كيف تعمل أوروبا على محاصرة الدولار؟

05 ديسمبر 2018
صرافة في مطار غاتويك البريطاني (Getty)
+ الخط -

من المتوقع أن تكشف دول الاتحاد الأوروبي قريباً عن خطة متكاملة لتعزيز دور عملة اليورو في التجارة الدولية، وتقليص هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي الذي بات يمثل نقطة ضعف لعلاقاتها التجارية مع باقي دول العالم، وسط الخلافات الجارية بينها وبين واشنطن منذ صعود الرئيس دونالد ترامب للحكم قبل عامين.

وحسب تقرير نشر في وكالة بلومبيرغ، مساء الإثنين، فإن الخطة المقترحة من قبل اللجنة المالية بالاتحاد الأوروبي تتضمن بناء مؤشرات لأسعار الفائدة مبنية على اليورو في أسواق المال، ونظام "تسوية فورية" للصفقات التجارية بالعملة الأوروبية.

ومن المتوقع أن يتضمن المقترح كذلك تعزيز دور اليورو وزيادة حصته في الاحتياطات النقدية للبنوك المركزية العالمية.

وقالت المفوضية الأوروبية في المقترح الذي اطلعت "بلومبيرغ" على مسودته إن هنالك آفاقاً مستقبلية لليورو لتوسيع دوره العالمي، بما يعكس الوزن المالي والاقتصادي والسياسي للكتلة الأوروبية". 

وعلى الرغم من التقارب في الحجم الاقتصادي بين أوروبا وأميركا، إلا أن الدور الذي يلعبه الدولار في الاقتصاد العالمي يتفوق بثلاثة أضعاف على اليورو. 

ويقدر الحجم الاقتصادي لدول الاتحاد الأوروبي بحوالى 18.8 ترليون دولار، فيما تبلغ حصة عملة اليورو من احتياطات البنوك المركزية حوالى 20%، مقارنة بحجم الاقتصاد الأميركي المقدر بحوالى 20 ترليون دولار. 


يذكر أن الدولار لا يتفوق فقط على اليورو، ولكن نفوذه يتفوق كثيراً على باقي العملات الكبرى في العالم من حيث نسبته في احتياطات البنوك المركزية من النقد الأجنبي، إذ أن حصته فاقت 62% مقارنة بحصة 35% للعملات الرئيسية الأخرى. وذلك وفقاً لإحصائيات صندوق النقد والبنك الدوليين.

كما تقدر حصة الدولار في التسويات التجارية العالمية بحوالى 80%، حيث يعد العملة الرئيسية لتسويات تجارة النفط والذهب. كما أنه كذلك يمثل العملة الحاملة للتجارة في سوق الصرف العالمي الذي يقدر حجمه بحوالى 5.3 ترليونات دولار.

ومنذ تفاقم الخلافات التجارية بين واشنطن وبروكسل حول رسوم الألمونيوم والصلب ورسوم السيارات، وتشدد أميركا مع البنوك الأوروبية، تبحث أوروبا عن مخرج من قفص الدولار.

وتوفر العقوبات الأميركية الثانوية على الشركات العالمية بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي الإيراني وفرض عقوبات مالية ونفطية عليها المظلة المناسبة لبروكسل، حيث تجد أوروبا التي تعارض الاتفاق مع العديد من الدول الكبرى في العالم غطاء سياسياً لتعزيز تعاملات اليورو وتفادي عقوبات واشنطن.

وفي هذا الإطار وضعت أوروبا بالاتفاق مع إيران آلية للتسوية التجارية تعمل بمقايضة اليورو بالسلع في مشتريات النفط الإيراني.

ووفقاً لممثل المفوضية الأوروبية حينما أعلن عن آلية المقايضة مع طهران في سبتمبر/ أيلول الماضي، فإن الغرض من النظام الجديد هو توفير عمليات مالية قانونية مع الشركات الإيرانية، تتفادى استخدام الدولار حتى تتمكن الشركات من تنفيذ صفقات من دون التعرض للعقوبات الأميركية المفروضة على طهران.

ويهدف النظام إلى الحفاظ على التعاون مع إيران في قطاعات النفط والغاز والمالية والتجارة والاستثمار والنقل.. ووفقاً للمقترح الأوروبي، فإن المفوضية الأوروبية تخطط لتدشين بورصة لبيع وشراء البترول باليورو، على أساس أن اليورو سيكون المؤشر الرئيسي لأسعار الخامات النفطية التي تستهلكها دول الاتحاد الأوروبي.

ومن المتوقع أن يكون لهذه البورصة في حال إنشائها تأثير كبير على تقليص دور الدولار في الاحتياطات الأجنبية العالمية، حيث يمثل النفط أهم العوامل في دعم الورقة الخضراء.

ومنذ الاتفاق الذي تم في السبعينات بين وزارة الخزانة الأميركية وحكومة الرياض، ظل النفط يمثل غطاء مهماً للدولار، حيث فرضت السعودية بحكم حجمها النفطي على بقية الدول الأعضاء في منظمة "أوبك" آلية اعتماد بيع النفط بالدولار. ومنذ ذلك الوقت أصبحت دول العالم تواصل الحفاظ على دولارات كافية في مصارفها المركزية حتى تتمكن من شراء النفط وتلبية احتياجات الوقود.

كما يتضمن المقترح الأوروبي كذلك تعزيز إصدار السندات المقومة باليورو. وهذا الدور سيكون له أهمية بالغة بالنسبة للاقتصادات الناشئة التي أرهقتها الاستدانة بالدولار. 

لكن على الرغم من القوة الاقتصادية لأوروبا، فإن عملتها اليورو لا تزال بعيدة لمنافسة الدولار. وترى دراسة نشرها 3 اقتصاديين كبار، هم البروفسور إيثان الزيتزكي من جامعة "لندن إسكول أوف إيكونومكس" والبروفسور رين هارت والبروفسور كينيث روغوف من جامعة هارفارد، أن الدولار سيبقى العملة المهيمنة على الاقتصاد العالمي لعقود.

وما لم يحدث تحول حقيقي في "النظام العالمي المالي والنقدي" الذي تهيمن عليه المصارف الاستثمارية الأميركية ومصرف الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي"، فإن العملة الأميركية ستواصل حكمها للعالم.

يذكر أن الدولار الذي سبب صداعا للاقتصادات الناشئة بدأ أخيراً يتراجع. وحسب رويترز، تراجع الدولار في آسيا أمس الثلاثاء في الوقت الذي انخفضت فيه عوائد سندات الخزانة الأميركية لأدنى مستوى في ثلاثة أشهر، مع قلق المستثمرين بشأن توقف محتمل في دورة رفع مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) لأسعار الفائدة.

وانخفض عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات إلى 2.94 %، وهو أدنى مستوياته منذ منتصف سبتمبر/أيلول. وتراجع الفارق بين العائد على السندات الأميركية لأجل عامين والسندات لأجل عشرة أعوام لأدنى مستوى منذ يوليو/تموز 2017.
دلالات
المساهمون