورات كانت نتيجة لسلسلة من التضييقات على الشركة في السوق الأميركية، والتي بدأت قبل عقدٍ كامل، اعتبرت خلاله الحكومة الأميركية أن الشركة لديها صلات بالحكومة الصينية، وأنها تمثل تهديداً للأمن القومي الأميركي.
ويوم الثلاثاء الماضي، صوتت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية لصالح المضي قدماً في إرساء قاعدة جديدة، يمكنها أن تقضي تماماً على عمليات الشركة المحدودة المتبقية في الولايات المتحدة، حيث تنص هذه القاعدة على منع شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية، المدعومة من الحكومة الفيدرالية، من استخدام الموردين الذين يعتبرون خطراً على الأمن القومي الأميركي، فيما اعتبره المراقبون أحدث حلقات التضييق على الشركة التي تعد أكبر مورد في العالم لمعدات الاتصال.
وفي عام 2012، أصدرت لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي تقريراً، عبّرت فيه عن مخاوفها من تهديد شركتي هواوي و"زد تي إي" الصينيتين للأمن القومي، وتم منع الشركات الأميركية من شراء معدات هواوي، الأمر الذي دعا شركة إيه تي أند تي AT&T إلى التراجع عن خطط شراكة كانت تنوي القيام بها مع هواوي.
ومؤخراً، تخلت شركة فريزون لخطوط التشغيل عن بيع هواتف هواوي الذكية، وقرر بست باي، الشهر الماضي، التوقف عن بيع منتجات الشركة، بما فيها أجهزة الكمبيوتر المحمولة والساعات الذكية.
وقبل شهر ونصف تقريباً، أعرب رؤساء مكتب المباحث الفيدرالية "إف بي آي"، وجهاز الاستخبارات "سي آي ايه" ووكالة الأمن القومي "ان اس ايه" عن قلقهم من المخاطر التي تمثلها شركتي هواوي و"زد تي اي"، كما حذّروا من شراء هواتف الشركتين.
وقبل شهر، عكس التحرك غير المسبوق الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لمنع شركة برودكوم التي تتخذ من سنغافورة مقرا لها من الاستحواذ على شركة كوالكوم، قلقاً متزايداً بشأن السيطرة الاقتصادية المتنامية للصين، حيث أوقف ما كان يمكن أن يكون أكبر عملية استحواذ في قطاع التكنولوجيا في التاريخ.
وكانت شركة هواوي الدافع الأكبر وراء قرار ترامب، حيث نصح مسؤولون من لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، التي تفحص الصفقات لقياس مدى تهديدها للأمن القومي، بمنع إتمام الصفقة، لما يمكن أن تتسبب فيه برودكوم، من إيقاف لعمليات الأبحاث والتطوير لدى شركة كوالكوم، وهو ما يفسح المجال تماماً أمام شركة هواوي، التي يشوبها بعض الغموض، لتوجيه المليارات إلى تطوير أنظمة لاسلكية من الجيل التالي.
وعلى صلة بذلك، أصدرت وزارة التجارة الأميركية، يوم الإثنين الماضي، قراراً بمنع الشركات الأميركية من التعامل مع شركة "زد تي اي" لمدة سبع سنوات، بسبب انتهاكها تسوية تمت عام 2017، بعد اتهامها بأنها باعت معدات بشكل غير قانوني، احتوى بعضها على مكونات أميركية، إلى كوريا الشمالية وإيران.
وكانت الشركة، في مثل هذه الأيام من العام الماضي، قد قبلت الاتهام، ووافقت على التسوية مقابل تحمّلها مبلغ 1.2 مليار دولار، الذي دفعته بالفعل للحكومة الأميركية. إلا أن الولايات المتحدة قالت إن الشركة كذبت على وزارة التجارة، بشأن معاقبة الموظفين المتسببين في المشكلة، وأشارت إلى أن بعضهم تلقى مكافآت.
وأرسلت هيئة الرقابة على الأمن الإلكتروني في المملكة المتحدة، يوم الإثنين الماضي أيضاً، خطاباً ملزماً لمشغلي الاتصالات البريطانيين، تطالبهم فيه بوقف استخدام معدات شركة "زد تي اي"، كونها تثير مخاوف أمنية لدى المملكة، الأمر الذي يُتوقع أن يكلف الشركة الصينية عقوداً تبلغ قيمتها مليارات الجنيهات الإسترلينية كانت قد تعاقدت عليها قبل فترة، مقابل إتمام تطوير البنية التحتية لشبكات الاتصالات في بريطانيا، لإدخال خدمة الجيل الخامس 5G والشبكات المصنوعة بالكامل من الألياف.
وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين الأميركيين أن القرارات السابقة ليست لها علاقة بالتوترات التجارية الحالية بين الولايات المتحدة والصين، والتي أعقبت قرارات ترامب بفرض تعريفات جمركية جديدة على ما قيمته 50 مليار دولار من واردات بلاده من الصين، رفعها بعد ذلك إلى 150 مليار دولار، بالإضافة إلى رد الصين بفرض تعريفات مساوية على منتجات أميركية، إلا أن توقيت القرارات الأخيرة ضد الشركتين الصينيتين دفع العديد من المراقبين إلى وصفها بأنها سلاح جديد توجهه الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى الصين، خاصة أنها جاءت بعد ساعات قليلة من اتهام ترامب للصين بالتلاعب في قيمة عملتها لإضعافها من أجل زيادة تنافسية صادراتها.
ورغم التصريحات التي تظهر محاولات للتهدئة، فإن القرارات التضييقية المتبادلة بين الصين وأميركا لا تتوقف منذ بداية مارس/آذار الماضي.
وذكرت وزارة التجارة الصينية، في بيان نقلته وكالة شينخوا، اليوم الأحد، أن بكين تلقت معلومات بأن وزير الخزانة الأميركي، ستيفين منوتشين، يأمل في القيام بزيارة إلى الصين للتفاوض بشأن القضايا الاقتصادية والتجارية.