يتحدث الجميع عن ضرورة استقرار ليبيا من الناحية الأمنية والسياسية، وهناك أطراف عدة، منها دول ومنظمات أممية وإقليمية تتحدث عن ضرورة وضع نهاية سريعة للحرب الأهلية الدائرة في ليبيا منذ سقوط معمر القذافي في عام 2011، وعن ضرورة الحد من المخاطر الجيوسياسية التي أدخلت البلد العربي والأفريقي في نفق مظلم منذ سنوات.
نفق حوّل حياة المواطن إلى جحيم لا يُطاق، وأدى إلى انهيار الاقتصاد والعملة المحلية الدينار، وهروب الأموال، وهجرة الكفاءات إلى الخارج، وأدى كذلك إلى ضياع مليارات الدولارات في البنوك الغربية بسبب عجز الحكومات المتعاقبة عن تتبعها واعادتها لانشغالها في الحرب الأهلية المستعرة والصراعات الداخلية.
لكن يبدو أن كل الأطراف التي تلعب في ليبيا حالياً تريد استقرار البلاد حسب مقاسها ومعاييرها ومصالحها الخاصة والضيقة، لا حسب تطلعات الشعب الليبي نفسه، رغم أنها تدرك أن استقرار ليبيا يبدأ من مغادرة كل الأطراف المتصارعة أراضيه وترك الليبيين يقررون مصيرهم ومستقبلهم السياسي بأنفسهم دون تدخل أو ضغوط أو وصاية من أحد.
وبغضّ النظر عن الأهمية الشديدة لعودة الاستقرار إلى ليبيا من الناحية الجيوسياسية، سواء للدولة النفطية العربية نفسها أو لدول المنطقة والدول المحيطة، بما فيها دول جنوب أوروبا وشمال أفريقيا، فإن عودة الاستقرار إلى ليبيا مهم جداً من الناحية الاقتصادية لكل الأطراف اللاعبة والمتصارعة في ذلك البلد الممزق، بل وقد يمثل هذا الاستقرار حلاً للأزمات الاقتصادية والمالية التي تعاني منها معظم تلك الدول.
مصر مثلاً أكبر المستفيدين من عودة الاستقرار إلى ليبيا. فالسوق الليبية تمثل فرصة ذهبية للاقتصاد المصري على عدة مستويات، أبرزها حاجة تلك السوق الشديدة للمنتجات والصادرات المصرية بكل أنواعها، وبالتالي قد تؤدي ليبيا دوراً مهماً في زيادة تلك الصادرات، أبرز مورد للنقد الأجنبي، وتعويض مصر عن الأسواق الخارجية التي فقدتها في السنوات الأخيرة بسبب الحروب وزيادة القلاقل في تلك الأسواق، ومنها العراق وسورية واليمن.
كذلك، تمثّل ليبيا فرصة ذهبية أيضاً للعمالة المصرية التي عادت من دول الخليج والعراق بسبب الأوضاع المالية التي تمرّ بهذه الدول نتيجة تهاوي أسعار النفط وتداعيات فيروس كورونا الخطيرة، وبالتالي الحد من البطالة داخل مصر.
وفي حال استقرار ليبيا، فإنها ستجذب آلافاً من شركات المقاولات والبناء والتشييد المصرية للمشاركة في إعادة اعمار ليبيا، بل ستمثل فرصة لكل أنواع الشركات، لأن ليبيا سوق بكر بحاجة إلى كل الخبرات المتاحة، خاصة أنها تشهد تدهوراً في كل شيء.
تدهوراً ليس فقط بسبب الحرب الأهلية الدائرة منذ سنوات، ولكن بسبب سياسة القذافي التي حولت دولة نفطية كبرى ثرية الموارد إلى واحدة من أفقر دول المنطقة والأسوأ من حيث البنية التحتية والقطاعات الاقتصادية، ومنها الصناعة، وحولت الليبي إلى مواطن فقير لا يفرق حاله كثيراً عن حال مواطني الدول الفقيرة قلية الموارد.
ومع إعادة بناء الجيش الليبي الممزق والمنقسم ما بين طبرق وطرابلس، فإنه يكون بحاجة ملحة إلى الخبرات والمعدات العسكرية المصرية، وكذا إلى السلاح المصري سواء من مصانع وزارة الإنتاج الحربي أو الهيئة العربية للتصنيع.
هذا عن المزايا المباشرة للاقتصاد المصري، وهناك مزايا أخرى منها مثلا تدفق الليبيين على مصر للسياحة والتعلم والعلاج، وكذا ضخ مليارات الدولارات للاستثمار في مصر، وفتح حسابات في البنوك المصرية ورفدها بالنقد الأجنبي، وضخ استثمارات في البورصة المصرية كما كان يحدث قبل العام 2011.
وقد يمتد الأمر أيضا إلى قيام مصرف ليبيا المركزي بمنح نظيره المصري وديعة أو قرضا دولاريا بدون عائد أسوة بما حدث في شهر مارس 2013، وهو ما يساهم في تغذية احتياطي مصر من النقد الأجنبي.
النتيجة النهائية هنا أن استقرار ليبيا ينعش الاقتصاد المصري بالسيولة الدولارية، ويغذي احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، خاصة إذا ما علمنا أن إيرادات مصر من السوق الليبية في فترة حكم القذافي كانت تتجاوز الملياري دولار سنوياً ما بين تحويلات للعمالة وحصيلة الصادرات وشركات المقاولات.
من بين الدول المستفيدة أيضاً من استقرار ليبيا، تونس والجزائر والمغرب والسودان وتشاد والنيجر وغيرها من الدول العربية والأفريقية، إذ إن ليبيا ستمثل فرصة أمام العمالة والصادرات والشركات العاملة في هذه الدول، وبالتالي يجب أن تدعم هذه الدول وغيرها استقرار ليبيا، إن لم يكن لأسباب سياسة وأمنية بحتة، فلأسباب اقتصادية أيضاً.
كذلك فإن استقرار ليبيا يعني عودة الشركات الفرنسية والألمانية والإيطالية والبريطانية والأميركية وغيرها للعمل في البلد الواعد اقتصادياً، خاصة في قطاعات مثل الطاقة والصناعات المختلفة والبنية التحتية وغيرها.