تصاعدت أزمة نقص الشقق السكنية في السنوات الأخيرة في قطاع غزة، المحاصر للعام الثالث عشر على التوالي، لتسجل أرقاماً غير مسبوقة بالقطاع الذي يتجاوز عدد سكانه أكثر من مليوني مواطن.
وكان لظروف الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عام 2006 التأثير الأبرز في هذه الأزمة، فضلاً عن عمليات القصف العشوائي التي طاولت المنازل والمنشآت المختلفة خلال جولات التصعيد المتعددة والحروب الثلاثة التي شنها الاحتلال.
وخلال الأعوام الماضية دُمرت آلاف الوحدات السكنية، بالإضافة إلى ارتفاع في عدد السكان ليصل إلى أكثر من 2 مليون نسمة خلال العامين الأخيرين، مقارنة بـنحو مليون و200 ألف نسمة عام 2006، بحسب بعض الإحصائيات.
ويعجز الكثير من الغزيين عن بناء وحدات سكنية جديدة أو ترميم بيوتهم المهترئة نتيجة للظروف الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، ما يضطر الكثير من العائلات للتكدس داخل منزل واحد نتيجة لعدم توفر القدرة المادية.
ويقول وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان بغزة، المهندس ناجي سرحان، إن القطاع بحاجة لبناء 120 ألف وحدة سكنية للتخلص مع العجز الحاصل، عدا عن بناء 14 ألف وحدة أخرى بشكل سنوي لمراعاة الزيادة السكانية.
ويؤكد سرحان لـ"العربي الجديد"، أن القطاع يعيش أزمة حقيقية، حيث يعيش أكثر من 2 مليون شخص في بقعة جغرافية لا تزيد عن 365 كيلومتراً مربعاً، في حين أن 67% من السكان هم من اللاجئين، ومنهم 50% يعيشون في المخيمات.
ووفقاً للمسؤول الحكومي بغزة، فإن الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول الأكبر عن هذه الأزمة الحاصلة نتيجة للحصار المفروض وإغلاق المعابر وارتفاع معدلات البطالة والفقر وما يفرضه من إجراءات انعكست بالسلب على الظروف المعيشية والاقتصادية للسكان.
وإلى جانب الظروف الاقتصادية والمعيشية التي تأزمت في السنوات الأخيرة، فإن هناك ظروفاً تراكمية منذ سنوات طويلة ساهمت في خلق هذه الأزمة وجعلت السكان يتكدسون داخل منازل صغيرة من أجل التكيف مع الظروف الحالية، بحسب سرحان.
ويلفت سرحان إلى أن هناك 25 ألف وحدة سكنية في القطاع تحتاج إلى إعادة بناء وهي غير قابلة للسكن حالياً، فضلاً عن وجود 60 ألف وحدة سكنية أخرى بحاجة للترميم لتصبح متكيفة مع المعايير الدنيا للمنازل والوحدات السكنية.
وعن الوحدات السكنية التي دمرت في الحروب وجولات التصعيد، يوضح أن هناك أكثر من 11 ألف وحدة سكنية دمرت كلياً في الحرب الأخيرة على غزة، بالإضافة إلى 300 وحدة دمرت في حرب عام 2012، عدا عن 3 آلاف وحدة دمرت عام 2008، إلى جانب 230 وحدة دمرت في جولات التصعيد الأخيرة.
وفي أعقاب الحرب الإسرائيلية على القطاع عام 2014، تعهدت الدول المانحة بتوفير 5.4 مليارات دولار أميركي لم يصل منها إلا مليار دولار فقط، بنسبة 26%، وهو ما أثر على إعادة ترميم الوحدات السكنية المدمرة، وفقاً لسرحان.
في الأثناء، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي رائد حلس أن قطاع غزة يعيش أزمة نقص حقيقية في الشقق والوحدات السكنية نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في السنوات الأخيرة وعدم الاستقرار السياسي فضلاً عن الزيادة المضطردة في أعداد السكان.
ويقول حلس لـ"العربي الجديد"، إن أحد تجليات الأزمة السكنية هو عزوف شريحة كبيرة من الشبان عن الزواج نتيجة لعدم مقدرتهم على توفير مساكن لهم، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة في صفوفهم وتحديداً خريجي الجامعات والكليات المختلفة.
ولا يستثنى الباحث المختص في الشأن الاقتصادي الأزمة السياسية التي يعيشها الفلسطينيين بفعل الانقسام الداخلي من التأثير على الأزمة السكنية الحاصلة وانعكاساتها على الظروف المعيشية والاقتصادية وظروف الحياة اليومين للمواطنين بغزة.
ويتوقع أن تشهد الأعوام القريبة المقبلة مزيداً من الارتفاع في معدلات العجز الحاصلة في الوحدات السكنية بغزة إذا ما استمرت الظروف الحالية، خصوصاً إذا لم يتم تشكيل حكومة تدير شؤون قطاع غزة والضفة الغربية بشكلٍ مشترك.
وسجلت معدلات البطالة والفقر أرقاماً كبيرة غير مسبوقة بفعل استمرار الحصار الإسرائيلي والانقسام، وهو ما ينعكس على قدرة السكان على شراء الشقق السكنية التي تعتبر مرتفعة كثيراً مقارنة بمتوسط الدخل اليومي للسكان بغزة، وفقاً لحلس.
وارتفعت معدلات البطالة في القطاع إلى أكثر من 54 في المائة، نحو 68 في المائة منهم من فئة الشباب، عدا عن انخفاض متوسط دخل الفرد اليومي لدولارين أميركيين، بحسب تقديرات اللجنة الشعبية لكسر حصار غزة، وهي إطار غير حكومي.