بشكل مفاجئ وبلا مقدمات، قررت قطر حظر الاستيراد من دول الحصار، بل واتخذت خطوة عملية لتطبيق القرار حينما أمرت وزارة التجارة القطرية الأسواق والمراكز التجارية في البلاد برفع وإزالة السلع الواردة من دول الحصار، وشددت الوزارة على أنها سترسل مفتشين للمرور على جميع منافذ البيع والمجمعات الاستهلاكية العاملة بالدولة للتأكد من إزالة ورفع البضائع المذكورة.
السؤال هنا: ما المغزى من قرار قطر مقاطعة منتجات وسلع الدول التي فرضت حصاراً شاملاً عليها قبل عام؟ ولماذا الآن؟ ولماذا صبرت الدوحة عاماً كاملاً حتى تتخذ قرارا من هذا النوع وبهذه الأهمية على الرغم من أن دول الحصار أتخذت قرارا مماثلا بمقاطعة سلع ومنتجات قطر منذ اللحظات الأولى لتطبيق الحصار؟
وهل القرار يأتي فقط على خلفية الذكرى الأولى لحصار قطر الجائر وما تثيره من ذكريات أليمة لدى القطريين، أم أنه يأتي على خلفية فقدان الجميع الأمل في إيجاد حل للأزمة الخليجية في المستقبل المنظور؟ أم أن القرار يأتي ليبعث برسائل عدة لكل الأطراف المعنية بالأزمة؟
في تقديري الشخصي، فإن توقيت إعلان الخطوة القطرية المتعلقة بمقاطعة سلع دول الحصار له مغزى، فالدوحة ربما تكون قد أرادت من خلال هذا القرار أن تبعث بخمس رسائل للداخل والخارج في العام الأول للحصار.
الرسالة الأولى:
المعاملة بالمثل، وأنه لا أحد يلوم قطر بعد اليوم بعد أن صبرت على المحاصرين لها سنة كاملة واحترمت تعاقداتها التجارية والاقتصادية والنفطية مع بعض دول الحصار وتحديدا الإمارات، وعام واحد يكفي من التسامح والتغاضي عن المقاطعة والحصار، وكما أشهرت دول الحصار أسلحتها الاقتصادية منذ اللحظات الأولى للحصار، فالدوحة أيضا لها أسلحتها الاقتصادية التي يمكن استخدامها في أي وقت يحقق مصالحها ومصالح شعبها، فلدى قطر مثلاً أسلحة عدة منها المقاطعة الاقتصادية والغاز وغيرها، "وكما تقاطعون سلعنا سنقاطعكم"، "وحتى لو لجأتم لدول ثالثة للتصدير لنا عبرها سنسد عليكم طريق الوصول لأسواقنا"، "وأنتم الخاسرون في النهاية وليس نحن".
فقطر نجحت ومنذ اللحظات الأولى للحصار في توفير احتياجات السوق المحلية خاصة من المنتجات الغذائية والسلع التموينية، كما نجحت في الدفاع عن عملتها الوطنية وقطاعها المصرفي والمالي، وفي أقل من عام نجحت الدوحة في تحويل مغرم الحصار إلى مغنم، والخسائر إلى فرص وتحديات واستقلالية في القرار.
وربما تريد قطر أن تقول لدول الحصار في تلك الأيام بالذات وفي الذكرى الأولى للحصار: "في النهاية أنتم الخاسرون بفقدان السوق القطري الذي يتمتع بقوة شرائية كبيرة بشهادة المؤسسات الدولية، كنا نستورد منكم بنحو 5 مليارات دولار سنوياً، الآن خسرتم هذا المبلغ".
الرسالة الثانية:
ربما يود صانع القرار الاقتصادي القطري إرسال رسالة أخرى من قرار مقاطعة سلع دول الحصار في الوقت الحالي مفادها أن الدوحة باتت أكثر قوة من الناحية الاقتصادية والمالية والتجارية، وبالتالي لم تعد بحاجة إلى سلع وبضائع وأسواق المحاصرين.
قطر بات لديها شركاء تجاريون واتفاقيات دولية متعددة، لديها ميناء يستقبل أكبر الحاويات في المنطقة، نجحت في زيادة صادراتها الخارجية وتحقيق فائض في الميزان التجاري السلعي، حافظت على احتياطي البلاد من النقد الأجنبي رغم المؤامرة الإماراتية التي تعرضت لها واستهدفت عملتها الوطنية وأدوات الدين خاصة السندات، وحافظت كذلك على صندوق الثروة السيادية البالغ حجمه ما يزيد عن 335 مليار دولار، باتت أكثر انفتاحا على العالم الخارجي.
وبعد أن كانت أسواق قطر تعتمد بشكل كبير على السلع السعودية والإماراتية، وكذا على المنتجات القادمة عبر جبل علي ومعبر سلوى الحدودي، باتت السلع تتدفق على أسواق الدوحة وغيرها من المدن القطرية من كل حدب وصوب، وباتت الأسواق الخارجية تتنافس على مستهلكيها، وبات لديها منتجات من تركيا والكويت وسلطنة عمان والمغرب والجزائر وتونس والسودان والصين والهند وإيران واليونان وأوروبا والولايات المتحدة وكندا ودول أميركا اللاتينية وغيرها، والصادرات القطرية شقت أيضا طريقها لليابان وبريطانيا والصين والهند وأوروبا وباكستان وفيتنام وغيرها.
كما اتخذت قطر خطوات مهمة لجذب المستثمر الأجنبي حيث سمحت، ولأول مرة، للمستثمر الأجنبي باقتحام مجالات استثمارية كانت محظورة عليه من قبل وتملك مشروعات بنسبة 100%، وسمحت للأجنبي بامتلاك الأراضي والعقارات عبر سن قانون جديد، واستقطبت بنوكا وشركات عالمية كبرى فرت من الإمارات.
الرسالة الثالثة:
ربما تريد الدوحة إرسال رسالة ثالثة بقرار مقاطعة سلع دول الحصار هي أن سياسة قطر في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات والسلع حققت أهدافها، وأن حملة زيادة الإنتاج محلياً بما في ذلك المواد الغذائية والسلع الوسيطة بدأت تؤتي ثمارها، وأن الألبان واللحوم القطرية حلت مكان الألبان واللحوم السعودية على مائدة الأسرة، وأن الأغذية المحلية باتت منتشرة في المولات والمحال التجارية المحلية، وأن المستهلك القطري باتت يده تمتد للمنتج المحلي بلا تفكير لجودته، وأنه إذا ما وجدت بضائع مهربة من السعودية والإمارات فإن المستهلك يغض الطرف عنها.
الرسالة الرابعة:
أن الدوحة ستحمي أسواقها المحلية من السلع المهربة القادمة من دول الحصار، وستقضي تماما على عمليات تهريب السلع للسوق القطرية بهدف حماية المستهلكين من سلع مجهولة المصدر، وما تتخذه قطر من إجراءات هو بهدف المحافظة على الصحة العامة وحماية المستهلك ومكافحة الاتجار غير المشروع في السلع.
الرسالة الخامسة:
هي أن قطر لم تعد تعيش تحت ضغط نقص المواد الخام والسلع الوسيطة اللازمة لمشروعات كأس العالم خاصة مواد البناء التي كان أغلبها يأتي من السعودية عبر الحدود البرية، أو من الإمارات عبر جبل علي، فقد أنجزت الكثير من هذه المشروعات وفي وقت قياسي، ولم يتبق سوى القليل، وأن 90% من ملاعب مونديال 2022 ستكون جاهزة بحلول عام 2019، وأن ما لدى الدوحة من مواد بناء يكفي لإنجاز هذه النسبة المتبقية.