لم تنجُ شركة اتصالات الجزائر العمومية من داء الفساد الذي نخر اقتصاد البلاد، خاصة الشركات العمومية، حيث تعيش الشركة التي تحتكر خدمات الاتصالات الأرضية وشبكة الإنترنت، على وقع فضائح فجّرها مجلس المحاسبة ويحقق فيها القضاء، في وقت تمر فيه الشركة بأزمة مالية، جراء تسجيلها عجزاً في الميزانية، للعام الثاني عشر على التوالي.
وظلت شركة اتصالات الجزائر، طوال السنوات الأخيرة، تحت رحمة "لوبيات" عاثت في المؤسسة فسادا اقتصاديا وإداريا، ساهم في تأخير العديد من المحطات والمشاريع المهمة للمؤسسة، إذ حاولت هذه اللوبيات خداع الرأي العام من خلال تسويق مخططات لتحديث الشركة، تماشيا مع التطورات التي يشهدها عالم الاتصالات.
وإن كانت العديد من الملفات انتهى بها المطاف أمام القضاء الجزائري، ما سمح بسجن العديد من المسؤولين الجهويين، إلا أن القضاء بدأ خلال الأيام الأخيرة، دراسة ملفين تورطت فيهما وزيرة البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية (2014/ 2019) إيمان هدى فرعون، المقربة من أسرة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وفجّرهما مجلس المحاسبة الحكومي.
وفي السياق، يكشف القاضي، عضو نقابة مجلس المحاسبة في الجزائر، مصطفى سوداعي، أن "قضاة المجلس أعدوا تحقيقا من 60 صفحة، حول الملفين، سجلت فيهما تجاوزات ارتكبتها الشركة بأوامر مباشرة من الوزارة يعاقب عليها قانون العقوبات الجزائري، الملف الأول يتعلق بصفقة بين اتصالات الجزائر وشركة "هواوي"، بحجم 48 مليون دولار بالعملة الأجنبية و370 مليون دينار بالعملة المحلية، أي حوالي 51 مليون دولار إجمالاً.
ولاحظ الخبراء أن العتاد الممنوح تكنولوجيا (MSAN) لـ"اتصالات الجزائر" تشوبه الشكوك من حيث النوعية، وذلك بعلم الشركة الجزائرية.
وأضاف سوداعي، لـ"العربي الجديد"، أن "المجلس سجل تجاوزات أخرى في الملف الثاني، منها عملية اقتناء نظام تسيير وتشغيل من نوع "BMS" عبر شركة "هواوي" الصينية، التي تتعامل معها "شركة الاتصالات" حصرياً، وهو ما سماه تقرير مجلس المحاسبة بـ"التبعية التكنولوجية" للشركة الصينية.
وحسب مصادر فضّلت عدم ذكر اسمها، فإن كل هذه الصفقات مُنحت بتدخل مباشر من وزيرة البريد والاتصالات.
واللافت أيضا أن الشركة الصينية تعهدت بمنح 400 ألف علبة اتصال بالإنترنت مجاناً، في حال طلبت الشركة الجزائرية ما بين مليون ومليوني علبة، وهو الاتفاق الذي وقّع عليه المدير العام للشركة الجزائرية، في 4 إبريل/نيسان 2015، بإجمالي 48.61 مليون دولار، من دون المرور على "اللجنة المركزية للصفقات" داخل الشركة.
وهذا الأمر كبد الشركة خسارة 16.7 مليون دولار، حيث لم يتم تسليم العلب المهداة إلى يومنا هذا.
وكانت فصيلة الأبحاث التابعة للدرك الوطني الجزائري (جهاز تابع لوزارة الدفاع الجزائري) قد فتحت تحقيقا، في 5 يناير/كانون الثاني الحالي، مع وزيرة البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية السابقة، في قضايا تتعلق بمنح امتيازات غير مستحقة وتبديد المال العام، وقد تم سحب جواز سفرها الدبلوماسي والعادي، في انتظار إحالة ملفها على قاضي التحقيق في المحكمة العليا الجزائرية.
وكانت إيمان هدى فرعون قد حاولت فتح قطاع الاتصالات أمام القطاع الخاص مرتين، المرة الأولى في 2015 والثانية في 2017، إلا أنها تراجعت تحت ضغط عمال القطاع والخبراء والصحافة، الذين انتفضوا ضد القانون الذي فتح باب الاستثمار في خدمات الهاتف الثابت والإنترنت وخدمة "واي فاي"، وأيضا الإنترنت عبر الألياف البصرية، حيث كان مشروع القانون سيعطى صلاحية طرح مناقصات أمام المستثمرين في المجال الذي تراه مناسباً.
وفي السياق يؤكد الأمين العام لفيدرالية عمال قطاع البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، محمد تشولاق، أن "الشركة عاشت فسادا كبيرا، على المستويين الجهوي (المناطق) والمركزي، وهذا ما عرقل عدة مشاريع، منها على سبيل المثال، عملية تجديد شبكة الاتصال الأرضي التي تعرف التأخر بسنتين، بسبب التجاوزات التي فجرناها كنقابة، في الصفقات الممنوحة لشركات مناولة، بعضها شركات لا توجد فعليا وهي مجرد سجل تجاري فقط.
وتابع تشولاق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قضية خصخصة الشركة أيضا كانت بهدف منحها للكارتل المالي مقابل مبلغ صغير، إذ رفضت الوزيرة السابقة تقديم توضيحات حول كيفية فتح رأسمال الشركة ومصير العمال في حال إعادة هيكلة الشركة، المؤكد أن العملية كانت بهدف منح الشركة العمومية لرجال الأعمال المقربين من نظام بوتفليقة".
من جانبه، يرى الخبير في تكنولوجيات الاتصال، عمر فرحان، أن "شركة اتصالات الجزائر لا تعتبر استثناءً في الفساد الذي نخر الجزائر، بل هي امتداد له، فهي شركة عمومية يتم تمويلها من الخزينة العمومية، وبالتالي نحن أمام أموال ضخمة توضع تحت تصرّفها، غير أن الإشكال ليس في الشركة وطريقة تسييرها بل في نظام الحوكمة في الجزائر المبني على النهب والمحسوبية".
وأضاف الخبير الجزائري أن "قيمة خسائر الشركة فاق 1.5 مليار دولار منذ 2012، وهو رقم ضخم كان يمكن أن يستثمر في تحسين خدمة الشركة التي تطاولها يوميا شكاوى حول سوء الإنترنت والهاتف الثابت".