3 عقبات تواجه السعودية في تحقيق معدل الإنفاق الذي أعلنته في موازنة عام 2019، وهذه العقبات هي بناء الموازنة على مستويات مرتفعة جداً لأسعار النفط، وتوقعاتها لارتفاع الدخل غير النفطي، وسبل تمويل العجز في الموازنة.
على صعيد أسعار النفط، توقعت السعودية ارتفاع دخل النفط بنسبة 10% خلال العام المقبل من 607 مليارات ريال إلى 662 مليار ريال "أي نحو 177 مليار دولار" في عام 2019.
وهذه التوقعات للدخل النفطي مبالغ فيها وتخالف واقع السوق النفطي المتدهور، الذي ربما يدخل في دورة كساد خلال العام المقبل وسط فورة النفط الصخري والنزاعات التجارية، وفي أفضل التوقعات، فإن أسعار النفط ربما تراوح بين 60 و70 دولاراً، وذلك وفقاً لتوقعات معظم مصارف الاستثمار العالمية ومن بينها "غولدمان ساكس" وميريل لينش.
وحتى القلة القليلة من محللي أسواق الطاقة، الذين توقعوا ارتفاع أسعار النفط إلى 73 دولاراً للبرميل، فإنهم يضعون علامة استفهام كبرى حول التقديرات المرتفعة للدخل النفطي السعودي في موازنة عام 2019.
وهذا الرقم لسعر النفط، الذي بنت عليه السعودية موازنتها لعام 2019 والذي يقدره البعض بـ70 دولاراً وأخرين بـ84 دولاراً مرتفع كثيراً، حتى عن السعر الذي حسبت به موازنة عام 2018 الحالية، والبالغ 63 دولاراً للبرميل. ولكن يلاحظ أن سعر النفط في الموازنة الحالية وضع فيما كانت تسير دورة أسعار النفط نحو الارتفاع، أما الآن فإن أسعار النفط تسير في اتجاه نزولي، حيث تم التعامل في خام برنت حتى صباح الخميس 20 ديسمبر/كانون الأول في حدود 56 دولاراً.
ويرى أستاذ الرياضيات المالية البروفسور نسيم طالب، أميركي من أصل لبناني، في تغريدة على "تويتر"، في تعليقه على الموازنة السعودية، أن هذا الدخل النفطي الذي بنيت عليه الموازنة يحتاج إلى ارتفاع سعر النفط إلى 95 دولاراً للبرميل في العام المقبل.
وارتفاع النفط إلى 95 دولاراً يبدو شبه مستحيل إن لم يكن مستحيلاً فعلاً في العام المقبل، بناءً على معطيات السوق الحالية. والبروفسور طالب من عبقريي علم الرياضيات المالي في العالم، وتعتمد عليه العديد من شركات "وول ستريت" في توقعات المشتقات المالية. ومن المفترض أن تنتج السعودية في العام المقبل، وفقاً لاتفاق خفض الإنتاج الذي أقرته في فيينا بداية الشهر الجاري، 10.2 ملايين برميل يومياً.
وفي ذات الإطار، يرى الخبير خافيير بيير في تغريدة على "تويتر"، أن السعودية تتوقع ارتفاع الدخل النفطي من هذا الإنتاج إلى 177 مليار دولار، مقارنة بمستويات دخلها في العام الجاري الذي يقدر بنحو 162 مليار دولار.
لكن يلاحظ أن دخل العام الجاري ارتفع بسبب ارتفاع إنتاج السعودية في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، إلى أعلى من 11.2 مليون برميل يومياً. وحدث ذلك في وقت كانت فيه أسعار النفط مرتفعة إلى أكثر من 80 دولاراً. وهذا هو السرّ الذي رفع من دخل السعودية النفطي في العام الجاري 2018.
أما بالنسبة للعام المقبل، فإن السعودية ستكون مرتبطة بسقف إنتاج محدد بـ 10.2 ملايين برميل حسب اتفاق "أوبك" وروسيا، كما أن أسعار النفط تواصل الهبوط، ومن ثم سيكون من الصعوبة عليها أن تتمكن من تحصيل هذا الدخل المرصود في حجم الإنفاق السعودي.
أما العقبة الثانية التي تواجه السعودية، فهي تمويل العجز في الموازنة المقدر بنحو 35 مليار دولار. ويلاحظ أنه قبل اغتيال الصحافي جمال خاشقجي والشكوك التي أثيرت في "رؤية 2030" للتحول الاقتصادي، كانت البنوك العالمية والمستثمرون متحمسين للدخول في شراكات تجارية مع السعودية.
لكن في أعقاب هذه الجريمة البشعة، يرى البروفسور نسيم، أن مصارف الاستثمار العالمية التي رفض معظمها حضور منتدى "دافوس في الصحراء" الذي عقد في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي،، ربما لا تقرض الرياض، وسط أوضاعها المالية المتدهورة والشكوك المثارة حولها . ولكن حتى في حال إقراضها، فربما تتعرض للابتزاز وسيكون الإقراض بسعر فائدة مرتفع جداً وتأمين عال كذلك على أدوات الدين السعودية.
أما على صعيد الدخل غير النفطي، الذي يعتمد بدرجة رئيسية على القطاع الخاص والرسوم التي تجبيها وزارة المالية من العمال الأجانب، فكيف يمكن للسعودية زيادة دخل القطاع الخاص، فيما تهرب الاستثمارات السعودية إلى خارج المملكة وبسرعة مذهلة.
وقدّر مصرف "جي بي مورغان الأميركي"، حجم الأموال التي هربت من السعودية خلال العام الجاري بنحو 90 مليار دولار. ويلاحظ أن كبار رجال الأعمال في السعودية باتوا يتفادون المشاركة في مشاريع حكومية أو حتى إظهار ثروتهم في أعقاب اعتقالات الريتز.
وذلك ببساطة لأنهم يتخوفون من المساءلات والاعتقال، أو حتى تجميد أموالهم. وفي ذات المنوال يهرب المستثمرون الأجانب من البورصة السعودية. وقد وثقت وكالة بلومبيرغ الاقتصادية الأميركية هذا الهروب في مجموعة من التقارير، ومن ثم فإن زيادة الدخل غير النفطي الوارد في الموازنة السعودية من الصعب أن يتحقق عبر القطاع الخاص ومشاريعه أو حتى من الاستثمارات المحلية أو الأجنبية.
يبقى إذن احتمال تحقيق هذا الدخل المرصود في الموازنة، من الرسوم التي تحصل عليها المملكة من العمال الأجانب أو من زيادة ضريبة "الفات" أو زيادة تعرفة الخدمات.
على صعيد رسوم العمالة الأجنبية، شهدت السعودية خلال العام الجاري موجة هروب ضخمة للعمال والموظفين الأجانب من السعودية قدرت بنحو 800 ألف شخص. وهذا يعني أن هؤلاء المغادرين الذين دفعوا رسوماً للدولة خلال العام الجاري لن يكونوا موجودين في العام المقبل. ومن ثم ستنخفض الرسوم المحصلة من العمال الأجانب خلال العام المقبل بنسبة كبيرة. ويبقى الخيار الوحيد لرفع الدخل غير النفطي في الموازنة هو رفع سعر الخدمات العامّة مثل الوقود والكهرباء.