شوقي الطبيب: خسائر تونس من الفساد 3 مليارات دولار سنوياً

10 فبراير 2020
شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (العربي الجديد)
+ الخط -


قال شوقي الطبيب، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس، إن بلاده تخسر سنوياً 3 مليارات دولار بسبب الفساد، مشيراً في مقابلة مع "العربي الجديد" إلى أنه جرى تعويم ملف الأموال المنهوبة لأغراض سياسية.

وإلى نص المقابلة:

ـ سجلت تونس، مؤخراً، تراجعاً في التصنيف العالمي لمكافحة الفساد، بحسب منظمة الشفافية الدولية، فما تفسيركم لهذا التراجع؟

أولا تونس تراجعت بمرتبة واحدة على مستوى الترتيب العالمي، محتلة المرتبة 74 عالمياً من مجموع 180 دولة شملها المؤشر عام 2019، بينما كانت في المرتبة 73 في العام السابق عليه.

ورغم هذا التراجع إلا أن الدولة احتلت المرتبة الأولى في منطقة شمال أفريقيا والسادسة عربياً في مكافحة الفساد، ولم يكن بالإمكان تحقيق أفضل مما كان. 

ـ لكن النتيجة المسجلة توحي بأن تونس لم تقم بأي جهود لتحسين ترتيبها، مقارنة بدول عربية أخرى، على غرار الأردن الذي تقدم بشكل كبير، بماذا تفسرون ذلك؟

الفساد في تونس متغلغل في دواليب الدولة ويحتاج إلى مجهود سنوات طويلة للحد منه، لكن هذا لا يمنع من الإقرار بأن هناك فشلا إلى درجة ما في القضاء على الفساد، مرده غياب الإرادة السياسية اللازمة، وأيضا التباطؤ في إصدار تشريعات مهمة لمكافحة الفساد والقضاء عليه، بالرغم من تحقيق جهود كبيرة في هذا الشأن، خلال السنوات الماضية.

ـ إلى أي مدى تتحمل هيئة مكافحة الفساد مسؤولية تراجع الترتيب التونسي في مؤشر مدركات الفساد الذي كشفت عنه منظمة الشفافية الدولية قبل أيام؟

الهيئة قامت بكل واجباتها ولم تدخر أي جهد في إحالة ملفات فساد ثقيلة إلى القضاء، كما وجّهنا مرات عديدة إلى الحكومة والبرلمان بضرورة استكمال التشريعات اللازمة للحد من الفساد، خاصة في ما يتعلق بحماية المُبلّغين عن الفساد.

لكن أعتقد أن تشتت الجهود وتعدد الدوائر المختصة في الحكومة ومكافحة الفساد يعيق الوصول إلى نتائج جيدة، كما حققتها دول عربية أخرى كما ذكرت، ومنها الأردن.

مع ذلك لابد من التأكيد على أن تونس نجحت منذ عام 2016 في إيقاف نزيف الفساد، لأن الفترة الممتدة بين 2012 و2016 اتسمت بتدحرج كبير للبلاد في مؤشرات الفساد، وهذا النزيف تم إيقافه حالياً بكسب نقاط، وهو مجهود مهم حتى وإن كانت نتائجه بطيئة. 

ـ تحدثت عن تقصير حكومي وبرلماني في مكافحة الفساد، وهو ما ذكرته منظمة الشفافية الدولية التي تحدثت عن انتقائية في التعامل مع ملفات الفاسدين وغياب إرادة سياسية للحد منه، فما هي الآليات التي يمكن اتباعها لتجاوز هذه المشاكل؟

القوانين والتشريعات هي عمود مكافحة الفساد في أي دولة عندها رغبة حقيقية في مقاومة هذه الظاهرة والحد منها، وفي تونس لدينا تأخر في تطبيق قوانين مهمة للحد من الفساد، هذا المجهود مبتور، وهي مسؤولية سياسية بامتياز تتحملها الحكومة والبرلمان.

والمآخذ التي تحدثت عنها منظمة الشفافية الدولية حول الوضع التونسي سبق للهيئة التنبيه إليه في التقارير والتوصيات التي ترفع للأطراف المعنية.

كذلك في ما يتعلّق بالبطء القضائي في التعامل مع ملفات الفساد، فسبق للهيئة التنبيه إلى هذا الأمر أيضا، وهو ما أيدته منظمة الشفافية الدولية في تقريرها الأخير، التي قالت إنه لم يتم محاسبة إلا أعداد قليلة من الفاسدين، خاصة ممن لهم نوع من الحصانة السياسية.

 ـ يشكو المتعاملون الاقتصاديون في تونس من فساد إداري كبير، فما هي أكثر القطاعات التي تشهد عمليات فساد، بناء على ما يصل إلى الهيئة من شكاوى؟

بحسب المؤشرات الانطباعية، هناك 4 قطاعات تشكو من منسوب مرتفع للفساد، وهي الأمن والجمارك والصحة والبلديات، وهذه القطاعات أخضعت للأولوية في ما يتعلق بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحوكمة ومكافحة الفساد.

وقد تم بذل مجهود كبير في هذا الاتجاه، وهذه المجهودات ستؤتي ثمارها على المدى المتوسط، رغم تسجيل نقاط مهمة في القطاع الأمني الذي تراجعت الشكايات والتظلمات التي ترد إلى الهيئة ضده من 13 في المائة سابقاً إلى 6 في المائة عام 2019، مقابل صعود تظلمات وشبهات فساد في القطاع الزراعي.

لكن بحسب مؤشرات الخبراء، فإن قطاع الصفقات والشراءات العمومية هو أكثر القطاعات فساداً في تونس، وأعتقد أن المنظومات الإلكترونية لتنظيم عمليات الشراء الحكومية التي تم اعتمادها ستساهم بقدر كبير في الحد من فساد هذا القطاع. 

ـ هناك من يقول إن المتعاملين الاقتصاديين (المستثمرين) الذين يتذمّرون من الفساد الإداري، جزء من منظومة الفساد، بسبب تقديم بعضهم رشاوي مقابل خدمات وصفقات يحصلون عليها، فما هو رأي الهيئة في ذلك؟

الهيئة تقول إن هناك تحسينات مهمة حصلت للحد من نفوذ المتعاملين الاقتصاديين ومساهمتهم في الفساد الإداري عبر دفع رشاوي أو غيرها للحصول على صفقات، ومنها صدور الأمر الذي ينص على معاقبة رجال الأعمال المتعاملين مع الدولة ممن تثبت عليهم شبهات فساد.

ونحن اليوم نحتاج إلى حوكمة أكبر في التصرف في المال العام، وتجفيف منابع الفساد، حتى نتقدم في الرتب العالمية ونحد من تداعيات الفساد على اقتصادنا المحلي.

ـ هناك تضارب في الأرقام بين المؤسسات الدولية والخبراء المحليين وأيضا الهيئة حول خسائر الاقتصاد التونسي من الفساد، هل يمكن للهيئة اليوم تقديم رقم صحيح حول هذه الخسائر؟

استنادا إلى تقارير هيئات الرقابة الحكومية والتقاطعات في الأرقام الصادرة عنها، يمكن القول إن الاقتصاد التونسي يخسر سنوياً نقطتين من النمو بسبب الفساد، وهذا رقم ضخم ويلقي بظلاله على الوضع المعيشي للتونسيين. 

ـ بلغة الأرقام... كم تقدر حجم الخسائر؟

هي تقريبا في حدود 3 مليارات دولار سنوياً، موزعة على تهرب ضريبي، وسوء حوكمة، وكلفة المؤسسات الحكومية الخاسرة، وعدم استخلاص ديون الدولة من الفاعلين الاقتصاديين، سواء المتعلقة بالأحكام أو الضرائب الجمركية، وهي كلفة كبيرة جداً وتؤثر على التوازنات المالية للبلاد. 

ـ هل تعتبر أن خسائر المؤسسات الحكومية تندرج في إطار ملفات الفساد؟

قطعاً، لأن هذه الخسائر مردّها سوء حوكمة، ونفس الشيء ينطبق على المؤسسات المُصادرة، وهذا الملف يجب فتحه في أقرب وقت، لأن هذه المؤسسات كانت توفر 15 في المائة من الناتج المحلي للبلاد، وتحوّلت اليوم إلى مؤسسات مفلسة متهاوية، بسبب شبهات فساد وسوء تصرف مالي وإداري.

ـ وماذا عن الأموال المنهوبة؟

إلى حد الآن، لا أحد يملك القيمة الحقيقية للأموال المنهوبة والمهربة، وهذا الملف يسوده التضارب وسوء الإدارة، وقد تم تعويمه لأغراض مصلحية وسياسية، وقد ينتهي الأمر بعدم قدرة البلاد على استعادة هذه الأموال نهائياً. 

ـ حصلت تونس منذ الثورة على تمويلات ومساعدات من المنظمات الدولية والاتحاد الأوروبي لتحسين الحوكمة في القطاع الحكومي، ومع ذلك تقول إن خسائر الاقتصاد بسبب ضعف الحوكة تقدر بنقطتي نمو سنوياً، فهل تعرّضت هذه التمويلات إلى سوء تصرف أو بالأحرى هل تحوم شبهات فساد حول طرق التصرف فيها؟

هذا وارد، والهيئة طالبت بإدماج كل التمويلات والمساعدات الفنية التي تحصل عليها تونس من الخارج في إطار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التي أصبحت سارية المفعول منذ عام 2016، وهذا لم يحصل في وقتنا هذا، لأن الجهود المنفردة لا تساعد على تحسين الحوكمة مهما كان حجم التمويلات أو المساعدات التي يقدمها المانحون الدوليون. 

ـ هناك تقارير إعلامية تتحدث عن تورط برلمانيين في عمليات فساد، فهل يؤثر هذا على مؤسسة التشريع؟

حصول أشخاص تحوم حولهم شبهات فساد على مقاعد في مجلس نواب الشعب هو نتيجة حتمية لعدم إصدار أي قانون لـ"تخليق" الحياة السياسية، وعدم تفعيل لجنة مراقبة تمويل الأحزاب، وعدم قيام هيئة الانتخابات بدورها في مراقبة المال السياسي، وهذا حتماً يمثل خطراً على البرلمان والتشريعات التي ستصدر عنه.

ـ كم أحالت الهيئة من ملف فساد إلى الدوائر القضائية؟

أحلنا نحو 1500 ملف فساد إلى القضاء، تضمنت قضايا خطيرة تهم ملف كبار المسؤولين في تبييض أموال وصفقات حكومية، وقد مكنت هذه القضايا من إعادة أموال إلى خزينة الدولة، وإبطال صفقات لمتعاملين اقتصاديين محليين وأجانب أيضا. 

ـ ما هي التوصيات التي رفعتها لرئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ في اللقاء الذي جمعكما مؤخرا؟

طلبنا من رئيس الحكومة المكلف أن تكون مكافحة الفساد أولوية في سياسة الدولة، وتفعيل دور المجلس الأعلى للتصدي للفساد واسترداد الأموال وممتلكات الدولة والتصرف فيها.

كما طلبنا بالإسراع في إصدار الأوامر بتطبيق النصوص القانونية الخاصة بالإبلاغ عن الفساد وحماية المُبلغين والتصريح بالمكاسب والمصالح، وذلك تكريساً للشفافية والنزاهة في الحياة العامة. وطلبنا كذلك العمل على تجريم الفساد والرشوة في القطاع الخاص، إلى جانب التعاطي بجدية مع ملف الاقتصاد الموازي، بهدف إدماج مكوناته ضمن المنظومة الاقتصادية والجبائية القانونية.

دلالات
المساهمون