بينما يتزايد الغضب الأميركي من الرياض وتتزايد الأصوات المطالبة بمعاقبتها داخل الكونغرس وخارجه على خلفية انهيارات أسعار النفط، تتعمق ورطة السعودية النفطية والمالية وربما تواجه أزمة علاقات مع العديد من الدول والشركات النفطية في المستقبل. ومن غير المعروف حتى الآن كيف ستتعامل الرياض مع شحنات النفط العائمة التي تتجه نحو الشواطئ الأميركية، ولمن تبيعها وكيف ستفعل مع صنابير النفط التي فتحتها على مصراعيها خلال الشهر الماضي في إطار حربها النفطية مع روسيا؟
وحسب المشاهدات فإن السوق النفطية لم تصبح سوقاً لبيع النفط والحصول على مقابله دولارات وإنما سوقاً يدفع فيها البائع عشرات الدولارات في سبيل التخلص من الشحنات العائمة، التي تكلفه يومياً أثمان الشحن والتأمين. وهي كلف تصل إلى أكثر من 350 ألف دولار يومياً حسب تقديرات خبراء بتجارة الخامات النفطية.
وحسب معطيات السوق النفطية، فإن العقد النفطي الواحد في السوق الآجلة يساوي 1000 برميل، وهو ما يعني أن الشركات النفطية سواء كانت شركات النفط الصخري أو أرامكو السعودية ستضطر لدفع كلف الشحن والتأمين لأيام ثم ربما ستدفع زائداً على ذلك آلاف الدولارات عن كل عقد لمن يخلصها من الشحن النفطية، وذلك في حال تكرار مذبحة "الأسعار السالبة" في يوم الأثنين الماضي.
وقالت النشرة التي تعنى بشؤون الكونغرس، إن أعضاء الحزب الجمهوري من ولاية تكساس غاضبون جداً من السعودية. وفي مؤتمر استمر لساعتين عبر "الفيديو كونفرنس"، عبر سياسيون ورجالات من الصناعة النفطية من ولاية تكساس عن غضبهم للسفيرة السعودية بواشنطن ريم بنت بندر بن سلطان وقالوا لها، " لماذا نرسل رجالات من جيشنا للدفاع عنكم من الهجمات الإيرانية إذا كنتم تهاجمون اقتصادنا النفطي".
وفي ذات الشأن، قال السناتور تيد كروز من ولاية فلوريدا، في تغريدة ،" 20 ناقلة سعودية تحمل 40 مليون برميل من الخامات النفطية تتجه نحو أميركا... العقود المستقبلية ستنهار وسنخسر ملايين الوظائف". وأضاف كروز، " رسالتي للسعوديين أرجعوا هذه الناقلات".
من جانبه ينشط الملياردير هارولد هام الصديق الشخصي للرئيس ترامب وسط رجالات الكونغرس لاتخاذ قرارات عقابية ضد السعودية.
وترى شركة وود ماكينزي" الأميركية، أن خزانات النفط بمنطقة كاشينغ في أوكلاهوما ربما سوف تمتلئ تماماً في منتصف مايو المقبل، وبالتالي لن تجد هذه الشحنات السعودية من يشتريها وربما ستضطر شركة أرامكو للتخلص منها وتدفع للمشترين مثلما فعلت الشركات الأميركية التي دفعت يوم الإثنين الماضي حوالى 37 دولاراً للبرميل وفي بعض التعاملات 40 دولاراً حتى تتمكن من التخلص من الشحنات النفطية لعقود مايو/ أيار.
في هذا الشأن، قال وارن باترسون المحلل النفطي بمصرف "آي أن جي" الهولندي في تحليل على موقع المصرف، "من المحتمل أن يكون وضع التخزين أسوأ هذه المرة"، أي لعقود يونيو/ حزيران. ولم يستبعد محللون أن يتم التخلص من بعض عقود يونيو بمبالغ أعلى من نظيرتها عقود مايو.
وحتى بنهاية يوم الثلاثاء الماضي، ارتفع حجم النفط العائم في البحار على ظهر الناقلات النفطية إلى 250 مليون برميل، حسب ما ذكرت بيانات شركة كلاركسونز الأميركية للوساطة. وكانت توقعات سابقة وضعت لها 160 مليون برميل.
وحسب هذه المعطيات، فإن الشحنات السعودية المتجهة إلى شواطئ الولايات المتحدة ستواجه ورطة حقيقية، كما أن مستقبل الإنتاج النفطي في السعودية ربما يواجه خلال الشهور المقبلة اختباراً صعباً وتتزايد خسائر شركة أرامكو التي تكبد المستثمرون في أسهمها خسائر فادحة خلال الشهور الماضية.
ويضغط أعضاء بالكونغرس على دونالد ترامب لفرض ضريبة على النفط السعودي الذي يصل إلى الشواطئ الأميركية، إضافة إلى منعه من الدخول إلى الولايات المتحدة. وفي حال حدوث ذلك فإن الرياض ربما تضطر لتحويل وجهة الناقلات النفطية إلى آسيا لترتفع الخسائر أكثر. ولا يستبعد محللون أن تستفحل أزمة أرامكو خلال الفترة المقبلة، وتضطر السعودية لإغلاق حقول نفطية عملاقة.
في هذا الشأن، قال مسؤول سعودي بشركة أرامكو لصحيفة "وول ستريت جورنال" يوم الأربعاء، " السعودية تواجه في الوقت الراهن خيار إغلاق حقول نفطية مثل حقل غوار لأنها لا تجد مشترين".
وحقل غوار هو أكبر حقل في العالم ويقع بالقرب من مدينة الأحساء شرقي السعودية، ويقدر حجم إنتاجه اليومي بنحو 5 ملايين برميل يومياً. وإغلاق حقل بهذا الحجم ثم إعادة تشغيله مرة أخرى سيكون مكلفا جداً بالنسبة لأرامكو، إذ إن إغلاق الحقول عادة ما يتسبب في خسارة بعض الإنتاج لدى إعادة الفتح مرة أخرى.
وتقول في هذا الصدد، اليزابيث غيربيل الرئيسة التنفيذية لشركة "إي أيه جي" الأميركية لخدمات حفر الآبار، "إذا أغلقت بئراً نفطية ثم حاولت إعادة فتحها مرة أخرى بالتأكيد ستحتاج لوضع استثمارات فيها لتعود لنفس الإنتاجية السابقة قبل الإغلاق".
من جانبها تقول المحللة النفطية بشركة " رايستاد أنيرجي" النرويجية، تيودرا كاوي، "عملية إغلاق الإنتاج مؤلمة ومكلفة لأي مشغل للحقول النفطية، وبالتالي تفضل بعض الشركات الإنتاج بالخسارة لفترة من الزمن بدل إغلاق الحقل".
على الصعيد السياسي والعلاقات النفطية، يلاحظ أن السعودية عبر قرارها بإغراق السوق، خسرت جميع شركات الطاقة والدول النفطية وحتى الدول التي لم تعبر عن غضبها، فإنها تكبدت خسائر باهظة ضاعفت من الخسائر التي تكبدتها من جراء عمليات الإغلاق بسبب الفيروس التاجي.
ومن غير المعروف كيف ستتمكن الرياض مستقبلاً من قيادة منظمة الدول المصدرة للنفط، "أوبك"، حيث ينظر لها بأنها ساهمت في تخريب السوق النفطي وسببت أزمات مالية لهذه الدول النفطية في وقت كانت في أمس الحاجة للمال. ومن المتوقع أن ينعكس انهيار أسعار النفط على جميع الدول العربية والآسيوية التي كانت تعتمد على العمالة الوافدة ومداخيل المهاجرين في السعودية ودول الخليج في الحصول على العملات الصعبة وتخفيف أعباء معيشة العائلات.
أما على صعيد الاقتصاد السعودي، فقد أدى انهيار أسعار النفط إلى ضربة موجعة مالياً للرياض، حيث ضرب الانهيار أسهم شركة أرامكو والشركات السعودية والمصارف التي تعتمد على الدخل النفطي والإنفاق السعودي في الانتعاش. ويذكر أن السعودية تحتاج إلى أسعار نفط فوق 70 دولاراً لبرميل برنت لتغطية الإنفاق في ميزانية العام الجاري 2020. وتتجه السعودية لتغطية النفقات في الميزانية عبر الاستدانة المصرفية في وقت تتزايد فيه الشكوك حول قدرتها على خدمة ديونها.