إيطاليا تتخوف من زلزال مصرفي عنيف يطيح بحكومتها وبنوكها

01 سبتمبر 2016
مظاهرات في روما تطالب بإنقاذ البنوك (Getty)
+ الخط -

تنحدر إيطاليا، هذا البلد العريق الذي يمثل جوهرة ثمينة من جواهر الحضارة الغربية، بعجلة متسارعة نحو الكساد الاقتصادي، رغم الضمانات التي توفرها المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي.
وتأتي توقعات الكساد على خلفية أزمة المصارف المستعصية على الحل حتى الآن، حسب محللين، وتهدد مستقبل حكومة رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي.
فإيطاليا التي ضربها زلزال قاس الشهر الماضي، ودمر مدينة رييتي الصغيرة في منطقة الوسط وأودى بحياة 120 شخصاً وحول مساكنها الى ركام، تتعرض منذ مدة لزلزال مصرفي كبير وامتحان اقتصادي صعب.

وتشير بيانات "يوروستات"، المنظمة الأوروبية المسؤولة عن إصدار الإحصاءات الأخيرة، إلى أن نسبة البطالة في إيطاليا، بلغت 11.6%، لكن البطالة بين الشباب أكبر من هذا الرقم بكثير، حيث بلغت 36.5%.
كما ارتفع حجم الدين العام إلى 135% من إجمالي الناتج المحلي، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في أبريل/ نيسان الماضي.
وفي مقابل هذه البطالة المرتفعة والديون المتضخمة، يقدر صندوق النقد الدولي ألا يتجاوز معدل النمو الاقتصادي بإيطاليا 0.9% خلال العام الجاري و1% خلال العام المقبل.
وبلغ حجم الاقتصاد الإيطالي وفقاً لأرقام" تريدنغ إيكونومكس" للإحصائيات الاقتصادية حوالي 1.814 ترليون دولار في العام الماضي 2015.

لكن مشكلة إيطاليا، أنها تنمو منذ مدة بمعدل ضئيل يقل عن 1%، في الوقت الذي تنمو فيها حجم الديون وتتزايد التزامات دولة الرفاه والإعانات، وسط تزايد أعداد البطالة وانخفاض الدخل الضريبي.
وسط هذا الكساد تواجه إيطاليا أزمة ديون القطاع المصرفي التي تمثل صداعاً دائماً لحكومة رئيس الوزراء ماتيو رينزي، وربما تكون القشة التي ستقصم ظهر البعير في الاستفتاء المقبل بعد شهرين، رغم التفاؤل الكبير الذي دخل به رينزي رئاسة الوزراء في العام 2014.
ووعد رينزي لدى انتخابه، أنه لن يكون رئيس وزراء عابر مثل سابقيه، في إشارة الى ثلاثة زعماء تعاقبوا على رئاسة الوزراء الإيطالية خلال ثلاث السنوات التي سبقت انتخابه.




وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، سيذهب الشعب الإيطالي للتصويت على استفتاء مهم يحد من سلطات السنت "البرلمان" الإيطالي، ويتيح فرصة أكبر لإجراء تعديلات دستورية تساعد الحكومة على تمرير القوانين بمرونة أكبر من تلك المتوفرة حالياً.
ولكن في حال تصويت الشعب الإيطالي ضد هذه التعديلات، فربما يشكل هذا الاستفتاء بداية النهاية لحكومة رئيس الوزراء رينزي، لأن الاستفتاء تحول في الشارع الإيطالي وبسرعة خلال الشهور الأخيرة، من استفتاء لإصلاحات قانونية إلى استفتاء على مستقبل حكومته، مثلما حدث لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.

وما يدعم احتمالات تصويت المواطنين بكثافة ضد هذه الإصلاحات أن المواطنين، خاصة حملة السندات المصرفية يتخوفون من استغلال رئيس الوزراء للإصلاحات الدستورية في تمرير خطة إنقاذ البنوك الإيطالية وتحميلهم جزءاً من الخسائر الناجمة عن ضخامة الديون المتعثرة بهذه البنوك.
ويتوقع العديد من خبراء المصارف في بريطانيا، أن تكون أزمة المصارف الإيطالية السبب الرئيسي في سقوط حكومة رينزي الحالية، لأنها أزمة مستعصية في ظل قوانين منطقة اليورو التي أجيزت قبل عامين وتمنع الدولة من إنقاذ بنوكها، ما لم يوافق حملة الأسهم على تحمل جزء من الخسائر التي يتكبدها البنك.

وهذا يعني أن إنقاذ البنوك الإيطالية الذي لا بد من أن يحدث، سيكبد المواطنين في إيطاليا خسائر ضخمة.
وخلافاً لما هو شائع في بريطانيا ودول أوروبية أخرى، حيث تشكل الصناديق والمؤسسات الاستثمارية الكبرى، نسبة فوق 90% من حملة السندات المصرفية، يشكل المواطنون العاديون في إيطاليا، خاصة من المدخرين وأرباب المعاشات، معظم المستثمرين في سندات المصارف الإيطالية.
وكان هؤلاء المستثمرون يأملون في الحصول على دخل ثابت يعينهم في حياتهم المعيشية من ريع هذه السندات، لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن.

ويجد هؤلاء الإيطاليون الذين اشتروا سندات البنوك الإيطالية أمام خيار فقدان جزء من استثماراتهم في سبيل إنقاذ البنوك الإيطالية.
وتعيش البنوك الإيطالية منذ ثلاثة أعوام أزمة الديون غير العاملة، لكن ظلت الحكومة الإيطالية تتحايل عليها وتتعامل معها بترتيبات مع البنك المركزي الأوروبي.
وخلال الفترة الأخيرة وفي أعقاب الأداء السيئ للمصارف الإيطالية في اختبار قوة التحمل الأخيرة، بات من الضروري إنقاذها خلال الفترة المقبلة، وإلا شكلت كارثة بالنسبة للقطاع المصرفي في منطقة اليورو بأكمله، حسب خبراء.

في هذا الصدد، يقول أوليفر وايت الخبير الاقتصادي بشركة "فاثوم فاينانشيال" للاستشارات المالية في لندن: "إنني متشائم حول مستقبل البنوك الإيطالية في أعقاب الأداء السيئ الذي سجلته خلال اختبارات قوة التحمل الأخير".
ويرى خبراء مصارف أوروبيون، أن ترك البنوك الإيطالية تنهار، في بلد اخترع النظام المصرفي التقليدي المتعارف عليه حالياً، يمثل كارثة بالنسبة للنظام المصرفي بأكمله.
وبالتالي يشدد هؤلاء على ضرورة إنقاذ هذه المصارف من قبل الحكومة الإيطالية والبنك المركزي الأوروبي، لكن الكلفة ستكون باهظة، وربما يكون ضحيتها رئيس الوزراء الحالي ماتيو رينزي.

وخلال الـ12 شهراً المنصرمة، انخفضت أسعار أسهم المصارف الإيطالية بمعدلات حادة، وكانت سبباً في هبوط المؤشرات الرئيسية بمعدلات كبرى ببورصة ميلانو وروما في عدة مرات.
وحسب المؤشرات التي نشرتها نشرة "زيس إيز زي موني"، البريطانية، فإن مصرف يوني كرديت، أكبر البنوك الإيطالية، خسر حوالي 67% من قيمته خلال الـ 12 شهراً الماضية، كما خسر سهم مصرف "أنتيسا سان باولو"، ثاني أكبر البنوك الإيطالية نسبة 45% من قيمته، وخسر مصرف "دي باتشي دي سين"، قرابة 90% من قيمته.

وتقدر مصادر إيطالية حجم الديون غير العاملة، أي الرديئة، بحوالي 310 مليارات دولار.
ويرغب رئيس الوزراء الإيطالي في إنفاق 40 مليار دولار على إنقاذ البنوك الإيطالية المعرضة للانهيار، لكن المفوضية الأوروبية رفضت خطة الإنقاذ؛ لأنها ترغب في أن يعرض رينزي أولاً خطة لحجم الخسائر التي يتحملها حملة الأسهم.
وتتمثل معضلة رينزي في أن 45% من حملة السندات المصرفية المشكوك في تحصيلها تعود لمواطنين عاديين. وهذا يعني أن هؤلاء سيصوتون ضد أية تعديلات دستورية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وهو ما سيهدد عملياً مستقبله في رئاسة الوزراء الإيطالية.

وحتى الآن يدرس المركزي الإيطالي ومسؤولو المال في الحكومة الإيطالية كيفية إنقاذ المصارف الإيطالية من احتمالات الإفلاس أو سقوط بعضها على الأقل.
وكان رئيس الوزراء الإيطالي قد أثار موضوع إنقاذ البنوك الإيطالية مع كل من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عبر التغاضي عن بعض قوانين الخاصة بمعاقبة المستثمرين، في حال فشل أحد البنوك في اجتياز الاختبار أو انهياره. لكن المسؤولين الأوروبيين وعلى رأسهم المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، يرفضون ذلك.

ومن بين البنوك المرشحة للانهيار في إيطاليا بنك "مونتي دي باسكي دي سينا"، والذي يعد من أقدم المصارف في العالم.
وتقدر مصادر مصرفية في لندن، حاجة هذا البنك إلى رسملة جديدة تتراوح بين 3 إلى 6 مليارات يورو.



المساهمون