الربيع التونسي يترقب إصلاحات اقتصادية بدون اضطرابات

20 يونيو 2015
احتجاجات سابقة في تونس ضد البطالة (أرشيف/Getty)
+ الخط -

حتى الآن، نجحت تونس في إشعال فتيل الثورات العربية، ونجحت في القضاء على حكم الديكتاتور زين العابدين بن علي، كما نجحت في وضع دستور يؤسس لحكم ديمقراطي واختيار حكومة عبر الاقتراع الحر.

وهذا معدل هائل من النجاح، مقارنة بدول الربيع العربي الأخرى، التي انزلقت إلى الفوضى التامة والحروب الدامية، مثل ليبيا واليمن وسورية، أو العودة إلى الانقلابات والحكم الديكتاتوري، كما نشاهد حالياً في مصر.

لقد تمكنت تونس، خلال الأربع سنوات التي تلت التغيير، من إحداث استقرار سياسي نسبي، مقارنة بالفوضى والحروب الأهلية التي تضرب المنطقة العربية، ولكن هل يثمر ربيع تونس السياسي اقتصادياً؟ سؤال مهم يطرح حالياً في تونس التي يعاني شعبها من ضائقة اقتصادية، ولا يجد المساعدة الكافية من المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، مثلما وجدت دول "الربيع الأوروبي"، حينما ثارت على الشيوعية وانفصلت عن "الإمبراطورية الحمراء".

وفيما منح صندوق النقد الدولي 40 مليار دولار لأوكرانيا، التي تماطل في تسديد ديونها للمقرضين، وأقرض دول أوروبا الشرقية بسخاء في التسعينيات التي شهدت تحولها من الشيوعية إلى الديمقراطية، يرفض إقراض تونس مبالغ ضئيلة لا تتعدى قيمتها 1.75 دولار، ما لم تجر إصلاحات عاجلة وتوافق على شروط متشددة يمكن أن تهدد الاستقرار السياسي الهش.

وحسب بيان الصندوق المنشور على موقعه، بداية الشهر الجاري، فإن الصندوق وافق على إمهال تونس حتى نهاية العام الجاري لتنفيذ شروطه الخاصة بإصلاحات النظام المالي، وضبط الاختلالات في الموازنة العامة، وتحرير النظام المصرفي وباقي الأنشطة الاقتصادية.

ويرى اقتصاديون أن أولوية تونس في الوقت الراهن يجب أن تُعطى للاستقرار السياسي، وليس لتنفيذ برنامج تقشف، لأن الاستقرار السياسي هو عماد النجاح الاقتصادي. بدون الاستقرار السياسي، سيكون من الصعب جذب استثمارات دولية في تونس لاستخراج ثروات النفط والغاز الكامنة أو إنعاش السياحة أو حتى تدريب الموارد البشرية الشابة والمتعلمة في تونس وتحويلها من كم خامل إلى كم فاعل في ماكينة الإنتاج التونسي.

وبالتالي، فإن ضغوط الصندوق على تونس في هذه الفترة الهشة من التحول السياسي، ربما تقود إلى تخريب التحول الديمقراطي، أكثر منها مفيدة اقتصادياً. فتونس تحتاج إلى دعم مالي متواصل وتسهيلات مالية غير مشروطة من الصندوق حتى تتجاوز هذه الفترة الخطرة.

اقرأ أيضاً: المؤسسات المالية الدولية تضغط على تونس..لا قروض بلا إصلاحات

ويرى اقتصاديون أن تونس ليست بحاجة حالياً إلى برامج إصلاحات تقود إلى تقشف في الإنفاق، وإنما بحاجة ماسة إلى إنشاء شركات مشتركة صغيرة ومتوسطة بين تونس وشركات أميركية وأوروبية، حتى تستطيع خلق الفرص الوظيفية لجيل الخريجين ونقل التقنية والخبرات الغربية إلى السوق التونسي. وهذه الشركات يمكن أن تمول من عدة مؤسسات دولية.

في هذا الصدد، يقول الاقتصادي حافظ غانم "رغم النجاحات التي حققتها تونس، إلا أنها تمر بمنعطف خطير تحتاج فيه إلى المساعدة، حيث إن العنف والنزاع يمكن أن يدخل تونس في دائرة خطيرة".

ويلاحظ اقتصاديون غربيون "أن ثورة الربيع العربي" التي أشعلت شرارتها تونس، لم تكن ثورة سياسية بحتة تطالب بالديمقراطية، وإنما كانت كذلك ثورة تطالب بتحسين مستويات المعيشة، وتوفير الوظائف، والتدريب بعد التعليم".

وبالتالي، فإن الجماهير التي صنعت الثورة قبل أربع سنوات تريد أن ترى ثمار تضحياتها، لا أن تواجه بضغوط التقشف التي يفرضها صندوق النقد الدولي".


 
ومنذ عام 2010 يواجه الاقتصاد التونسي التباطؤ المستمر، ويشهد الوضع الاقتصادي والاجتماعي تدهوراً متواصلاً. حيث نما الاقتصاد التونسي بمعدل 2.4% خلال العام الماضي، وتشير إحصائيات صندوق النقد والبنك الدوليين إلى أن نسبة البطالة بين الشباب ارتفعت من 28.3 إلى 31.2% خلال عام 2013. كما أن القطاع الخاص لم يتمكن من النمو بنسبة كافية تمكنه من امتصاص البطالة المتفشية بين خريجي الجامعات.

وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الوظائف الجديدة التي تستحدث في تونس منذ الثورة لم يتجاوز عددها سنوياً 35 ألف وظيفة، مقارنة بعدد الخريجين الذي يبلغ سنوياً 60 ألف خريج.

وبالتالي، فإن البطالة بين الشباب ربما تصبح قنبلة قابلة للانفجار في وجه النظام الديمقراطي الجديد إذا انضمت إليها نقابات العمال التي ستتأثر بأية إصلاحات جديدة تنفذها الحكومة بناء على شروط صندوق النقد الدولي. كما أن هذه البطالة يمكن كذلك أن تستغلها الجماعات المتطرفة التي فشلت، حتى الآن، في ضم تونس إلى فضاء الفوضى المفتوح في ليبيا.

صحيح أن الإصلاح مهم للنمو الاقتصادي ورفع تنافسية أداء تونس على الصعيدين الداخلي، من حيث بناء صناعات قوية وقادرة على المنافسة، وخارجياً من حيث قوة تنافسية الصادرات مع المنتجات العالمية الأخرى.

ولكن يجب على الصندوق أن ينتظر ثبات تجربة "التحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية". فالدكتاتورية التي حكمت تونس منذ عقود الاستغلال، لا يمكن أن تنتهي في عامين أو ثلاثة.

وها هي الضغوط المالية اضطرت الحكومة التونسية إلى إلغاء مصادرة أملاك الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، وعائلته وعدد من رجال الأعمال المستفيدين من النظام السابق. وبالتأكيد، فإن قرارا مثل هذا يمكن أن يعيد الحرس القديم في عهد المخلوع زين العابدين بن علي إلى السيطرة على الاقتصاد التونسي مرة أخرى.

ربما لا تكون تونس دولة غنية مثل جيرانها، ليبيا والجزائر، ولكن بالتأكيد دولة غنية بمواردها البشرية وثرواتها الكامنة، ويمكن أن تتحول إلى دولة نفطية وصاحبة صناعة غازية في المستقبل القريب.

وحسب إحصائيات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، تتوفر لدى تونس احتياطات من الغاز الصخري القابل للاستخراج تقدر بحوالى 23 تريليون قدم مكعبة وحوالى 1.5 مليار برميل من النفط.

وتنتج تونس حالياً حوالى 60 ألف برميل من النفط يومياً، ويمثل الدخل النفطي نسبة 4.1% من إجمالي الناتج الإجمالي، وتضاف ثروة الطاقة هذه إلى ثروة الفوسفات وثروات أخرى كامنة.


اقرأ أيضاً: ضغوط دولية بإجراء إصلاحات اقتصادية.. تونس بين نارين