لو أحصى أحد التصريحات الصادرة عن وزيرة الاستثمار المصرية، سحر نصر، عن الاستثمارات الأجنبية الضخمة التي جذبتها الحكومة، لظن أن البلاد تعوم على مليارات الدولارات المتدفقة من الخارج.
ولو تدفقت هذه الاستثمارات التي تعلن عنها الوزيرة من وقت لأخر لتغلبت الحكومة على الأزمة الاقتصادية والمالية للبلاد، وتحسنت قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، وتأسست مئات المصانع العملاقة، وعشرات الآلاف من المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تساهم في توفير فرص عمل لملايين الشباب العاطل وتحد من البطالة والواردات وتزيد الصادرات.
لكن التصريحات الإعلامية الرسمية شيء، والأرقام والواقع شيء أخر، فالأرقام الصادرة عن البنك المركزي المصري تشير إلى تراجع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر خلال العام المالي الماضي 2017-2018 إلى نحو 7.7 مليار دولار مقابل نحو 7.9 مليار دولار خلال عام 2016-2017، علما بأن سحر نصر توقعت جذب استثمارات بقيمة 12 مليار دولار خلال العام الماضي.
والأرقام تشير أيضا إلى تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاع غير النفطي بالاقتصاد المصري في الربع الثاني من العام الجاري إلى أدنى مستوياته منذ الفترة التالية مباشرة لبدء تطبيق خطة الاصلاح الاقتصادي التي يدعمها صندوق النقد الدولي منذ نوفمبر 2016.
والأرقام تشير إلى أن مصر جذبت استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 600 مليون دولار إلى القطاعات غير النفطية في الربع الثاني من العام (ابريل - يونيو)، مقابل 956 مليون دولار في الربع الأول ( يناير - مارس) و1.51 مليار دولار في الربع الأخير من العام 2017.
والواقع يقول إن الاستثمارات التي تم الإعلان عن جذبها في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي مارس/ آذار 2015 مثلاً، والبالغة قيمتها 175.2 مليار دولار، لم تأت بعد، بل ولم يأت 10% منها، وما تدفق من استثمارات على البلاد منذ الإعلان عن حصاد المؤتمر كان أغلبها موجهاً للبترول والغاز، وهو قطاع مهم للاقتصاد لكنه لا يوفر فرص عمل، وتذهب نصف عائدات هذه الاستثمارات للمستثمر الأجنبي، وأن ما تدفق على البلاد أيضا من أموال كان معظمه عبارة عن قروض رفعت حجم الدين الخارجي لحاجز المائة مليار دولار.
والواقع يقول أيضا إن الحكومة تتوسع بشكل غير مسبوق في الاقتراض الخارجي، وأحدث مثال على ذلك توقيع اتفاق مع البنك الدولي أمس الأحد تم بموجبه اقتراض مليار دولار، وهناك شريحة خامسة من قرض صندوق النقد لدولي ستصل بداية شهر يناير/ كانون الثاني المقبل، كما أعلنت وزارة المالية عن اقتراض 5 مليارات دولار من الأسواق الدولية في الربع الأول من العام القادم 2019.
مشكلة الاستثمارات الأجنبية والمحلية في مصر لا تكمن في قلة الفرص الاستثمارية المتاحة، فمصر تمتلك فرصاً واعدة، وهي من الدول القليلة في المنطقة التي تمتلك فرصا في كل القطاعات الاقتصادية، إضافة لامتلاكها مزايا أخرى منها الموقع الجغرافي والممرات المائية والكثافة السكانية والأيدي العاملة الرخيصة والمواد الخام والثروات الطبيعية، لكن الاستثمار في مصر بات مكلفاً.
ولذا يعزف العديد من رجال الأعمال عن ضخ استثمارات جديدة أو التوسع في الأنشطة القائمة، بل إن شركات كبرى باتت تتكبد خسائر فادحة بسبب زيادة التكاليف رغم زيادة مبيعاتها وانتاجها وصادراتها للخارج.
إنهم يقتلون الاستثمار في مصر بزيادة التكاليف والضرائب والقيمة المضافة والجمارك والرسوم ورفع كلفة الطاقة، خاصة الغاز والكهرباء، وزيادة أسعار الفائدة على القروض المصرفية التي تتجاوز 20% سنويا، إضافة للفساد والبيروقراطية، وتراجع الاستهلاك المحلي الذي يقلل الطلب على السلع والخدمات.