قبل أيام قليلة من اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، التي تعد الحدث الأهم للمجموعة المعنية بضبط معدلات النمو الاقتصادي، أظهرت ندوة عقدت بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أحد أهم مراكز الأبحاث في العالم، أن عدم التيقن، الناتج عن النزاعات التجارية التي يقودها دونالد ترامب ضد أكبر وأقوى الاقتصادات، هو المسؤول الأول عن تباطؤ الاقتصاد العالمي المسجل خلال الأشهر الأخيرة.
واعتبر المشاركون في الندوة، التي عقدت بمقر المركز بواشنطن العاصمة، أن اضطراب أحجام التجارة العالمية، وتعطل سلاسل التوريد حول العالم، وانخفاض الإنفاق الرأسمالي للشركات، هي العوامل الرئيسية وراء تباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي، متوقعين مزيداً من التباطؤ خلال العام 2020.
كما أكدوا أن أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) شكلت عبئاً على اقتصاد المملكة المتحدة، وأن قطاع التصنيع الألماني قد تضرر بصورة واضحة خلال الفترة الماضية. إلا أنهم توقعوا ألا يؤثر ذلك على النمو الاقتصادي لمنطقة اليورو. وأجمع المشاركون على استمرار انخفاض النمو في الصين.
وتزامنت ندوة مركز الأبحاث الشهير مع إعلان صندوق النقد الدولي عدم رضاه عن معدلات العائد السالب، التي ميزت التعاملات على نسبة كبيرة من السندات خلال الفترة الأخيرة. ويوم الثلاثاء، قالت البلغارية كريستالينا جورجيفا، رئيسة صندوق النقد التي تسلمت منصبها مطلع أكتوبر/ تشرين الأول، إنها طلبت من الفريق المعاون لها دراسة المخاطر المتوقعة على الاقتصاد العالمي من جراء العوائد السالبة للسندات الحكومية، في الوقت الذي يشهد فيه العالم تباطؤاً اقتصادياً في العديد من البلدان.
وفي حوار هانفي مع جريدة فاينانشيال تايمز، أعلنت جورجيفا، أن تحري مخاطر العوائد السلبية سيكون من أهم خطواتها الأولى، داخل المؤسسة التي تتعرض للعديد من العواصف في اللحظة الراهنة.
ووفقاً لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية تجاوزت السندات التي تدفع عوائد سالبة لحائزيها ما قيمته 17 تريليون دولار، تمثل حوالي 30% من السندات ذات التقييم A، التي يطلق عليها استثمارية، وحوالي 17% من إجمالي السندات المصدرة في العالم.
وتتركز النسبة الأكبر من تلك السندات في الأسواق الأوروبية، وتحديداً في ألمانيا وإيطاليا، إلا أنها لم تقتصر على تلك التي تصدرها الحكومات، حيث أصدرت كل من نستله السويسرية، وسيمنز الألمانية، وشركات أوروبية أخرى، تقييمها الائتماني BB أو أقل، سندات تم تداولها بعوائد سالبة، وحالياً وصلت قيمة سندات الشركات ذات العواد السالبة لأكثر من تريليون دولار.
ويرى جيم بيانكو، الرئيس التنفيذي لمركز الأبحاث بيانكو ريسيرش، أن الاندفاع نحو سندات الشركات ذات العوائد السالبة يحمل في طياته مخاطر لم يعرفها المستثمرون من قبل. ويضيف أن "النظام المالي غير مهيأ للعمل في بيئة من العوائد السالبة. ولو استرد الاقتصاد عافيته، فستتجاوز الخسائر التي يتحملها المستثمرون أي خسائر تعرضوا لها من قبل".
وتقول جورجيفا، "لو كُتب علينا الاستمرار مع العوائد المنخفضة والسالبة لفترات طويلة، فيتعين أن ننظر إلى العواقب بصورة بها المزيد من الجدية، وأن نبحث عن الوسائل التي تمكننا من الخروج من ذلك الموقف".
وتأتي تصريحات جورجيفا في نفس اليوم الذي حذرت فيه من تراجع تقييمها للاقتصاد العالمي، بفعل التأثيرات الناتجة عن المخاطر السياسية والنزاعات التجارية، وبعد أقل من أربعٍ وعشرين ساعة من تحذيرات مشابهة من ديفيد مالباس، رئيس البنك الدولي، أبدى فيها تخوفه من عدم قدرة الاقتصاد العالمي على الوصول إلى معدل نمو 2.6%، الذي توقعه البنك قبل أربعة أشهر. وتوقعت جورجيفا "تباطؤ النمو في ما يقرب من 90% من دول العالم. الاقتصاد العالمي حالياً يشهد تباطؤاً متزامناً".
وتوقع صندوق النقد الدولي انخفاض معدل نمو الاقتصاد العالمي العام الحالي إلى 3.2%، إلا أن جورجيفا تؤكد أن هذه التوقعات سيتم تعديلها لتقييم أقل تزامناً مع اجتماعات الأسبوع المقبل لصندوق النقد والبنك الدوليين.
كذلك، أظهر محضر اجتماع بنك الاحتياط الفيدرالي، الذي عقد بواشنطن قبل ثلاثة أسابيع، وشهد تخفيض معدل الفائدة على أموال البنك بخمسٍ وعشرين نقطة أساس، والذي أفرج عنه يوم الأربعاء، أن اقتصاديي البنك حذروا من مخاطر وقوع الاقتصاد الأميركي أسيراً للمزيد من التباطؤ خلال العام القادم.
وجاء في المحضر أن النماذج الإحصائية للبنك، أظهرت تزايد احتمالات دخول الاقتصاد الأميركي في ركود على المدى المتوسط بنسبة كبيرة، بفعل المخاطر المترتبة على الحرب التجارية والنزاعات الجيوسياسية في الفترة الأخيرة.
وجاء في محضر اجتماع البنك أنه "على الرغم من أن القراءات في سوق العمل والاقتصاد الكلي ظلت قوية فقد ظهرت صورة أوضح للضعف المستمر في الإنفاق الاستثماري والإنتاج الصناعي والصادرات".
ورأى اثنان من المشاركين المعارضين للتسرع في تطبيق سياسات تيسيرية أنه "إذا طبق البنك المزيد من التسهيلات في المرحلة الحالية، فربما يعني ذلك أن اللجنة تقوم بالتأمين ضد الصدمات المحتملة في المستقبل بصورة مبالغ فيها، تاركة السياسة النقدية مع القليل من الأدوات التي يمكن استخدامها لتعزيز الطلب الكلي في حالة تحقق مثل تلك الصدمات".