أسواق السودان ترزح تحت الركود وارتفاع الأسعار

05 يوليو 2019
تراجع القدرة الشرائية للمواطنين (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
تعيش غالبية المواطنين السودانيين تحت ضغط معيشي كبير وسط استمرار الاعتصامات والتظاهرات، التي شلت الحركة التجارية والاقتصادية، وذلك من دون التوصل إلى حلول بشأن تشكيل الحكومة الجديدة التي أحدثت فراغاً دستورياً، ما خلق فجوة كبيرة في متابعة الأسواق التي تعاني من الفوضى والغلاء وعدم توافر السلع الأساسية.

ويمكن ملاحظة التفاوت في حجم المعاناة بين موظفي القطاعين العام والخاص من جهة، ومن يعملون في القطاع غير المنظم من جهة أخرى، إلا أن الهاجس بينهم مشترك، وهو غلاء الأسعار وضعف السيولة وتدهور القدرة الشرائية.

كذا، أثرت الظروف الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد منذ سنوات، على قدرة المواطنين في تلبية احتياجاتهم المعيشية وتوفير السلع والمستلزمات الاستهلاكية، وزاد الأمر سوءاً ارتفاع معدلات الفقر إلى مستويات عالية كانت تقدرها الحكومة السابقة بـ 46 في المائة من مجمل عدد السكان، وهو رقم بعيد من الواقع بحسب ما يقوله مختصون، الذين يقدرونها بأكثر من 75 في المائة من سكان السودان وفق المعايير الإحصائية المحلية، ويرتفع الرقم إلى 90 في المائة وفق المعايير العالمية.
يقول محمد، وهو موظف في إحدى مؤسسات القطاع الخاص، إن توفير كافة متطلبات أسرته الصغيرة تحول إلى ضرب من المحال.

يشرح الموظف أن موجة الغلاء التي اجتاحت الأسواق منذ مطلع العام الماضي فاقت قدرته المادية على الاحتمال، خاصة مع تواضع حجم الأجور وعدم كفايتها لتلبية المتطلبات المعيشية اليومية. ويضيف أن الارتفاع المطرد لتكلفة المعيشة وزيادة أسعار السلع، يلازمان يوميات السودانيين. ومع ارتباط كثير من السلع بالاستيراد بات الوضع أكثر صعوبة لتراجع قيمة العملة المحلية.

وفي جولة لـ "العربي الجديد" في عدد من الأسواق، يقول تجار إن جوال السكر الكبير (50 كيلوغراماً) وصل سعره إلى 1700 جنيه (الدولار يساوي 47 جنيهاً)، ورطل الشاي 60 جنيهاً، وأوقية البن 20 جنيهاً، واللبن المجفف 240 جنيهاً للعبوة زنة كيلوغرام واحد، و180 جنيهاً لعبوة الزيت الصغيرة، والكبيرة بـ 1500 جنيه.

في حين ينسحب ارتفاع الأسعار على السلع الحيوانية، بحيث وصل سعر كيلوغرام اللحم البقري إلى 300 جنيه، وطبق البيض 90 جنيهاً. كما تتباين أسعار الخضروات بين 20 و40 جنيهاً.

ويلفت عدد من التجار إلى أن أسعار الخضروات مستقرة وفي متناول يد المواطن، فيما تصاعدت تكاليف السكن والعلاج والتعليم إلى حد فاق القدرة على مجاراتها.

ويشير التاجر محمد عبد الباقي إلى أن الطلب على السلع لا يزال ضعيفاً، موضحاً أن بعض المواطنين وخاصة من ذوي الدخل المحدود، أصبحوا غير قادرين على توفير متطلبات الشهر دفعة واحدة، وبالتالي يقومون بشراء السلع على فترات متقطعة كل أسبوعين أو عشرة أيام.
ويؤكد عبد الباقي صعوبة تصريف البضائع بأقل من سعر الشراء، معتبراً أن البضائع الموجودة عند التجار بالأسواق تم شراؤها بسعر قديم ولا مجال لبيعها دون استرداد قيمتها.

ويشرح أن تسعيرة المصانع ومراكز التوزيع والوكلاء لم تشهد انخفاضاً منذ فترة، وبالتالي يضطر التاجر للبيع بأسعار مرتفعة وهذا ما يؤذي الأسواق ويساهم في تعميق الركود، إذ إن الأفضل للتجار والموزعين انخفاض السعر حتى يتم تصريف أكبر كمية ممكنة من البضائع.

ويلفت التاجر السوداني إلى أن ارتفاع الأسعار خلال الفترة السابقة لم يكن في صالح السوق، مشيراً إلى الكساد الذي ضرب التجارة وأصبحت كمية البضائع المبيعة أقل بكثير مما كانت قبل ارتفاع سعرها.

من جهتها، تقول الموظفة أم الحسن الزين، إن الموظفين لم يشعروا كثيراً بوطأة الأزمة كثيراً خلال شهر رمضان الماضي، لكن تزايدت المعاناة اليوم.

وتلفت إلى أن سلة العاملين التي تحوي السلع الرمضانية تم تخفيض قيمتها عقب التراجع الطفيف في الأسعار حينها، إذ تم تقدير قيمتها قبل شهرين بـ 6 آلاف جنيه، لكنها بيعت في رمضان بـ 5 آلاف جنيه، وتشمل السلة سلع السكر ونوعين من الدقيق والألبان المجففة والصابون والزيت والعصائر والأرز والعدس والتمر، واللحوم المبردة، على أن تسدد قيمتها بأقساط شهرية تخصم من راتب العاملين.
ويلفت المحلل المالي سيف اليزل التوم إلى أنه لأول مرة يحدث انخفاض في سعر الصرف قبل شهر رمضان، فكل عام في مثل هذا الوقت يرتفع سعر الصرف نسبة للطلب العالي على السلع الاستهلاكية وموسم العمرة والمسافرين لقضاء عطلات الصيف.

ويشدد على أن سعر الصرف في حاجة لاستقرار حقيقي بعدما عانى طوال السنوات الماضية من الاضطراب والضبابية.

ويعتبر التوم أن البنك المركزي في حاجة إلى منح قروض كبيرة لا تقل عن ملياري دولار دفعة واحدة لتحقيق استقرار نسبي في سعر الصرف.

ويطالب الخبير الاقتصادي بعدم الركون إلى المؤشرات قصيرة المدى في عمليات تحليل الأسواق، إذ إن المطلوب تحديد المشكلات الاقتصادية للقيام بعمليات الإصلاح الكلي.

ويشير التوم إلى توفر عدة مؤشرات تدعم التعافي الاقتصادي، ورهن ذلك بما ستتخذه الحكومة المرتقب تشكيلها من إجراءات ومدى فاعلية هذه التدابير.

وعقب انخفاض أسعار الدولار في الفترة الماضية، توقع مختصون وخبراء اقتصاديون انخفاض أسعار السلع بالمقدار ذاته، وهو ما لم يحدث.

وتباينت أراء المختصين والمسؤولين في قطاعات اقتصادية مختلفة حول عدم انخفاض أسعار السلع، منهم من اعتبر أن التضخم الحاصل مفتعل بسبب الاحتكارات، ومنهم من قلل من تأثيرات ارتفاع قيمة العملة المحلية على القدرة الشرائية التي تعاني من هبوط حاد يترافق مع تزايد التضخم في الأسواق.
وتصف الخبيرة الاقتصادية إيناس إبراهيم، ما يعانيه المواطن السوداني من ضائقة معيشية وغلاء أسعار السلع في الأسواق بانعكاسات "الفوضى". وترد هذا الأمر إلى تقاعس الجهات المختصة عن القيام بدورها، خاصة وزارة التجارة في ما يتعلق بمراقبة الأسواق.

وتقول إبراهيم إن الوزارة غائبة تماماً عن لعب الدور الرقابي المفترض، داعية السلطات والقائمين على تنظيم الأسواق في الولايات والمحليات بإعداد خطط تمكن من إيصال السلع الاستهلاكية للمواطنين بأسعار مناسبة وأن تحد من الفوضى والتضارب في تسعيرة السلعة بين محل وآخر.

وتشدد الخبيرة الاقتصادية على أن السياسات التي تم تطبيقها في السنوات الأخيرة تسببت في خلل اقتصادي كبير يعاني منه المواطن حالياً.

إذ منذ منتصف الشهر الماضي ارتفعت أسعار الصرف للعملة المحلية بنسبة 30 في المائة،  لكن ذلك لم يكن كافياً لانخفاض أسعار السلع الاستهلاكية باستثناء السكر حيث تراجع سعر الجوال الكبير 50 كجم إلى 1300 جنيه ثم عاود الارتفاع، فيما تباينت أسعار السلع الأساسية بين الثبات والانخفاض الطفيف، وشمل التراجع سلع السكر والدقيق والزيت والألبان المجففة والبصل بانخفاض هامشي، فيما ثبتت أسعار والشاي والأرز والعدس على المعدلات ذاتها.

ويوضح مختصون في أحاديث مع "العربي الجديد" أن الضائقة المعيشية التي يعاني منها المواطنون ترتبط بمشكلات الاقتصاد الكلي، وتتمثل إحدى أهم مشكلات البلاد في التزايد السنوي لمعدل الاستهلاك مع تناقص الإنتاج منذ فترة ليست بقصيرة. وهو ما يتجلى بالفعل في قطاع المشتقات النفطية، حيث أثر نقص الوقود المنتج في مصافي التكرير في زيادة أزمة الوقود في الأسواق.

أما مشكلة نقص الأوراق المالية فكانت عرضا لمشكلات أخرى، مثل ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية وتراجع قيمة العملة الوطنية بسبب المضاربات.
وسعى البنك المركزي السوداني لتقديم بعض الحلول، عبر التحكم في حجم السيولة المتوافرة في المصارف، إلا أن الأزمة لم تنته.

كما أدت مشكلات اقتصادية مركبة تعاني منها البلاد لإلحاق الضرر بالمستهلكين المحليين، كما تسببت سياسات حكومية بذات القدر من الأضرار تمثلت في تحويل الحكومة بعض الخدمات إلى سلع تباع للمواطنين ولم تفلح معالجات الدعم الحكومي في التخفيف من وطأة هذه المعاناة.
المساهمون